تويني لـ «البناء»: مكافحة الفساد تحتاج إلى إجماع وطني وقرار سياسي كبير لا يقلّ أهمية عن قرار الحرب والسلم

رمزي عبد الخالق

حين قرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنشاء وزارة لمكافحة الفساد أسندها إلى الوزير نقولا تويني تطبيقاً لمقولة «الرجل المناسب في المكان المناسب». كما أنّ المتابعين لعمل هذه الوزارة طبعاً من غير هواة المناكفات المجانية على طريقة «عنزة ولو طارت» يشهدون على حرص الوزير تويني وكفاءته في إدارة الملفات التي تولى إنجازها.

ولا شكّ أنّ الإنجازات التي تحققت خلال سنة ونصف السنة، وخصوصاً على الصعيد التشريعي، تمثل المداميك الأوّلى التي يُبنى عليها ويُزاد في مسيرة مكافحة الفساد، وهي مسيرة يومية لا تتوقف، وليست موسمية كما يريد البعض ممّن يطالبون اليوم مع البحث في تشكيل الحكومة الجديدة بإلغاء الوزارة، فيما التوجّه الأصحّ هو إبقاؤها وجعلها وزارة بكلّ ما للكلمة من معنى من حيث الهيكلية الإدارية والوظيفية، حتى تتمكن من المتابعة والملاحقة بالتعاون والتنسيق مع كلّ الوزارات والإدارات، وأيضاً مع الجسم القضائي الذي يبقى له الدور الأساس في عملية مكافحة الفساد.

للإضاءة على كلّ ذلك كان لـ «البناء» لقاء صريح مع الوزير نقولا تويني في ما يلي وقائعه:

بداية، وبعد التجربة، يقول الوزير تويني إنّ هناك ثلاثة أنواع من الناس الذين يحملون شعارات مكافحة الهدر والفساد:

ـ الأول يضمّ الأوادم الذين يريدون فعلاً مكافحة الفساد ووقف الهدر، وهؤلاء هم الغالبية العظمى من اللبنانيين.

ـ الثاني يضمّ حديثي النعمة الذين جمعوا أموالهم ومكاسبهم خلال فترة الحرب ثم لاحقاً أثناء وجودهم في الدولة، وهؤلاء لا يريدون فتح الملفات القديمة، بل نراهم يرفعون أصواتهم مطالبين بمكافحة الفساد فقط من اليوم وصاعداً، وبالتالي يريدون من الناس أن تنسى ما فعلوه وارتكبوه سابقاً.

ـ الثالث وهو الأسوأ لأنه يضمّ المتورّطين بملفات الفساد الكبيرة والمدهنة، وهؤلاء يسيرون مع الموجة ويقولون علناً إنهم داعمون لمسيرة مكافحة الفساد ويؤيدونها بشكل مطلق، بينما هدفهم الحقيقي من وراء ذلك البقاء في الصورة، ومحاولة معرفة بعض الأسرار من هنا وهناك، واستكشاف أين أصبحنا، وهل أنّ ما يقوله فخامة رئيس الجمهورية ويؤكد عليه في كلّ مناسبة قابل للتطبيق، وذلك لكي يحتاطوا ويحترزوا ويقوموا بما يمكنهم القيام به لوضع العراقيل والمعوقات في طريق الإصلاح ومكافحة الفساد.

يضيف الوزير تويني إنّ مكافحة الفساد هي بالدرجة الأولى قرار سياسي كبير وإجماع وطني لا يقلّ أهمية عن قرار الحرب والسلم، ويحتاج إلى تعاون السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، التي لا بدّ من تعاونها معاً في الحرب على الفساد، وهي حرب أشدّ وأصعب من الحرب ضدّ «إسرائيل»، وكما تمكّن لبنان ومقاومته من تحقيق التوازن الاستراتيجي في مواجهة «إسرائيل»، المطلوب اليوم من الدولة بكلّ سلطاتها قرار كبير لتحقيق التوازن الاستراتيجي في مواجهة الفاسدين والمفسدين.

الورشة التشريعية هي الأساس

في تفاصيل الإنجازات على الصعيد التشريعي يشير تويني إلى أنّ هناك خمسة قوانين صدرت عن المجلس النيابي، وهي تشكل القاعدة الأساسية لمكافحة الفساد، لكنها تحتاج إلى مراسيم تطبيقية تقرّ في مجلس الوزراء، وهو ما ننتظره من الحكومة العتيدة، خصوصاً أننا نفتقد في الدولة اللبنانية إلى أجهزة ملاحقة واستقصاء.

كما يلفت تويني إلى أنّ دور ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وأجهزة الرقابة الأخرى يقتصر على الرقابة اللاحقة وليس المسبقة والاستباقية، حيث أنّ نظام الرقابة اللاحقة غير فعّال دائماً، ولدينا مثال بارز على هذا الصعيد في مرفأ بيروت حيث هناك إدارة مؤقتة منذ سنوات طويلة، ولا تزال مؤقتة ولا أحد يراقب حساباتها، وقد طالبتها قبل أيام بإيضاح حجم المبالغ التي حوّلتها إلى الخزينة العامة عامي 2017 و2018.

لذلك يشدّد الوزير تويني على أننا نحتاج إلى جهاز رقابي مسبق، وهذا لا يتحقق إلا عبر إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد، وهي هيئة استقصائية لها غرفة متخصّصة بمواضيع الفساد.

وهناك أيضاً قانون الإثراء غير المشروع الذي يمكن من خلاله الكشف عن الحسابات المالية الشخصية للوزراء والنواب وكلّ المسؤولين الحاليين والسابقين في الدولة وترصّد حركة تحويلات الأموال إلى الخارج ومنه إلى الداخل.

كما يدعو تويني المجلس النيابي الجديد، وفي البداية رئيس لجنة الإدارة والعدل وأعضاءها إلى أنّ يقرّوا القانون المتعلق بالمناقصات الحكومية، ليتمّ تطبيق آلية موحدة لجميع مناقصات الدولة والمؤسسات العامة من خلال إدارة المناقصات، مع توحيد التصنيف للمقاولين، معتبراً أنّ هذا القانون هو من أساسيات وضروريات العمل على الحدّ من الهدر والفساد.

ويشير تويني إلى أنّ هذا القانون يُعتبر الباب الرئيسي للشروع في مناقصات عادلة وشفافة وتنافسية، يُمكّن الدولة من إشراك عدد كبير من المقاولين ويحافظ على المال العام من الغش والتآمر والهدر، وينجز المشاريع بفعالية عالية وبكلفة تنافسية تقارب حقيقة أسعار التنفيذ الفعلية.

ويأمل الوزير تويني خيراً من المجلس النيابي الجديد، رئيساً ونائباً للرئيس وأعضاء، خاصة أنّ الجلسة الأولى للجان النيابية المشتركة أقرّت مشروع قانون حماية كاشفي الفساد، على أمل أن يتبعه إقرار الآلية الموحدة للمناقصات والصفقات، والإثراء غير المشروع، والهيئة العليا لمكافحة الفساد».

وتُضاف هذه القوانين المرتقبة جميعها إلى القانون الذي كان أقرّ سابقاً بشأن الحق في الوصول إلى المعلومات، لتمثل أسساً قانونية إلزامية التطبيق من أجل مكافحة فعّالة وقانونية لآفة الفساد في وطننا، تماشياً مع ما قامت به البلدان الأخرى ومع توقيع لبنان للمعاهدات الدولية.

استعادة الأموال من العراق

بالانتقال إلى موضوع الأموال اللبنانية في العراق، يشير الوزير تويني إلى أنّ الجهود التي يقودها بالتعاون مع الفريق المؤلف من المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري ورئيس مجلس رجال الأعمال اللبناني ـ العراقي عبد الودود النصولي، في متابعة موضوع الديون العالقة بين الدولة العراقية والشركات والمؤسسات اللبنانية، بدأت تثمر نتائج إيجابية على صعيد حلحلة عقد هذا الملف العالق منذ سنوات، وأولى هذه النتائج تلقي الدولة اللبنانية الأسبوع الماضي خبر تحويل مالي من البنك المركزي العراقي إلى البنوك اللبنانية بتسديد دفعة من إيداعاتها لدى البنك المركزي العراقي فرع أربيل.

وشكر الوزير تويني رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي ووزير المالية بالوكالة الدكتور ماهر حماد جوهان وحاكم البنك المركزي العراقي الدكتور علي العلاق، وكلّ من ساعد وساهم في استرجاع هذه المبالغ المحقة للبنوك اللبنانية، آملاً أن تقفل كلّ مواضيع الديون العالقة بين الدولة العراقية والشركات والمؤسسات اللبنانية في إطار مبدأ الأخوة والصداقة بين الدولتين.

ويشدّد تويني على أنّ الشكر الأول والأخير يجب أن يوجّه إلى فخامة الرئيس العماد ميشال عون لأنّ دعمه وتحفيزه وتشجيعه لنا وسهره الدائم على مواصلة العمل، كلّ هذا أدّى في النهاية إلى التنفيذ الناجح لهذه المهمة الوطنية.

يُذكر أنّ اللجنة المُشار إليها أعلاه تمّ تشكيلها بقرار من مجلس الوزراء برئاسة الوزير تويني، وذلك بناء على المحادثات التي جرت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظيره العراقي فؤاد معصوم ومسؤولين عراقيين آخرين، خلال زيارته للعراق في شباط من العام الحالي على رأس وفد وزاري ونيابي وإداري وإعلامي كبير.

وكان الوزير تويني أعلن منتصف شهر تموز الماضي عن تلقي وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد بعد متابعتها ملف الديون اللبنانية لدى العراق، «جواباً رسمياً إيجابياً بالاعتراف بالديون اللبنانية التي ترتبت على العراق خلال سنة 2003 وما بعدها، كما هي وبشروطها التعاقدية».

خط بيروت ـ دمشق ـ بغداد

إضافة إلى هذا الإنجاز المالي المهم جداً، يقول الوزير تويني إنّ علاقتنا مع العراق لا تهدف فقط إلى استعادة الأموال اللبنانية، بل نريد توسيع العلاقات التجارية، حيث أنّ تفعيل خط بيروت – دمشق – بغداد كفيل بإعادة لبنان إلى ما كان عليه منذ عقود، حيث يمكن للشركات اللبنانية الدخول إلى السوق العراقية والاستثمار فيها. أما سورية فهي تمثل سوقاً زراعية كبيرة، وتشكل 60 في المئة من الدخل القومي لسورية سنوياً، وبالتالي هناك فيض زراعي كبير في سورية يكفي الشعب في لبنان والعراق وسورية، وإذا عملنا على تنمية الصناعات البتروكيميائة والصناعات الغذائية في لبنان يمكن أن نقيم شبكة تفاعلات قوية وتاريخية بزمن قصير، خاصة أنّ هناك عمقاً جغرافياً واقتصادياً وديموغرافياً كبيراً. فهناك 60 مليون نسمة ويمكن للبنان الاستفادة من السوق في المنطقة حيث تتوفر الزراعة والصناعة والنفط والغاز ويمكن أيضاً مدّ الجسور إلى إيران وتركيا وثم أوروبا.

ويختم الوزير تويني بأنّ سورية تشكل المركز الحيوي للمنطقة، وعندما تفتح الحدود اللبناية السورية الأردنية سيزيد مدخول لبنان من الزراعة حوالي مليار ونصف مليار دولار، من خلال تصدير المنتجات الزراعية والصناعية اللبنانية إلى الخليج والعراق، كما أنّ حجم الصادرات اللبنانية سيرتفع أكثر فأكثر عندما يُفتح معبرا التنف والبوكمال على الحدود العراقية السورية حيث تنخفض كلفة النقل كثيراً عبر هذه المعابر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى