الكاتبة والشاعرة مريم فهمي: الكتابة حقٌّ وواجب وتتطلّب جرأة وشجاعة… وإن لم ينتقدوا كتاباتي أكون بمأزق
رنا صادق
الفكر يصنع من الكلمة واقعاً حقيقياً، لكن هذا الواقع لا يصل غايته إلّا بالإرادة والتصميم، تصميم الشباب وعزيمتهم على التغيير. هذا التغيير يبقى منقوصاً إن لم يتبع خطوات ثابتة وعملية بالمفهوم الثوري المنتفض على التقاليد والممارسات البالية والمجحفة، من ظلم واضطهاد وتعدٍّ.
هكذا هي الشاعرة والكاتبة مريم فهمي التي تحمل شعلة الكلمة الحقّ، قلمها المنتفض لا يسمح للقواعد الظالمة باجتيازه أو بالأحرى لا تسهو عينها عن أي حق وحرية.
«البحث والإصرار درجتان عاليتان للصدق والأمانة» جملة ردّدتها مريم فهمي اختصرت فيها المقدمة، حيث بالإصرار والبحث يبقى المرء على السكّة الصحيحة في اتجاه العلم والمعرفة وتحقيق ما هو أفضل للمجتمع.
لا تهمها الألقاب، ولا تغريها المراكز، هي الشفافة بكلمتها وصادقة بإحساسها وجريئة في تخطيها كسر حواجز الصمت، والتي تتخطّى المألوف ولا تكتب إرضاءً ولا مجاملة.
«البناء» التقت الكاتبة والشاعرة مريم فهمي وغاصت معها في تفاصيل روايتها الأخيرة «ولدت خائنة» وأعمالها المقبلة. في ما يلي تفاصيل اللقاء.
هي مجرّد إنسانة استيقظت ووجدت نفسها في رقعة تملؤها الوحشيّة، بحسب قولها. ترعرعت تحت سقف من الحبّ بين أمّ مضحية وأب كادح… كبرت بين الكتب، وتموضعت في حوارات وجودية الأمر الذي تعتبره خطيراً ومتعِباً.
وتقول عن ذلك «خطير إذ يجعل الإنسان يطرح الأسئلة الدائرية المحظورة في مجتمعٍ محدود بالرجعية والتقاليد البالية، ومتعِب إذ يصبح المرء عرضةً دائمة للاتهامات الصفراء.
مريم فهمي حائزة على دبلوم في السياحة، رغم أنها قضت حياتها في منفى المساءلة بحسب قولها لـ»البناء». كما وحائزة على إجازة في علم النفس العيادي وتتابع دراساتها العليا في هذا المجال.
وتقول في هذا المجال «وجدتُ انتمائي لذاتي وللإنسان. لي شهادات مطابقة في الإرشاد الصحي واللاهوت وغيرها… باختصار، المعرفة بالنسبة لي أعظم من الشهادات تلك، فالبحث والإصرار درجتان عاليتان للصدق والأمانة».
الكتابة عالمها الخاص من الحبر والورق
الكتابة بالنسبة إليها هي بوق حقيقة ومشعل وقنديل.
وتقول «يكفي أن تجدي نفسك في مجتمع يرى المرأة الجسد وليس المرأة الفكر! هناك حيث الوحشيّة والرذيلة متربّعتان على العرش، والإنسان آلة حديدية تقتل وتدمّر من دون أي رادع، فتصنعين لنفسك عالماً خاصاً من حبرٍ وورق».
رواية «ولدتُ خائنة»… ليست خائنة
«ولدت خائنة» عنوان جريء، غامض ومشوّق، فتعتبر فهمي أن القارئ حين يقرأ العنوان للوهلة الأولى سيظنّ بأنها خائنة وسيتلهّف لمعرفة تفاصيل هذه الخيانة أكثر. وهذا فعلاً ما حصل!
وتضيف «في روايتي «خيانات دامية» لم تحصل على سرير ولم تختبئ تحته. خيانات لم تخلع ثوب النزاهة في فندق ولا في غرفٍ مقفَلة. أهناك أعظم من خيانة الانسان إنسانيته؟ أيوجد أبشع من خيانة الإنسان مبادئه وقيمه؟ الخيانة ليست جسداً عارياً في قبو مظلم، الخيانة فكرٌ عارٍ من النزاهة والأخلاق وإنسانية مضمّخة بالوحشيّة».
أمّا غلاف رواية «ولدت خائنة» الذي تجسّدت فيه امرأة واقفة تنظر إلى غروب الشمس عند البحر وخلفها الكرسي البني يترك العديد من الإشارات في ذهن القارئ عن تلك المرأة. وتقول فهمي عن ذلك «كي تكون الرواية حيّة لا بدّ من أن يكون الغلاف كذلك أيضاً. واختيار الغلاف لم يكن بتلك الصعوبة بقدر اختيار ريشة جديرة بنقل الفكرة التي أبحث عنها. تقصّدتُ اختيار فنّانة تشكيليّة وليس فنّاناً. فحين يكون الموضوع عن «الخيانة» أعتقد بأن الأنثى تكون أكثر جدارة في التعبير عن هذا الجانب لأنّها ستُبرز مخالبها في الألوان لتصنع لوحة مشابهة لها. ودارين روكز غير أنّها صاحبة ريشة جميلة الاّ أنّها استطاعت أن تقرأ المرأة التي تسكنني. وهذا ما جعلها ترسم غلافاً يحكي أكثر منّي.
ضربة مطرقة!
عن سؤالها ما إذا كانت رواية «ولدت خائنة» انتفاضاً أم ضربة مطرقة، تقول «انتفضنا بما فيه الكفاية في «وجهة نظر»، لذلك رواية «ولدتُ خائنة» هي ضربة مطرقة.
وتضيف «إنّ طرح أيّ موضوع إنسانيّ بشكلٍ فذّ وبقسوة، لا ينبع إلاّ من صدر مثقوب ينزف وجعاً، لكنّ الخطورة تكمن في تحوّلِنا كائنات تستخف بكلّ شيء وبكلّ أمر.
لا تعتبر نفسها شاعرة. فهي مجرد إنسانة تنزف فتكتب. تكتب عن المنطق اللامنطقيّ للأشياء ولا يهمّها أن يحبّوها أم لا… ولا يهمها إن أعجَبَتهم كلماتها أم لم تعجبهم، فهي لا تكتب لأحد ولا كي يُعجب بها أحد. حيث تقول إنها تكتب ربّما تستيقظ هذه الضمائر النائمة من سباتها.
بين الشعر والكتابة خليط مشاعر وصدق أقوال، ويعتبر البعض أن ثمّة متاهات بين الشعر والكتابة، حيث ترى فهمي أن في الشّعر يذهب الشاعر خلف مشاعره ليصنع منها قصيدة، وفي الكتابة الأمر مختلف تماماً ُذ ينسى الكاتب مشاعره ليبرز قضيّته لا سيما إذا كانت قضيته قناعة راسخة عن وعي واتزان.
وحسب بعض أبيات من قصيدة لفهمي فيها من الانتظار شيء والألم أشياء:
«أنا المولعة بالغياب
فتحتُ شبابيكي للطيورِ المهاجرة
أنا السّيدة المليئة بالأعذار
تسكنني كلّ الاحتمالات!
أنا وحدي، ملأتُ نفسي بي!
خبّأتُ شكوكي في شقِّ قميص
علّ العصافير تجيئني
وتبني أعشاشها فوقي!
أنا جزءٌ تجزّأ منّي
ويداي حزنٌ التصق بي
كان لي ماضٍ رماديّ
ومستقبلٌ في حلم
أهربُ اليه كلّما عانقتني وسادة!
أعرفُ عنّي نصفَ الأشياء
والنصف الآخر
قد راهنت عليه ذاكرتي
للطرقات…».
«وجهة نظر» ثورة مباشرة على الفساد
تقول عن كتابها «وجهة نظر» أي مولودها الأول، إنه «عبارة عن مجموعة نصوص واقعية تُسلّط الضوء على قضايا إنسانية ولا سيما الظلم والإجحاف بحقّ الإنسان بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص. تناولت في «وجهة نظر» الانسان بعين الحقيقة المعيشة، فكان ثورة مباشرة على الفساد المتفاقم في عالمنا ووطننا بسخرية نابعة من وجع عميق استطعتُ أن أصفع كوكباً يتداعى وأركل سياسات فاسدة بكامل وعيي»!
وتضيف «لم يتطلّب الأمر جرأة كافية بقدر ما تطلّب صدقاً وشفافية، وأعتقد بأن هذا هو السبب الوحيد الذي يدفع المنافقون لإدانتي وصلبي كلّ يوم».
إنسانيتها وجّهتها إلى المدرسة الواقعية
لم تتقصّد أن تحصر نفسها في مدرسة أدبية معينة. ولكنّ انحيازها للإنسان أعطى نصوصها طابعاً واقعياً، فالمدرسة الواقعية تنقل الإنسان بمعاناته ويومياته وواقعه.
فهي تعتبر أنه حين تولد في مجتمعٍ فظّ يجتهد في سحق الإنسان، وأن تجد نفسك محاصراً بعدد من الحمقى والسُذّج والمراوغين المتطرفين يكفي كي تصنع لنفسك عالماً خاصاً بك وتبتعد عن كلّ ابتذال.
يعتبر البعض أن التوجّه إلى نقد المجتمع وفساده وإبراز الحقّ جرأة والبعض الآخر يضعه في خانة الواجب، أمّا فهمي فتقول عن ذلك «عندما تشتري ربطة خبز فواجبك أن تدفع ثمنها، لكن حين تشتري ربطة خبز واحدة ويطالبك البائع بدفع ثمن ربطتين فمن الجرأة أن ترفضي لأن هذا من حقّك».
وتضيف «لذلك أنا لا أعتقد بأنني أتسبّب بأي أذى حين أرفع صوتي عالياً في وجه الفساد، وإذا كان هذا المجتمع الذي نعيش فيه جباناً ومعتاداً على العبودية وكتم الصوت، فهذا لا يعني أن نقبل أبداً بالظلم والإجحاف والذلّ، كي يتربّع الأسياد على كراسيهم بلامبالاة كاملة. فالكتابة حقٌّ وواجب وهي تتطلّب جرأة وشجاعة بكلّ تأكيد.
وعن سؤالها عمّا إذا يجب أن يكون الشاعر كاذباً، تجيب «لما عليه أن يكون كاذباً؟ المتملّق كاتباً كان أم شاعراً أو كان مَن كان قد يحظى بالإعجاب نعم، وبمهرّجين ومصفّقين وحمقى ليس أكثر»!
لمَ أكتب؟
وحدة الألم تدفعها للكتابة، ولا تذكر بأنها كتبت يوماً من باب السعادة والفرح.
وتقول «في كلّ مرّة أسمع فيها بكاء طفلٍ أو صوت بندقية أو نشرة أخبار دموية أُصاب بالإحباط وأجدني أثور وأنتفض وأغضب فأكتب…».
أمّا عن حال النقد فتقول «النقد البنّاء ضرورة وإن لم أُتعرّض لهذا النقد فأنا في مأزق».
حدود الكتابة… الإنسان
«حين توضَع للإنسانية حدود حينها ستُقمَع الكتابة. وحين أتكلّم عن الكتابة، فأنا لا أتكلّم عن الكتابة المبتَذَلة أبداً، بل أتكلم عن قضية، عن إنسان، عن وطن، عن أرض، عن إجحاف، عن قمع، عن ذل، عن فقر، عن استعباد وعبودية… أتكلّم عن حدود عن أطفال حجارة وشهداء»، تقول فهمي.
ختاماً، تعمل فهمي على مجموعة قصائد نثرية قيد الطبع بعنوان «إجهاض على ورق». وتنوي إصدار موسوعة قصصية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة قريباً. فيما يختص برواية «ولدت خائنة» تحضّر لتوقيعين أولهما في قريتها رحبة عكار، وذلك نهار السبت الواقع فيه 25 آب. والثاني في بلدية سن الفيل نهار الأربعاء الواقع فيه 29 آب، وستشارك في التوقيعين مجموعة من الأدباء والكتّاب والإعلاميين والفنانين التشكيليّين بالتعاون مع البلديتين.