المواجهة الأميركية الإيرانية تتصاعد مع العقوبات ورفض طهران عرض ترامب التفاوضي الحريري ينفي تأخير الحكومة… وتساؤلات حول وساطة فرنسية جديدة بينه وبين السعودية
كتب المحرّر السياسي:
بدت المنطقة على أبواب مرحلة من التجاذب التصاعدي بعدما دخلت العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وردت طهران على دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرفض، ما يعني أن السعي الأميركي لمخرج مناسب من الانسحاب من التفاهم النووي يبقي يدها العليا حاضرة عبر مشهد العقوبات، ويمنح إيران فرصة الحفاظ على جوهر التفاهم مع تعديلات تمنح واشنطن مظهر البطولة. والرفض الإيراني للتفاوض وفقاً لمصادر إيرانية مطلعة ليس رغبة بالمواجهة، بل نتيجة قراءة عقلانية لمسار المواجهة، فواشنطن خرجت من تفاهم أنتجته مفاوضات وأسقطت اتفاقاً متعدد الأطراف من طرف واحد، فما هي ضمانة بقاء أي تفاهم يتمّ التوصل إليه عبر تفاوض جديد، وثانياً لأن المعادلات المعنوية في العلاقات الأميركية الإيرانية التي تحكم أي تفاوض أو مواجهة تفرض حضورها على كل توازنات المنطقة، خصوصاً أن العلاقة الأميركية الإيرانية لا يمكن تفادي تأثيرها وتأثرها بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية والمواجهة الإيرانية الإسرائيلية. وطهران معنية من موقعها في محور المقاومة بعدم منح واشنطن ما يتيح تعويض هزائم الحلف الذي خاضت عبره حروبها في المنطقة بالإيحاء بتحقيقها نصراً على إيران، وعن كون التفاهم النووي ولد بنتيجة تفاوض. فلماذا يرفض الإيرانيون التفاوض هذه المرة مع بقاء العقوبات؟ تقول المصادر، إن التفاوض السابق تمّ في ظل عقوبات من الأمم المتحدة، وتشاركت فيه الدول الدائمة العضوية ولم يكن قد سبقه اتفاق تم إلغاؤه. والآن إيران ملتزمة بتفاهم صدر بقرار عن مجلس الأمن، وتلتزمه كل الأطراف المعنية به ما عدا أميركا. والطبيعي إن كان لديها ما تفاوض عليه هو أن تلغي العقوبات كثمرة للتفاهم والقرار الأممي الذي ألغى العقوبات، وتطلب عقداً لصيغة الخمسة زائداً واحداً التي أنتجت التفاهم وتطرح ضمنه ما لديها. وتعود للجميع المشاركة في النقاش والحكم على مدى مشروعية المطالب المعروضة. أما الانسحاب من التفاهم وفرض العقوبات والدعوة للتفاوض فهي ببساطة تعني أن إيران تتقبّل لغة العنجهية معها وتفاوض مَن يعاقبها، وتفاوض لتعديل تفاهم معها شركاء فيه دون وجودهم، وترتضي تعديله بينما تطالبهم بالتمسك به، وكل هذه مستحيلات.
المنطقة التي يتشارك فيها الأميركيون والإيرانيون ساحات المواجهة من القضية الفلسطينية، إلى اليمن وسورية والعراق ولبنان، تستعد لمزيد من التوتر والتصعيد، رغم محدودية الخيارات الأميركية في حالة سورية، حيث يتواصل تحقيق التقدم العسكري والسياسي لحساب الدولة السورية، بينما يبدو التعثر الحكومي في لبنان والعراق تعبيراً عن رفض واشنطن للتسويات مع حلفاء إيران، واعتبارها إقراراً بقوة ونفوذ إيران في ساحات المنطقة.
في لبنان بقي التعثر الحكومي رغم نفي الرئيس سعد الحريري المكلف بتشكيل الحكومة تأخير تشكيلها وتطمينه اللبنانيين إلى أنه يواصل مساعيه مع الأطراف المختلفة. قالت مصادر متابعة إن الموقف السعودي اللامبالي بولادة الحكومة كافٍ للعرقلة، وإن الرئيس الحريري يعلم بأنه لا يستطيع خوض مواجهة مع مطالب حليفيه في القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي من دون التسبب بغضب سعودي، رغم إدراكه وإقراره أنها مطالب مضخمة، ولا يستطيع تخفيض سقوف هذه المطالب بصورة تسهل تشكيل الحكومة دون تدخل سعودي غير متوفر. وهذا ما يفسر المعلومات التي تحدثت عن استعانة الحريري بالوساطة الفرنسية مع السعودية، بعد تعذّر تواصله المباشر مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
في الشأن الداخلي أيضاً، أعلنت بلدية صور صرف النظر عن مشروع توسعة الكورنيش البحري الذي يحمل اسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بطلب منه. وهو من المواضيع التي كانت على طاولة البحث بين قيادتي حركة أمل وحزب الله أول من أمس، في إطار تحصين العلاقة بين الحليفين. بينما في الشأن الكهربائي فقد كان الأبرز الاجتماع الذي ضم وزراء الداخلية والطاقة والاقتصاد لبحث ملف المولدات الكهربائية وتسعيرتها. وقد أكد الاجتماع العزم على مواجهة تمرّد أصحاب المولدات مهما كان الثمن سواء في تركيب العدادات أو في التزام التسعيرة.
لا شيء على الصعيد الحكومي سوى تراشق اتهامات التعطيل بين المعنيين بالتأليف. بالنسبة إلى بعبدا لا تزال الأمور ضمن السقف الزمني المعقول، بيد أنّ الرئيس ميشال عون لن يقف مكتوف الأيدي، إذا استمرّ الوضع على هذا المنوال، انطلاقاً مما منحه إياه الدستور من صلاحيات قد يستخدمها لإنقاذ البلد، بحسب ما تؤكد مصادر في التيار الوطني الحر لـ «البناء»، مع تلميح المصادر إلى أيادٍ خارجية دفعت بالرئيس المكلف سعد الحريري إلى المماطلة في التأليف بانتظار التطورات الخارجية.
واتهمت مصادر 8 آذار لـ «البناء» فريق 14 آذار بتلقي تعليمات واضحة من السعودية لعرقلة تشكيل الحكومة في لبنان، إذ تراهن السعودية على العقوبات الأميركية الجديدة بإضعاف إيران وإجبارها على تقديم تنازلات في المنطقة، وبالتالي إضعاف موقع وموقف حلفائها في لبنان، لكن المصادر أكدت بأنّ طهران لن تقدّم أيّ تنازل ولن تذهب للتفاوض مع أميركا في ظلّ بقاء هذه العقوبات، وبالتالي لن تفاوض إلا بعد تحقق شرطين: تراجع أميركا عن العقوبات والثاني عودة واشنطن عن قرارها الانسحاب من التفاهم النووي الإيراني». ورأت المصادر بأن موازين القوى في المنطقة ليست لصالح 14 آذار في لبنان. ودعت المصادر الثلاثي الحريري وجعجع وجنبلاط لتسهيل مهمة تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، ورأت أنه والى جانب العقدة الإقليمية هناك عقد داخلية أبرزها التنافس المسيحي على الزعامة المسيحية وعلى رئاسة الجمهورية المقبلة بين باسيل وجعجع، ويترجم ذلك بالصراع على الحصص والحقائب الوزارية، الى جانب العقدة الدرزية في ظل تمسك جنبلاط بالحصة الدرزية كاملة في إطار الصراع على الزعامة الدرزية مستقبلاً بين جنبلاط وأرسلان في الوقت الذي يستعدّ جنبلاط لتوريث ابنه تيمور الزعامة.
وأشار رئيس تكتل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل الى أنه «لا يجوز ابتزاز العهد بوجوب تشكيل حكومة لتولد الحكومة معطّلة، ونحن تنازلنا سلفاً عن أمور كثيرة، وإذا تطلّب الأمر عملية سياسية دبلوماسية شعبية لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي الذي نحن فيه، فلن نتأخر»، لافتاً إلى «أننا لن نقبل بأيّ حكومة، فمطلبنا حكومة منتجة وقائمة على عدالة التمثيل وعدم وجود استنسابية أو مزاجية عند أيّ جهة سياسية».
وأضاف باسيل: «سنعمل لبناء الدولة. وهذا عهدنا وما زلنا ننتظر تشكيل حكومة قائمة على معيار واحد، هو إرادة الناس خلال الانتخابات النيابية وعلى عدالة التمثيل وعلى عدم وجود الاستنسابية وأن تكون منتجة».
واستغرب الرئيس الحريري في دردشة مع الصحافيين، قبيل ترؤسه اجتماع كتلة المستقبل النيابية، «تحميله مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة»، وأكد أنه على «تواصل مع الأفرقاء كافة وإنْ لم يلتق بهم». وأشار الى أنهم «يرمون بالمسؤولية عليّ في التأخير في حين أنّ كلّ طرف يتمترس وراء مطالبه، وعليهم جميعاً التواضع والتضحية من اجل مصلحة البلد».
ورداً على سؤال حول عدم لقائه الوزير باسيل حتى الآن قال: «قد أتصل به وأدعوه لزيارتي لكني لم ألمس جديداً حتى الآن، فأنا أعرف موقف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وأعتبر أنّ على الجميع أن يلتفتوا إلى الوضع الاقتصادي. أما إذا كان المطلوب من رئيس الحكومة أن يقدّم هو كلّ التنازلات فنحن ضحّينا كثيراً».
أما بخصوص العقوبات الجديدة على إيران وتأثيرها على تشكيل الحكومة، قال: «نحن على تواصل مع حزب الله، وهو يريد تشكيل حكومة، والجميع يريد حكومة». ونفى الحريري أن «يكون هناك أيّ تدخل خارجي لمنع تشكيل الحكومة»، وقال: «على العكس من ذلك، هناك اندفاع من الخارج لإرساء الاستقرار في لبنان».
وأكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم استعداد الأمن العام للتعاون مع مَن يريد إعادة النازحين «لأنّ الأمن العام هو المعبر الإجباري للعودة»، مشيراً إلى أنّ الحكومة اللبنانية لا تريد التواصل مع السلطات السورية المعنية بملف العودة لأسباب سياسية لا علاقة لنا بها». وأكد أنّ «المعابر غير الشرعية باتت تحت مراقبة الجيش ودورياته، وكذلك المعابر الشرعية تحت إدارتنا»، مشدّداً على أنّ مكافحة الإرهاب مستمرة، مشيراً إلى أنّ الإرهابيين افتقدوا مصادر القوة بعد تطهير الجرود في عرسال والقاع ومحاولاتهم لإحياء الأعمال الإرهابية تحت المراقبة». ولاحظ أنّ مهلة تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة «لا تزال طبيعية».
على صعيد آخر، أبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزيرة الدفاع الايطالية اليزابيتا ترنتا التي استقبلها في قصر بعبدا، أنّ «التهديدات الإسرائيلية المستمرة للبنان والظروف غير المستقرة التي تحيط بالمنطقة تحتمان تمديد ولاية القوات الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» وفق الشروط نفسها لجهة المهام الموكلة اليها وعدد أفرادها وحجم موازنتها»، لافتاً الى أن «هذه القوات تلعب دوراً مهماً في حفظ الامن والاستقرار على الحدود الجنوبية بالتعاون مع الجيش اللبناني». وهنأ الرئيس عون الوزيرة ترنتا بتعيين الجنرال ستيفانو دل كول قائداً جديداً لـ «اليونيفيل» خلفاً للجنرال مايكل بيري، متمنياً له التوفيق في مهمته الجديدة. وكانت الوزيرة ترنتا جدّدت «التزام بلادها العمل ضمن القوات الدولية في الجنوب لا سيما بعد تسلّم إيطاليا قيادتها»، مؤيدة مطلب لبنان التمديد لـ «اليونيفيل» من دون أي تعديل في مهامها.