تركيا اليوم اقتصادياً… والسعودية بحقوق الإنسان
جمال محسن العفلق
بعد مسرحية الانقلاب في تركيا، والتي نتج عنها تعزيز موقع «لص حلب» رجب أردوغان وحزبه في الشارع التركي، وهو استطاع كنتيجة طبيعية لفشل الانقلاب إقصاء عشرات الآلاف من معارضيه من الجيش والقضاء وفي أكثر مفاصل الدولة التركية أهمية، وتعزيز دور عصابته العاملة بتجارة السلاح والمخدّرات والنفط المسروق من الآبار السورية والعراقية على يد داعش، بالإضافة الى الاتجار بالبشر من خلال مراكز تجارة الأعضاء البشرية التي تديرها مراكز صهيونية في تركيا، وخطف الأطفال وبيعهم، كما استفادت عصابته من عمليات نقل اللاجئين الى أوروبا مقابل مبالغ ضخمة، تأتي اليوم الحرب الاقتصادية المعلنة عبر موقع «تويتر» من قبل الرئيس الأميركي ترامب ليخرج أردوغان بتصريحات يناشد فيها الشعب التركي بيع الذهب والعملة الصعبة وإيداعها في البنوك التركية، وهو بهذا يريد سرقة أموال الشعب التركي بحجة الحرب الاقتصادية على تركيا، ولكن بمجرد التوقف عند التاريخ التركي عامة وتاريخ أردوغان وعلاقته بالصهيونية وحكومة الكيان الصهيوني نجد أنّ أردوغان ليس أكثر من وزير صهيوني يعمل لصالح مصالح الكيان من خلال التبعية للولايات المتحدة والمال العربي الذي وصل الى تركيا خلال الحرب العالمية على سورية، وما يكون خلف هذه الأزمة اليوم هو إتاحة المجال لتركيا للتقارب مع روسيا مرحلياً وإجهاد جيران تركيا مثل إيران والعراق وروسيا في دعم الاقتصاد التركي وإغراء التحالف الروسي الإيراني في خوض معركة الإنقاذ للاقتصاد التركي. وهما أصلاً تحت عقوبات غربية تحدّد تحركاتهم الاقتصادية.
فهل هناك أسباب لمعاقبة تركيا اقتصادياً لدى الأميركي؟
لا يُعتقد ذلك، فتركيا في السنوات الثماني الأخيرة كانت خادماً أميناً لقوى العدوان الصهيوأميركي على سورية والعراق وفلسطين، فآلاف المرتزقة قدموا عبر مطارات تركيا والحدود التركية كانت مفتوحة على سورية والعراق وتمرّر الإرهابيين القادمين من كلّ أصقاع الأرض. ومراكز إدارة الإرهاب العاملة بتركيا ما زالت تعمل وبقيادة ضباط الاستخبارات الأميركيين و»الإسرائيليين»، فلماذا تُعاقب تركيا اليوم ولماذا يحاربها ترامب إلا إذا كان يريد ترويض أردوغان لتنفيذ أعمال قذرة جديدة، والخلاف ليس على تلك الأعمال بل قد يكون على موعد تنفيذها أو آلية تنفيذها فمعركة إدلب المتوقعة سوف تُنهي وجود الإرهاب في سورية. وهذا بحدّ ذاته سوف يكون صفعة للعالم بأسره الذي سيتأكد بعد تحرير إدلب أنّ ما حدث في سورية هو عدوان دولي لخدمة المشروع الصهيوني وليس ثورة تغيير كما تحدّث أصحاب الإعلانات على الفضائيات العربية والدولية، وما بعد إدلب سيكون شيئاً مختلفاً، فهل ستقدّم أميركا قرابين من الحلفاء للعالم لتحمّلهم مسؤولية الجرائم التي وقعت في سورية وعلى يد المدعومين من أميركا وحلفائها، هذا ما سنعرفة في قابل الأيام…
أما التصريح الكندي الخجول عن القلق على حقوق الإنسان في السعودية فهو يشبه إلى حدّ كبير استعراضاً فاشلاً لا معنى له، فكم هو غريب هذا القلق الكندي اليوم بأنّ السعودية لا تحترم حقوق الإنسان؟ فهل هذا العالم الحرّ لم يكن يرى كلّ الانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان في السعودية؟ وهل من المعقول أنّ هذا العالم لم يكن يعلم أنّ بيتاً من الشعر قد يجعل من صاحبه تحت حكم ألف جلدة وسجن في السعودية؟
الواضح من هذا الإعلان اليوم هو إشغال الصحافة بمعركة دبلوماسية تدّعي السعودية في ما بعد أنها انتصرت بعد فشلها في عدوانها على اليمن رغم المجازر الوحشية التي تمارسها السعودية من خلال القتل اليومي للأطفال، وأشلاء أطفال اليمن لم تصل صورها الى «العالم الحرّ» ولا إلى أصحاب الخطاب الإنساني، الذين يتحدثون بقلق خجول عن انتهاك حقوق الإنسان في السعودية. إنّ تجويع شعب بأكمله هو جريمة بحق الإنسانية ولا تحتاج الى الكثير من الوثائق والبحث، فتحالف العدوان يعتبر اغتيال الطفولة في اليمن هو انتصار، لأنه ينفذ هذه الجرائم بقنابل أميركية و«إسرائيلية» وفرنسية، وغرفة عمليات يقودها ضباط إنكليز وأميركان، ولا نستغرب إذا كان هناك ضباط من العصابات الصهيونية يقودون هذه الحرب على اليمن وشعبه.
فكم هو صادم ما تداولتة الصحافة عن هذا التعليق الكندي البسيط؟ فأحد الصحافيين العرب كتب في تغريدة له، أقتبس: «مصر تبعث برسالة شديدة اللهجة الى كندا رافضة تدخلها في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، والأردن والسودان تنضمّ إلى دول خليجية عديدة رافضة الوقاحة الكندية. هذه المواقف هي رسالة للغرب، الأمة لن تسمح من الآن التدخل في شؤونها ولن تقبل من الخارج». انتهى الاقتباس.
وهنا علينا أن نصرخ وبأعلى صوتنا عن أيّ أمة تتحدثون؟ ومَن هي الأمة التي لن تسمح بالتدخل في شؤونها؟ هل هي نفسها الأمة التي تسوّق لـ «صفقة القرن» لإنهاء الملف الفلسطيني وإلغاء حق العودة وجعل العصابات الصهيونية أمراً واقعاً، وعلينا ان نحجّ إليها؟ وهل هي الأمة نفسها التي باعت فلسطين ولم تستطع منع ترامب من نقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة؟ أليست هي الأمة نفسها التي أعلنت موافقتها على تدمير العراق وقتل مليون طفل في العراق؟ أليست هي الأمة التي اتخذت قرارها التاريخي بإعطاء غطاء دولي وقانوني لتدمير ليبيا وقتل شعبها وتقسيمها؟ هل هي الأمة التي يتحدث عنها الصحافي الكبير التي وصفت حرب تموز 2006 بالمغامرة وطالبت الكيان الصهيوني تدمير قوة المقاومة وأدارت ظهرها ولم تستنكر ولو بعبارات بسيطة مجزرة «قانا 2»؟ هل هي الأمة نفسها التي تبارك قتل المدنيين في اليمن وتصفق لنجاحات طائرات العدوان بقصف المدارس والأحياء الشعبية؟
أم هي الأمة التي حملت ملف سورية الى مجلس الأمن وطالبت بقصف الشعب السوري وتدمير سورية، وهي الأمة التي جمّدت عضوية سورية في الجامعة العربية وحاولت تكرار الأمر نفسه في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي الأمة نفسها التي حاصرت دمشق وحاولت قتل الحياة فيها، الأمة التي صدّرت الإرهاب وموّلته وبالعلن واختلفوا على «الصيدة»، كما صرح وزير خارجية قطر السابق؟
إنّ هذا القلق الكندي «المسرحية» متأخر جداً، وليس إلا فقاعة إعلامية ليتبجّح الإعلام في ما بعد أنّ السعودية انتصرت في معركتها الدبلوماسية على كندا.
فكلّ العالم يعلم أنّ السعودية مصنع الإرهاب ولا حاجة لتجميل الصورة، لقد خطف الوهابيون الإسلام وصنعوا القاعده وداعش والنصرة وكلّ المنظمات الإرهابية التي تعمل على حماية مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.
إنّ ما يحدث اليوم هو نتيجة للحرب الدولية على المنطقة العربية وتنفيذ لمشروع الشرق الأوسط الجديد فالنار لم تتوقف بعد، وما زال في جعبة الغرب الكثير، والسعودية كما غيرها من الدول سوف ينتهي دورها وتأخذ حصتها من المخطط لها. اذا لم تعد حساباتها وتوقف تمويلها للإرهاب وتنسحب من تحالفها مع الشيطان.