رهانات جديدة لأحزاب السعودية في لبنان!
محمد حمية
ما يُمكِن ملاحظته منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة حتى الآن هو أن مع كُل تصعيد أميركي إسرائيلي خليجي في المنطقة يُقابله تشددٌ من فريق 14 آذار في الداخل اللبناني، وتحديداً في ملف تأليف الحكومة وأزمة النزوح السوري والعلاقات اللبنانية السورية، فلم يُخفِ أركان الفريق الآذاري رهاناتهم على تطورات عسكرية وسياسية تحدث تغييراً نوعياً في الإقليم وتُفرِز موازين قوى جديدة تنعكس لصالحهم على المعادلة السياسية الداخلية، فكان الرهان بداية على التدخل الاسرائيلي ضد سورية والغارات المتتالية على أهداف عسكرية للجيش السوري والحرس الثوري الإيراني وحزب الله، ظناً بأنها قد تُفضي الى انسحاب إيران وحزب الله من الجنوب السوري على صورة هزيمة في إطار اتفاق أميركي روسي كانوا يترقبون تتويجه في قمة هلسينكي يضمن أمن «إسرائيل»، فيعود الحزب الى لبنان بنكسة مدوّية يصبح لزاماً عليه دفع ثمنها سياسياً في تأليف الحكومة. فخيّبت القمة آمالهم، فكان الرهان أيضاً على ضرب التوازن السياسي في العراق لصالح الولايات المتحدة والسعودية. فقالها الحريري حينها رداً على كلام قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني: «إذا خسر البعض في العراق لا يعني أن يعوّض خسارته في مكان آخر»، ويقصد لبنان. وكان الحريري يؤشر إلى رهان في العراق على مواجهة بين السيد مقتدى الصدر والحشد الشعبي الذي يمثله هادي العامري فإذ بالصدر والعامري يعلنان التحالف.
كانوا يظنون أنّ ما اعتقدوه خسارة الدور السياسي لطهران في العراق يُضعف حزب الله في لبنان. وبالتالي يعدل التوازن الجديد الذي أحدثته نتائج الانتخابات.
كما لم يَكْتُم رئيس «القوات» سمير جعجع رهانه على الهجوم العسكري الذي شنه التحالف الخليجي – العربي على اليمن للسيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، فقال حينها: «ستنتهي أزمة اليمن قريباً ولو لم يتم التدخل في اليمن لكانت وقعت تحت السيطرة الإيرانيّة». كما كان رهان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط واضح على انقلاب دروز سورية على الدولة السورية وانقسام جبل العرب عن سورية وانخراطه في تحالف مع «إسرائيل» على حدود الجولان المحتل ما يشكل تهديداً كبيراً للعاصمة السورية دمشق.
يبدو واضحاً إصرار السعودية على حكومة تضمن فيها للأحزاب الثلاثة المستقبل – الاشتراكي – القوات حصة وازنة جداً في الحكومة العتيدة، ما يؤدّي إلى إمساك الرياض بلبنان وتعطيل دور حزب الله الإقليمي واللبناني. فما هو الرهان الجديد لأحزاب السعودية في لبنان لتحقيق ذلك بعد سقوط الرهانات السابقة؟ هناك سعي مكشوف لـ 14 آذار للحصول على 13 أو 14 وزيراً للإمساك بقدرة التعطيل من دون التفريط برئاسة الحكومة والاضطرار إلى استقالة رئيسها.
كذلك يبدو أن الفريق السعودي في لبنان يراهن على تفجير إيران من الداخل بواسطة القرارات الأميركية التدميرية التي دخلت حيّز التنفيذ منذ يومين. وهي مقاطعات اقتصادية وصولاً الى منع استيراد النفط الإيراني بالقوة وهم يعتقدون بأن إيران ستُقفل مضيق هرمز كردّة فعل ما يؤدي الى تسديد ضربة أميركية قاتلة لها أكدها أمس، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جون بولتون الذي حذّر إيران من إقفال المضيق، والسعوديون أيضاً يتحدون إيران لاستدراجها الى إقفال هرمز أو باب المندب كي تتسبب بحرب عليها.
وأظهرت مفاوضات تأليف الحكومة إمساك السعودية بالثلاثي الحريري – جعجع جنبلاط بشكل تام. فهي تمكنت من إعادة الحريري الى «بيت الطاعة» بعد محاولته الخروج عن طور المملكة خلال أزمة احتجازه، فصحيح أنها أخرجته من أسره، لكنها حجزت على عائلته وأمواله وأملاكه المنقولة وغير المنقولة وربما تُمسك بورقة أمنه الشخصي أيضاً، بينما تسيطر على موقف جعجع عبر مدّه دورياً بـ «المال النظيف» الذي لا يُنكره رئيس «القوات» وأيضاً تُمسِك جنبلاط ببعضٍ من «عائدات النفط» وبوعد إعادته الى موقعه كـ «بيضة قبان» في المعادلة الداخلية ومساعدته لتمرير توريث آمن لابنه تيمور.
لكن متى تنتهي وظيفة 14 آذار؟
تُدرك المملكة والعارفون بتوازنات السياسة اللبنانية بأن لا حكومة من دون توقيع الرياض عليها. وهي قادرة على عرقلة تأليفها عبر حلفائها في لبنان، إذ إنها تدرك حاجة الرئيس ميشال عون وفريق المقاومة في لبنان لتأليف حكومة لمواجهة التحديات الجمة وإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي ومن الانفجار الاجتماعي المقبل نتيجة أزمة النازحين. وبالتالي لن تستعجل المملكة التفريط بهذه الورقة التي يمكنها استخدامها في لعبة التفاوض مع إيران في اللحظة المناسبة. وبحسب مصادر مطلعة لـ «البناء» فإن الأشهر الثلاثة المقبلة سيبلغ الضغط الأميركي على إيران ذروته بالتوازي مع فتح أميركي لخطوط التفاوض مع طهران، أعلن عنها ترامب منذ يومين على برنامجها النووي ودورها الإقليمي لا سيما في رفضها صفقة القرن. فبالتأكيد لن تحرق السعودية ورقة تأليف الحكومة قبل أن تؤتي العقوبات أُكلها وانتظار بصيص أمل يؤشر الى تنازل ما من ايران، ما يعني أن فريق 14 آذار سيستمر في المناورة حتى الخريف المقبل موعد الدفعة الثانية من العقوبات التي تشمل تصدير النفط الإيراني التي وعد بها ترامب في تشرين المقبل، وقد يظنّ الفريق الآذاري بأن عون وحزب الله سيطلبون من إيران تقديم تنازل للسعودية للإفراج عن الحكومة في لبنان، أو يراهنون على تنازل إيران في العراق أو اليمن أو سورية فتُسهل السعودية تأليف الحكومة.
لكن السؤال: ماذا لو تمكّنت الجمهورية الإسلامية في إيران من إنقاذ نفسها من الحرب الأميركية الاقتصادية عليها؟ على ماذا سيراهن «فريق الثورة» في لبنان؟