طهران.. «التعطيل» الأوروبي يتمرّد على العقوبات الأميركية
سماهر الخطيب
في السابع من آب بدأ سريان العقوبات الأميركية الجديدة على إيران ودخل معها «قانون التعطيل» الأوروبي حيّز التنفيذ الذي يسمح للشركات الأوروبية بتجاهل العقوبات الأميركية ضد إيران، وهو القانون الذي أقره الاتحاد الأوروبي عام 1996 للالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على كوبا وليبيا وإيران، بحماية الشركات الأوروبية من العقوبات التي يتخذها طرف ثالث، كما يحظر على المؤسسات الأوروبية الامتثال للعقوبات الأميركية تحت طائلة التعرّض لعقوبات يحددها كل بلد عضو على حدة.
وتمّ تفسير هذه الخطوة بـ»الرغبة في حماية الشركات الأوروبية» التي تمارس نشاطاً تجارياً مع طهران.
إعلانان تزامنا في توقيت واحد كما الحرب والحرب المضادة، على صعيد العالم بأسره، لأنّ دولاً عديدة وعلى رأسها الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الهند والصين وروسيا وتركيا، أعلنت رسمياً عدم الالتزام بهذه العقوبات.
يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب استسلاماً إيرانيّاً كاملاً، عبر فرض اتفاق جديد يلمّع من خلاله صورته أمام مناصريه الجمهوريين، كما حدث مع كوريا الشمالية ويظهر للعلن العالمي فشل سابقه أوباما في رؤيته التي تلخصت في محاولة الانفتاح على طهران بطريقة براغماتية واقعية عبر القوة الدبلوماسية. ويريد ترامب إثبات العكس من خلال رغبته بالتوصل إلى اتفاق يتضمن وقفاً نهائياً ودائماً لكل أعمال التّخصيب النووي، بل وتفكيك البنى التحتية النووية، والتخلي عن البرامج الصاروخية.
أضف إلى ذلك عبر فرض العقوبات يسعى ترامب عبر الضغط الاقتصادي والعسكري إلى قَطع كل وسائل الدعم للقوى المقاومة الحليفة لطهران في المنطقة، بدءاً من «حزب الله»، مروراً بـ»الحَشد الشعبي»، وصولاً إلى سحب المستشارين الإيرانيين بشكل كامل من سورية، انتهاءً بتفكيك الحرس الثوري، ولكنه يدرك أنّ هذه المطالب من المستحيل القبول بِها إيرانياً.
وما قاله بالأمس المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إنّ ترامب ليس أهلاً للتفاوض بل أهل للمزاح، أدق ما يمكن قوله حول ما يدور في ذهنه من مطالب لا تساوم فيها ولا تفاوض عليها الإدارة الإيرانية.
وجدير بالذكر أنّ المسؤولين الإيرانيين أثبتوا جدارتهم بالتفاوض وفق شروطهم وطول بالهم ونفسهم الطويل، واتبعوا دبلوماسية حياكة السجاد، التي دامت عشر سنوات حتى تم توقيع هذا الاتفاق الذي يُعتبر انسحاب واشنطن منه خرقاً للقانون الدولي وابتعاداً عن الشرعية الدولية، فما يحكم العالم والعلاقات الدولية بل والمعاهدات والاتفاقيات الدولية شرعة القانون وليس شرعة الغاب.
فإذا فرضنا جدلاً أنّ الإيرانيين سيذهبون إلى المُفاوضات، فلكسب الوقت، ولتحسين المكاسب وفق شرعة القانون ووفق سيادتها وأمورها السيادية ووفق بنود الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه والتصديق عليه أساساً من قبل الدول 5+1، أضف إلى ذلك أن تقارير المنظمة الدولية للطاقة الذرية أثبتت مراراً وتكراراً سلمية برنامج إيران النووي.
فما تهدف إليه طهران تطوير طاقة «النانو» واستخدامها بما يفيد البشرية في الاستخدامات السلمية وتطوير التكنولوجية لاستخدامها في أغراض سلمية تنموية ولو أرادت أن تطوّر صواريخ عابرة للقارات لما سمحت بالأساس لهذا الاتفاق أن يُشار إليه حتى ولا كانت لتسمح للمفتشين الدوليين بزيارة مفاعلاتها النووية ولما حدّثت بمشاركات تجارية اقتصادية مع الدول الأوروبية.
وهذا ما لمسته أوروبا وكذلك روسيا والصين، فكان الموقف الاصطفاف وراء ما يمليه العقل عليهم والمصلحة المشتركة فيما بينهم بشكل خاص، بعد ما صدر عن ترامب من رسوم جمركية نالت من عمود الشراكة الليبرالية فشعر خلالها الاتحاد الأوروبي بضغوط الولايات المتحدة في جميع الاتجاهات من الرسوم على الصلب والألومنيوم، والتهديد بفرض عقوبات بخصوص بناء «السيل الشمالي- 2»، والعقوبات ضد إيران، واشتراط زيادة الإنفاق العسكري ضمن الناتو وغيرها من إملاءات واشنطن.
في هذه الظروف، قام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن استقلاليته مقرراً معارضة حليفه ترامب.
بالرغم من أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هما جزآن من كل واحد، يُسمّى «العالم الغربي»، فأي خلل في العلاقة بين البيتين هو على وجه الحصر مشكلة داخل الأسرة الغربية الواحدة، فلن يتطوّر إلى شيء أكبر، وسوف يتلاشى في نهاية المطاف، والجميع سيكون قادراً على حفظ ماء وجهه، فيما يبدو أنّ المواجهة الحالية بين شاطئي المحيط الأطلسي سوف تنتهي مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض.
وبالنسبة لإيران، فهي مستعدّة منذ فترة طويلة لنظام العقوبات. وعلى مدى أربعة عقود، نجحت في دراسة طبيعة السياسة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، وكانت حاضرة لكل الاحتمالات، في حال تنصّل الأميركيون وحلفاؤهم من التزاماتهم.
تدرس طهران ردودها بعناية وتجري بانتظام مناورات في ظروف قريبة من الواقع قدر الإمكان. وبشكل عام، كل الإمكانيات الإيرانية – العسكرية والاقتصادية والمالية والجيوسياسية تمّ إعدادها على المستوى المناسب.
روسيا والصين تعهّدتا بالالتزام باتفاقاتهما الاقتصادية مع إيران، وإلى جانبها كل من الهند وتركيا والاتحاد الأوروبي، بالتالي لن تقف وحدها، في وجه هذه العقوبات، ما يعني احتمالات فشل خطة ترامب، وقد تقود إلى هزيمته سياسياً واقتصادياً.