حزب الله أقوى من جيشكم «البائس»… مَن المعنيون غير «إسرائيل»؟
روزانا رمّال
هل كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله محتاجاً للإقرار بما أعلنه على الملء عشية الرابع عشر من شهر آب؟ هل كان كلاماً جديداً على مسمع ومرأى الأجهزة الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية وعلى الجبهة الداخلية؟ ماذا قال نصرالله ولماذا الآن وما هي الظروف المحيطة بهذا النوع من الردع الجديد…؟
أكد السيد نصرالله في الخطاب الأخير رفضه اعتبار حزبه بمثابة أقوى جيوش المنطقة بعد «إسرائيل»، كما يُحكى داخل الكيان إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن الأمر وإن كانت مقارنته غير صحيحة كجيش كلاسيكي بقدرات ومصادر قوة وتقنيات واسعة الامتدادات والإمدادات، إلا انه اقوى من الجيش الإسرائيلي فعلاً. وهو الأمر الذي صار موضع ثقة كبرى لدى قيادة الحزب، لكن هذا الكلام ليس مستغرباً من قبل أي مراقب. والدليل على ذلك مفهوم «الانتصار» او «الإنجاز» فلو لم يكن حزب الله أقوى من الجيش الإسرائيلي لما انسحب هذا الجيش من جنوب لبنان عام 2000، ولو لم يكن الحزب أقوى من الجيش الإسرائيلي لما خاض هذا الجيش معه حرباً خاسرة في تموز اجتاح فيها بعض مناطق الجنوب تصحيحاً لانتكاسة تحرير عام 2000 وتراجع جيش الاحتلال بهزيمة لا يزال حزب الله يحتفل بها ويصرّ عليها. وبالتالي فإن الكلام مبرهِن بدلالاته منذ لحظة انتصار القضية على العنجهية الإسرائيلية المستمرّة في كل زمان ومكان..
نصرالله الذي أراد رفع هذا الخطاب ليصل الى مسامع القيادة الإسرائيلية أراد الحديث عن أهم ما يمكن للكيان كحالة سياسية الارتكاز عليه في بناء هجوماته وحروبه، لكن أيضاً تحالفاته. فمسألة «تعاظم قدرة حزب الله» كانت عنواناً عريضاً منذ ما بعد تحرير عام 2000 والذي هو حكماً السبب الأول في تعاظم هذه القدرة تسليحاً وبنياناً، وذلك بتوفّر عاملين رئيسيين أولهما العلاقة الجدية جداً مع سورية في ذلك الوقت والتي خيضت فيها مرحلة تمتينها وشد أواصرها تدريجياً، صحيح أنها لم تكن بمتانة العلاقة اليوم إلا أنها كانت مبدئية وواضحة الآفاق. وبعد تحرير الجنوب صار رسم الاستراتيجية بين الطرفين أوسع وأشمل وصار تمرير السلاح وإيصاله لحزب الله يجري بشكل مكثف. سورية التي كانت تدرك أهمية حماية الجنوب اللبناني من أي نوع من خطط اجتياح جديدة كانت تدرك أيضاً أن أي نوع من هذا النجاح يعني تقدماً إسرائيلياً على مختلف الجبهات ونسف عملية استنهاض السلام او تفعيل المقاومة في الأراضي السورية المحتلة وتكريساً للضغط على الجانب الفلسطيني. وبالتالي فإن دعم حزب الله وضع بهذا الإطار العربي الشامل. وحينها كان هذا الحزب يتمتع بشعبية عارمة رفعت فيها صور أمينه العام في الشوارع والبلدات والمدن العربية الكبرى. إيران بدورها كانت منسجمة مع هذا الخيار وكان إمداد السلاح الوفير صيرورة لا تزال مستمرة حتى هذا النهار. طهران التي شكرها نصرالله في الخطاب الأخير واستفاض في ذلك أرسل رسائله المباشرة لـ«إسرائيل»، لكن هذه المرة ليس لتل أبيب وحدها.
حزب الله أقوى من الجيش الإسرائيلي عملياً لعناصر يقينية ولتجربة حسية أفشلت مهماته، لكن المهمة الأساسية التي يعول عليها الإسرائيليون وحلفاؤهم كانت أضعاف قدراته وتفكيك عناصر الدعم والقوة بمجرد إغراقه بالحرب السورية ووحولها كما رُوّج غربياً وإسرائيلياً وخليجياً. وهذا الأمر من شأنه تخليص الإسرائيليين من هذا التنظيم الذي أثقل كاهل الاحتلال ومخططاته أما عملياً. فالجواب الأقرب الى الدهشة يكشف أن حزب الله خرج أكثر قوة من هذه الحرب وأنه من غير الممكن الاعتماد على خطط مشابهة. وربما تكون الأخيرة حتى سنوات عدة في مخيلة الغرب وقتاله السري مع الحزب والمباشر عبر «إسرائيل» وأدواتها.
يدرك أصحاب نظرية كسر سورية لفك الترابط بينها وبين حزب الله أنهم منيوا بأشد أنواع الهزيمة بهذا الاعتراف من نصرالله الذي كان من المفترض أن يخرج على مشارف نهاية الحرب السورية معترفاً بخسائر كبرى وبإرهاق أصاب بنية الحزب العسكرية، خصوصاً بعد النجاح باغتيال أكثر من قيادي في السنوات السبع الأخيرة التي أسماها نصرالله «حرب تموز أخرى» أبرزهم مصطفى بدر الدين والكثير من القادة العسكريين الكبار إضافة الى اغتيالات لرموز كسمير القنطار وجهاد مغنية.
الكلام بوضوحه موجّه للمملكة العربية السعودية كمحور صراع عمودي في المنطقة يدور بينها وبين إيران ويبنى على أساسه التحرك بوجه مصالح الطرفين، من بينهم لبنان، والمكوّن المعني حزب الله والى كل مَن يحاول الاستقواء بـ«إسرائيل» كعامل يمكنه تخليصه من حزب الله وقدراته على أساس طبيعة العمليات المشرعة بين الطرفين وشكل الحرب المفتوحة. ولا تقل الرسالة قوة للرياض عن تلك الموجّهة لـ«إسرائيل» خصوصاً وربط نصرالله كل ما يجري باليمن بـ«إسرائيل» والتشابك المصلحي السعودي معها، ومن جهتها تربط الرياض حركة الحوثيين بقدرة حزب الله وتعاظمه وانتشاره حتى وصوله إلى اليمن.
لهذه الأسباب وأكثر يقول نصرالله… حذار.