حزب الله يدير الداخل بالقيمة المضافة لا بفائض القوة

ناصر قنديل

– جاء خطاب النصر للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في شقه الإقليمي، معززاً لليقين بالأثر الكبير للتحوّلات والنتائج التي حملتها الحرب على سورية، بصفتها «حرب تموز الكبرى» التي حاولت استيعاب دروس الفشل في تموز فجاءت بالفشل الأكبر، ليقول إن الانتصارات المتتابعة بين حلقات الحرب المفتوحة بين المقاومة وكيان الاحتلال من عام 2000 وإنجاز التحرير إلى حرب تموز 2006 وإنجاز إسقاط قدرة الردع، إلى الحرب في سورية وإنجاز إسقاط الدور الإقليمي لكيان الاحتلال، هي تعبير عن تفاوت استراتيجي في فلسفة القوة بين قوة فتية صاعدة تتقن تحويل كل فائض للقوة إلى قوة مضافة، وبالمقابل قوة عظمى في طور الأفول سدّت بوجهها مصارف تحويل فائض قوتها قيمة مضافة. فصارت كل مواجهة بين المقاومة والاحتلال بالأصالة أو بالوكالة محكومة بنهاية واحدة، هي انتصار الروح التي تكسب من كل نصر المزيد من التوهج والروح التي تذبل وتذبل حد التلاشي والشحوب.

– الثابت أنّ عنوان المواجهة التي تخوضها المقاومة مع كيان الاحتلال ميدانها تعظيم وتوظيف وبرمجة فائض القوة. والطبيعي أن يطرح هذا سؤالاً حول كيفية إدارة حزب الله لملفات الداخل اللبناني، خصوصاً لجهة ما نراه مصدر قوة لحزب الله في جعل بوصلته مواجهة الاحتلال وإخضاع مقارباته الداخلية لمعايير عدم إضاعة هذه البوصلة، والامتناع عن المشاغبة عليها بمعارك جانبية لا تكتفي باستنزاف بعض المقدرات وحرف الانتباه والاهتمامات، بل غالباً ما تحقق أهداف كيان الاحتلال في الوقوع بفخاخ الفتن التي تشكل حروباً ناعمة يخوضها ضد المقاومة ومشروعها ويتقن فنون خوضها، ولأن البعض يخشى من أن يكون مترتّب هذا النوع من الإدارة تمكيناً للمشروع الغربي والعربي المساند لكيان الاحتلال من الإمساك بالمزيد من أوراق القوة، ويصفه بعضهم بالتنازل غير المشروع من جانب المقاومة وحزبها القيادي، ندعو لقراءة الخط البياني لموقع ومكانة حزب الله في الداخل، خلال السنوات التي أعقبت صدور القرار 1559، الهادف لتصفية المقاومة. وتبين الأحجام النيابية والمواقع الرئاسية، وموقعها من مشروع المقاومة، للاستنتاج بأن إدارة المقاومة وحزبها القيادي لملفات الداخل تشتغل على إضعاف مشروع الهيمنة ومشاريع الاستلحاق والاستتباع، وتنجح بخلق موازين داخلية يرتفع منسوب قدرتها على التوازن ثم الكبح ثم الإخلال بالتوازن.

– في الخطاب الأخير منح السيد نصرالله حيزاً هاماً لمقاربة بعض شؤون الداخل اللبناني. وهذه فرصة لمناقشة هذا القلق الذي يُبديه بعض المعنيين بمشروع المقاومة من موقع الحرص والمسؤولية. فالواضح أن حزب الله لا يتجاهل الداخل اللبناني بل يشتغل على هذا الداخل بالاستثمار على القيمة المضافة، وليس بتوظيف فائض القوة. وهو لم يقم مرة بجعل أحد انتصاراته التي تحققت بفعل فائض القوة مصدراً لتعديل سقوفه الخاصة بالحصص الطائفية أو الفئوية في تركيبة السلطة ومؤسساتها، بل دأب على تحويل فائض القوة قيمة مضافة تصنعها الانتصارات فتمنحه مكانة أعلى بين الحلفاء ومهابة أكبر بعيون الأعداء الخارجيين والخصوم الداخليين، ويترجم هذه القيمة المضافة بعنوان يختصر الكثير من أهدافه وتطلعاته ونظرته لما يريد في الداخل. وهكذا كان طرح الثلث الضامن، وبعده التمسك بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وطرح النسبية كأساس لقانون الانتخاب، وصولاً للدعوة لحكومة تعكس نتائج الانتخابات النيابية وفقاً لمعيار واضح. وضمن هذا الامتناع عن استثمار وجود أغلبية نيابية لتسمية رئيس حكومة من ضمن هذه الأغلبية وتمسكه بالشراكة الواسعة مع الخصوم لكن بمقاييس ومعايير جديدة، كما الامتناع عن الإصغاء لدعوات التصادم مع حركة أمل. وهي الدعوة التي وصفها السيد نصرالله بالمشبوهة، مشدداً على اعتبار التورط في الصدام تحقيقاً لمشروع ضرب المقاومة.

– كما راكم حزب الله من الانتصارت في مشروع المقاومة ما سمح بتحوّله خلال ثلاثة عقود من مصدر قلق في العلاقة بين سورية وإيران، إلى جسر ثقة بينهما، يراكم في الداخل بين الحلفاء ما يعادل ذلك، وها هي العلاقة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر تفتح الباب لتشكل عملي لجبهة أغلبية نيابية تساند رئيس الجمهورية، ولكن يقودها رئيس المجلس النيابي، وتحت سقفها حوار وخلاف وإدارة للخلاف، وتراكم إيجابي هادئ لمزيد من انتصارات فائض القوة في سورية والمنطقة، وسقوط للرهانات والأوهام التي يعيشها وينتظرها البعض من الخصوم ويخشاها ويسعى للتهيؤ لها بعض آخر من الحلفاء، ويكون لتراكم الانتصارات وسقوط الأوهام والرهانات فعل سحري في تصعيد منسوب القيمة المضافة التي تمنح كلمة الحزب بين الحلفاء وبوجه الخصوم ما يجعل نفاذها شبيهاً بما جرى مع الفوز بإيصال العماد عون لرئاسة الجمهورية، الذي وضع الأعداء أكثر من فيتو داخلي وخارجي لمنع وصوله، وعارضه حلفاء وأصدقاء، لكنهم عادوا وساروا جميعاً برضاهم في انتخابه أو تسهيل انتخابه رئيساً.

– لا يستهتر حزب الله بالداخل ولا يتجاهل مخاطر تحول لبنان جبهة خلفية لطعن المقاومة، بل هو شديد الانتباه لهذا الخطر، شديد الانتباه أيضاً لموقع السلطة في حياة الناس الذين تغرف المقاومة من بحر تأييدهم وتصنع انتصاراتها بفائض قوة اصله دماء شهدائهم، لكنه يستثمر على تراكم القيمة المضافة بما يظهره الخط البياني الصاعد لتحول لبنان بهدوء لكن بثبات، من موقع استنزاف سياسي للمقاومة، إلى دولة الغلبة السياسية فيها لمساندي مشروع المقاومة، وصولاً للدولة التي تحمي المقاومة وتحضنها وتحمي الشعب وترعاه، كهدف لا تنازل عنه.

– الشكر للصديق الزميل الأستاذ حميدي العبدالله الذي أثار للنقاش بعضاً من النقاط المتصلة بمضمون هذا المقال في مقالته في البناء، قبل أيام التي تناولت كتابي «حزب الله – فلسفة القوة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى