الرياض تخوض آخر معاركها مع دمشق في لبنان بالتمسك بضعف الحصة للحلفاء نصرالله في خطاب النصر يضع النقاط على حروف المعادلات الخارجية والمحلية
كتب المحرّر السياسي:
لا تزال العلاقة السورية السعودية تظلّل المشهد اللبناني، ولا تزال الرياض تعيش أحواء الحرب مع سورية لكن في لبنان، كأننا في أيام حرب تموز 2006، والقوى ذاتها على تموضعها من حرب تموز والحرب على سورية، والحساب الحكومي اللبناني في بيدر العلاقات اللبنانية السورية التي تشكل محور توازنات الحكومة ملزم بالمرور بالمعبر السعودي الذي يتمسك به الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بعد أزمة تركت الكثير من الضوابط على حركته الداخلية، وجعلته أسير القرار السعودي والمفوض السامي السعودي الذي بات يمثله رئيس حزب القوات، كما تقول تأشيرات الحجاج اللبنانيين التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي ولم يسحبها من التداول التوضيح الذي قدّمته السفارة السعودية.
الحكومة اللبنانية رهينة لآخر معارك الرياض مع دمشق وعنوانها ثلث معطل لا يحتاج التلويح به بوجه أي قرار يتصل بالعلاقة بسورية أن يتحرّك رئيس الحكومة، بعد المتراس الذي تم صنعه بعناية للحزب التقدمي الاشتراكي تحت عنوان التمثيل الدرزي لطلب حصة حكومية تفيض عن حجم تمثيله النيابي، بالتوازي مع معادلة تمثيل فائضة عن التمثيل النيابي لكل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية، ليكون المجموع فائضاً بشكل فاقع عن مجموع التمثيل النيابي لهم جميعاً، خصوصاً عندما يقارن بالحصة الحكومية لحلفاء دمشق وحجم تمثيلهم النيابي، وهو عين ما تهتم له الرياض.
ينخرط اللبنانيون وفقاً لقواعد اللعبة التي رسمت في الرياض وينفذها أطراف لبنانيون يصدقون أو يريدون ان يصدقوا أن هناك عقدة درزية وعقدة مسيحية وعقدة سنية. والقضية ببساطة عقدة سعودية، ومحور الحراك السعودي الذي تم بعناية وتوزيع أدوار متقن على الحلفاء يقوم بالسعي لنيل ضعف حصة حلفاء سورية. والسعي لتحييد موقع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، لتكون الحكومة كأنها حكومة المجلس القديم الممدّد له عندما كان تمثيل حلفاء السعودية ضعف تمثيل حلفاء سورية، وهم اليوم متساوون، وطلب الحقائب لا ينفصل عن العدد. فالسعي لحقيبتين سيادتين للرابع عشر من آذار مقابل حقيبة واحدة للثامن من آذار متمم للمناورة السعودية. ومعلوم ان العين على وزارة الدفاع للقوات اللبنانية، ويملك أصحاب هذا الطرح جرأة التحرك نحوه في ظل تحميل الأطراف المقابلة مسؤولية التسهيل بالمزيد من التنازلات، ويجري ذلك بالعكس تماماً مما يجري في سورية، حيث الجيش السوري يبدأ التحمية لمعركته الفاصلة في إدلب، بينما تركيا تنسحب من المواجهة، وهي غارقة في مواجهة تحديات سوق صرف العملات من جهة، وشريكة في معادلة روسية إيرانية من جهة، ومعادلة روسية فرنسية والمانية قيد الإعداد، كما اعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف من جهة أخرى. وهذا التحول الأوروبي تحت عنوان إعادة الإعمار والنازحين والتسوية السياسية يشكل منطلقاً لجملة تغييرات ستنعكس حكماً على الحسابات اللبنانية عندما تكتمل، ما جعل مصادر متابعة تقول، ربما يكون من الأفضل للبنان بسبب بطء التأقلم السعودي مع المستجدات السورية، وبطء التلقي اللبناني لهذه المستجدات، أن يتأخر تشكيل الحكومة إلى نهاية العام. فيكون الرهان على الانهيار الإيراني قد سقط، ويكون التغيير في سورية ومن حولها قد اكتمل، وربما يكون السعودي قد صار جزءاً منها، وانتفت المعادلة التي يراد فرضها على لبنان في تركيبة حكومية ستجلب الكوارث على الاقتصاد اللبناني إذا ولدت، كما يراد لها مشوهة محكومة بالفيتو على الانفتاح على الدولة السورية. وهو الشيء الوحيد الذي يمكن للحكومة الجديدة فعله وقطف ثماره فوراً في ملفي النازحين والترانزيت عبر المعابر الحدودية السورية مع الأردن والعراق، والتحضير لدور ومكانة للبنان في مرحلة إعادة إعمار سورية.
الموقف من الوضع الحكومي سيكون سبباً إضافياً للترقب لما سيقوله الأمين العام لحزب الله بمناسبة مرور اثني عشر عاماً على حرب تموز في خطابه اليوم في عيد النصر، إضافة لما سيقوله عن معادلات المواجهة مع كيان الاحتلال ودروس الحرب المحلية والإقليمية والدولية، بينما حلف المقاومة الذي انتصر في تموز ينتصر في سورية، وحلف العداء للمقاومة يُهزَم في سورية كما هُزم في تموز، والحكومة تولد بين ذكرى النصر وتحقيقه مجدداً، ويُراد لها أن تحمل الهزيمة.
العقدة القواتية إلى المربع الأول: نائب الرئيس أو السيادية…
لم تَستمر موجة التفاؤل الأخيرة بقرب ولادة الحكومة طويلاً، بل أظهرت نتائج الحركة الحريرية المؤخرة بأنها لا تختلف عن سابقاتها التي سرعان ما تتكسر على جدار مواقف القوى السياسية، وما إن تتقدم عجلة التأليف خطوة الى الأمام حتى تخطو خطوات مقابلة الى الخلف، وتزيد العقد تعقيداً والأزمة تأزماً، فلم يُسجل يوم أمس أيّ تقدم على صعيد التأليف، بحسب مصادر «البناء»، مع استبعاد أكثر من مصدر استيلاد الحكومة قبل عيد الأضحى على الأقل.
وبعد الحديث عن حلحلة جُزئية للعقدة القواتية بموافقة حزب القوات اللبنانية على 4 وزراء بدلاً من خمسة و4 حقائب خدمية هي الأشغال والتربية والشؤون الاجتماعية والثقافة مقابل تنازلها عن حقيبة سيادية، عادت المفاوضات الى المربع الأول مع عودة القوات الى التصلب في موقفها، وأعلنت تمسكها بنائب رئيس الحكومة أو حقيبة سيادية مقابل موافقتها على 4 وزراء بدلاً من 5، وهذا ما أكده نائب رئيس القوات النائب وهبي قاطيشا وأكده أيضاً الوزير علي حسن خليل بأن «القوات لا تزال تريد حقيبة سيادية او منصب نيابة رئيس مجلس الوزراء من بين الحقائب الأربع».
في المقابل، يُصر التيار الوطني الحر على رفض التنازل للقوات عما يعتبره حقاً من حقوقه، ولفت عضو تكتل « لبنان القوي » النائب الياس بو صعب إلى أن «مطلبنا بشأن الحكومة واضح وهو أن يضع رئيس الحكومة المكلف معياراً واضحاً للتأليف وهو التشكيل وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية وأن يأخذ كل فريق حصته في الوزارة على أساسها». وأكد بوصعب «أننا متمسكون بحصتنا كاملةً وهذا حقنا ولن نعطي أحداً منها»، مشيراً إلى أنه «لا فيتو على « القوات اللبنانية » ولا على غيرها ومَن لديه مطالب فليذهب عند الحريري ويطلبها منه». وشدّد على «أننا لا ننكر تمثيل النائب السابق وليد جنبلاط ومكانته لدى الدروز واللبنانيين غير الدروز، ولكن لا لاحتكار الطائفة».
«الدرزية» العقدة الكأداء
وفي موازاة ذلك، بقيت العقد الدرزية العقدة الكأداء أمام الحكومة إن صحّت نظرية الرئيس المكلف سعد الحريري والقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري بأن العقد داخلية، وأن المملكة لا تتدخل بعملية التأليف. وتترقّب الأوساط السياسية المعنية بالتأليف اللقاء المتوقع بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وسط رهان رئيس المجلس النيابي نبيه بري عليه للتدخل باقتراح «معجل مكرّر» للعقدة الدرزية تردّد أنه توزير نجل عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل. ونفت أوساط اشتراكية مطلعة لـ«البناء» أن يكون الحزب الاشتراكي تلقى عرضاً رسمياً بهذا القبيل، مؤكدة بأن «الحزب لا زال متمسكاً بموقفه بالحصول على 3 وزراء دروز حتى الآن وعدم التنازل عن هذا الحق»، مشيرة الى أن «العلاقة مع الحريري جيدة، والتواصل قائم ولا شيء يمنع اللقاء بين رئيس المستقبل ورئيس الاشتراكي في أي وقت، لكن لا موعد محدد حتى الآن»، مذكرة بأن «الرئيس الحريري مؤيد لمطلبنا وكذلك الرئيس بري».
وترى الأوساط الاشتراكية لـ«البناء» أن «العقدة ليست عند جنبلاط بل عند من افتعلها أي الذين وضعوا معايير منذ التكليف وقبلها ولم يطبّقوها. وهي أن الممثل الأقوى في طائفته. وكما تقاسم التيار الوطني الحر والقوات الوزراء كل بنسبه، فإن تطبيق ذلك على الدروز يقضي بحصول الحزب الاشتراكي على 3 وزراء في حكومة ثلاثينية لكونه الأقوى في طائفته، فلا يمكن لنائب واحد نال 6000 صوت أن يأتي وزيراً، فهل يمكن تطبيق ذلك على المسيحيين؟ فهل يمكن توزير نائب مسيحي مستقل؟
وعن خشية رئيس الجمهورية والتيار الحر من استخدام الميثاقية لشل الحكومة والعهد، أوضحت الأوساط بأن «الميثاقية لا تُقاس بعدد الوزراء، بل بالمعادلة السياسية المكرسة بعد الطائف، أي الشراكة بين المكونات السياسية على أساس التوزيع الطائفي، والممثل الفعلي منذ الطائف حتى الآن للطائفة الدرزية هو النائب جنبلاط». وتفصل الأوساط نفسها بين الاعتبار الدرزي للحكومة ووضع الدروز في سورية، وتقول: «نتحدّث عن مكوّن درزي لبناني في الحكومة أما الوضع في سورية فأكثر تعقيداً ولا نربط الوضعين ببعضهما البعض».
وعن موقع الحزب الاشتراكي السياسي واحتسابه في ضفة 8 آذار، تعتبر الأوساط بأن «الاشتراكي لا يعتبر بأن هناك 14 و8 آذار، بعد خلط التحالفات منذ التسوية الرئاسية الى الانتخابات النيابية ثم تأليف الحكومة، لدينا علاقات مع أكثر القوى السياسية لا سيما حزب الله رغم الخلاف السياسي، مع كل منها في بعض الملفات والقضايا».
حزب الله يرفض حكومة أكثرية
وفي وقت بدأت تضجّ الكواليس السياسية بخيارات إن طالت أزمة التأليف طويلاً، منها حكومة الأمر الواقع أو الأكثرية أو سحب التكليف من الحريري وإجراء استشارات نيابية جديدة، قالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «حزب الله لا يؤيد ولا يعارض إسناد حقيبة سيادية للقوات. وهو غير معني بهذا الأمر والمعني المباشر به الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية». وكشفت أن «حزب الله لا يؤيد خيارات تصعيدية كتشكيل حكومة أكثرية ولا يعتقد بأن الرئيس عون يسير بهذا الخيار»، وأوضحت بأن «الحزب مع حكومة وحدة وطنية وإن تأخّرت لبعض الوقت، لكنها تحقق الاستقرار السياسي الى حد كبير، لكن من دون أن تتحوّل حكومة معطّلة أو مشلولة في وقت نحن بأمسّ الحاجة الى حكومة منتجة وفاعلة لمواجهة الاخطار والتحديات والأزمات الاقتصادية والمعيشية المتعددة». ولفتت الى أن «الإسراع في التأليف ضرورة لكن مراعاة نتائج الانتخابات ضرورة ايضاً»، وأكدت أن «العلاقة طبيعية مع الرئيس المكلف والحزب لا يفضل سحب التكليف منه».
خليل: علاقتنا استراتيجية مع سورية
وبرزت المواقف التي أطلقها وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل في قضايا عدة، وقال: «بدأنا نشعر أن هناك شيئاً غير طبيعي في تشكيل الحكومة، هناك متغيرات كبيرة على مستوى المنطقة. الجيش السوري أصبح على الحدود مع الاردن والعراق وفلسطين المحتلة، ومن غير المسموح ان يكون لبنان غائباً، هناك قرارات كبرى يجب أن تتخذ ولا يعقل ان لا يكون لدينا حكومة». أضاف في حديث تلفزيوني: «حريصون على بقاء قنوات التواصل مفتوحة للمساعدة في تشكيل الحكومة، لكن للأسف لم يحصل خرق استثنائي حتى الآن ما أنجز هو فقط توزيع للحصص على مستوى الأحجام بالعدد هذا الأمر تخطيناه»، وأشار الى ان «هناك مشكل كبير بتشكيل الحكومة والعقد المسيحية والدرزية والمعارضة السنية لم تحل، والقوات لا تزال تريد حقيبة سيادية أو منصب نيابة رئيس مجلس الوزراء من بين الحقائب الأربع إذا كانت المسألة تحل بنيابة رئاسة الحكومة. فالقصة ما بتحرز حتى نوقف تشكيل الحكومة».
وشدّد خليل على أننا «مع أفضل وأمتن العلاقات مع سورية بقيادتها ومؤسساتها الدستورية وجيشها وشعبها هذه مصلحة للبنان قبل سورية، لافتاً إلى أن «سورية تخرج اليوم من حرب عالمية كبرى منتصرة وهي أقوى مما يعتقد البعض وستلعب دوراً محورياً في الشرق الأوسط». وأوضح أن «علاقة الرئيس بري وحركة أمل مع سورية استراتيجية في هذه المرحلة وفي المستقبل ولا مانع من زيارة سورية بما يخدم العلاقات، والحكومة اللبنانية مدعوّة لإعادة تنظيم العلاقة من جديد».
وفي ملف الكهرباء كشف خليل انه «في اول جلسة لمجلس الوزراء سيكون لدينا تصور واضح لإنشاء معامل كهرباء على البر موضع التنفيذ، وذلك وفق خطة وعناوين وزير الطاقة». ولفت الى ان «سورية عرضت على لبنان استجرار الطاقة بأسعار مقبولة وكان هناك وفد سوري برئاسة وزير الطاقة السوري في لبنان من أسبوعين وقدم لنا عرضاً سعره اقل من البواخر أو حتى المعامل، وإمكانية ان تصل التغذية الى ٣٥٠ ميغاواط أنا كوزير مال أرسلت الموافقة الى مؤسسة كهرباء لبنان لوضعها موضع التنفيذ».
نصرالله اليوم: لبنان اليمن وسورية وفلسطين
وسط هذه الأجواء الداخلية والخارجية المعقدة، تترقب الساحة السياسية مضمون خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في الذكرى الثانية عشرة لانتصار حرب تموز 2006، في احتفال تحت عنوان «بكم ننتصر» مساء اليوم في منطقة الجاموس الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويركّز السيد نصرالله، بحسب ما علمت «البناء» على ذكرى انتصار تموز وتحليل نتائجه الاستراتيجية وموازين القوى التي فرضتها المقاومة مع العدو الإسرائيلي وقدرة المقاومة على ردع العدوان والمعاني التي يجب استخلاصها من الحرب لا سيما تثبيت معادلة الجيش والشعب والمقاومة. كما يتناول ملف اليمن في ضوء العدوان السعودي الأخير، ويعرّج على بعض النقاط في الشأن المحلي لا سيما الملف الحكومي وسيجدّد الدعوة إلى تسريع تأليف حكومة وحدة وطنية موسّعة تجمع المكوّنات على ضوء نتائج الانتخابات من دون الدخول في تفاصيل الحصص والحقائب»، كما يتحدّث في الملف السوري لا سيما أحداث الجنوب ونتائج سيطرة الجيش السوري الاستراتيجية وتأثيرها على مسار معركة إدلب المنتظرة، ونفت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن يعلن السيد نصرالله عن انسحاب قوات الحزب من سورية، مشيرة الى أن «مهمة الحزب لم تنته بعد ولن تنته، طالما هناك إرهاب في سورية. وبالتالي ستبقى قوات الحزب تقاتل الى جانب الجيش السوري، بحسب طلب القيادة السورية».