المشروع الوطني لن يُساوم على مكوّناته وأهدافه
د. وفيق إبراهيم
ثنائي حزب الله وحركة أمل وتحالفاته في القوى الوطنية والقومية، فروع أساسية من مشروع كبير يمتد من الإقليم الى لبنان، لحماية المنطقة من التحالف الأميركي الخليجي الإسرائيلي الذي تلقى في الآونة الاخيرة هزيمة موصوفة في الميدان السوري.
لكن الفريق الأميركي المنكسر ينتهز حالياً فرصة تشكيل حكومة لبنانية جديدة لتنظيم هجوم مضاد ينال فيه من المنتصرين.
ونتيجة لاعتقاده الراسخ بالحاجة السريعة لحزب الله وحلفائه الى حكومة توفر الاستقرارين الاقتصادي والسياسي، فإنه يعمل على تعطيل التشكيل الحكومي او تأخيره حتى يفرض على الآخرين القبول بمجلس وزراء للحريري وحزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي الأكثرية مع مساعيه الحثيثة الى منع حزب الله من الدخول الى الحكومة «وله في هذا المضمار وسائله» أو أن يدفعه الى الاكتفاء بوزارات هامشية.
وبعيداً عن روايات القوى اللبنانية المحسوبة على السعودية من احتمالات عدوان اسرائيلي على حزب الله وإيران وعودة أميركا الى الميدان السوري عسكرياً أو انفجار إيران داخلياً بعد تشرين الثاني المقبل… وبعيداً عن هذه الترهات يضع المشروع السعودي الأميركي خطة للبنان في مقدمها تعطيل التشكيل بـ«تلفيق» عُقد يؤدي إقرارها الى تجديد السيطرة الحريرية السعودية على لبنان وعزل حزب الله وتحالفاته من دون كبير عناء وحروب، وإلا فإن التعطيل مستمر حتى ورود إشارات إقليمية معاكسة تتغطى بقرار أميركي، لإسرائيل من دون ادنى شك رأي فيه.
النقطة الثانية هي المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان السابق المرحوم رفيق الحريري الذي قضى بتفجير كبير في 2005.
إن هذه المحكمة المسماة «دولية»، على الرغم من أن دولة لبنان تُسدّد كامل اتفاقاتها المالية التي ناهزت حتى الآن أقلّ بقليل من مليار دولار. هذه المحكمة لا يصدر عنها اي شيء الا بالتلازم مع استحقاقات سياسية أو دستورية في الداخل اللبناني كأن تصدر اتهامات لأعضاء من حزب الله في مرحلة مشاركته في الحرب على الإرهاب في سورية أو إصدار تعيينات في مواقع إدارية وسياسية وعسكرية او إعلان تحالفات أو دعم لقرارات سعودية ضد إيران او سورية حتى أنها بدت كآلية ليس لها من وظيفة إلا الإساءة للأدوار الوطنية والإقليمية لمحور حزب الله سورية وإيران… والدليل أنها تأسست منذ عقد ولم تصل حتى الآن الى أدلة تقوم على براهين ملموسة بل تكتفي بعرض اتصالات هاتفية تستطيع أجهزة مخابرات عادية أن تفبركها بأسهل ما يكون، وقد تجنح نحو روايات تبدو وكأنها تحليلات سياسية يقول مِثلها يومياً عشرات منتحلي صفة التحليل والخطابات وأساليب التحشيد.
فكيف يمكن الاستناد الى محكمة كهذه تؤدي دور هراوة أميركية – سعودية ترتفع فوق رأس لبنان في كل مرة ينجح حزب الله بصناعة نصر ما في سبيل بلاده وأمته متسبباً بتراجع الدور الأميركي السعودي، ومرغماً «إسرائيل» على إجراء حسابات دقيقة قبل أي عدوان تقترفه… فهل تَفعلُ «إسرائيل» هذا الأمر مع السعودية أو حريريتها؟
لذلك فإن ما قالته ممثلة المحكمة الدولية في اليومين الأخيرين حول استعداد قضاتها لتوجيه اتهامات في ايلول المقبل، تمهيداً لإصدار أحكام نهائية في 2019 يندرج في إطار الابتزاز المكشوف لحزب الله وأمل ومجمل القوى الوطنية.
فمجرد تزامن هذه التصريحات مع محاولات تشكيل حكومة جديدة في لبنان ليس بريئاً، لأن الرئيس المكلف سعد الحريري هو إبن رفيق الحريري الذي تأسست هذه المحكمة للكشف عن ظروف اغتياله وهو ايضاً وريثه السياسي. الأمر الذي يؤكد أن تصريحات المحكمة ترمي الى حشر منافسي الحريري السياسيين في الزاوية الضيقة، فإما أن يقبلوا بغالبية له في الحكومة معاكسين نتائج انتخابات ربحوها أو أن يرفضوا، فتصدر المحكمة فوراً إدانات جاهزة ومفبركة تتهم فيها حزب الله وسورية وإيران باغتيال رفيق الحريري ما يُزوِّد الأميركيين تغطية من «القانون الدولي المزعوم» تستطيع واشنطن استصدار عقوبات «إجرامية» على لبنان تؤدي حتماً الى انفجارات داخلية. وقد تواكبها هجمات اميركية وإسرائيلية على أهداف لحزب الله والدولتين السورية والإيرانية في بلدانها الثلاثة عسكرياً.
هناك أيضاً رهان أميركي سعودي على تفجير العلاقة بين حزب الله وحلفائه، ابتدأ بإشاعة الدسائس بينه وبين حليفته حركة أمل. وهذا ما روج له الإعلام المدعوم سعودياً الذي يتكلم وشاية عن حزب الله الى مؤسسات الدولة على حساب حركة أمل أو أن حركة أمل لم تهتمّ الا بمناطق معينة على حساب إفقار مناطق أخرى، لكن كل هذه المحاولات ذهبت أدراج الرياح. فقد جرى ضبط العلاقات الأخوية بين الفريقين على اساس احترام مواقع الطرفين ودوريهما في الإنماء العام، مع توفير كل ما يلزم لإنماء المناطق المحرومة. وهذا ما أكد عليه كل من السيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري في خطابيهما الأخيرين.
لكن فشل الوشايات الأميركية السعودية لإيقاع الفتنة بين هذا الثنائي لم يوقفها عند هذا الحد.. بل ذهبت بعيداً وأخذت بالترويج لمقولة خبيثة تقول إن حزب الله بصدد الموافقة على عدم مشاركة الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة المرتقبة. وهذا هو الدس بعينه، لأن هذا الحزب الذي يمثل كتلة نيابية وازنة له كامل الحق بوزارة وازنة، خصوصاً أنه آت من خارج الاصطفافات المذهبية مجسداً طموحات كثير من اللبنانيين المدنيين الذين يؤيدون أدواره في لبنان وسورية وقناعاته السياسية.
وهذه وشاية أخرى لم تمر، لذلك ذهبوا ناحية تنظيم المردة زاعمين أن حزب الله لن يتمسك بتوزير نائب منهم، اذا اعترض التيار الوطني الحر حتى تأكد أن الحزب مصرّ على وزارة للمردة تعكس تحالفه التاريخي المتين مع الوزير سليمان فرنجية بالإضافة الى أن التيار العوني لا مانع لديه من توزير المردة، لذلك فجّر أصحاب الوشايات لغماً ثالثاً اشاع أن حزب الله لا يأبه بتوزير واحد من ثمانية نواب سنة نجحوا على لوائح منافسة لتيار المستقبل – الحريري.
الى أن اتضح أن الحزب يفاوض على وزيرين يستحقهما النواب السنة المستقلون إلا اذا ارتضوا بوزير واحد، لكنه ليس بوارد القبول بإبعادهم مهما تطلب الموقف من تضحيات.
أما الذرائع الحريرية بأن معظم هؤلاء لا ينتمون الى لائحة مستقلة بهم فمردود، لأن هناك ستة نواب منهم متحالفون بينهم ويحقّ لهم بوزيرين على قاعدة أن لكل ثلاثة نواب وزيراً واحداً وقد يرتضي المعنيون أنفسهم بوزير واحد لتسهيل التأليف.
تتبقى بضع اتهامات تزعم أن الرئيس نبيه بري لا يريد توزير طلال أرسلان مفضلاً اعطاء الوزارات الثلاث لوليد جنبلاط.
وهذه وشايات ترفضها حركة أمل التي تجزم بأن حلّ العقد المسيحية والسنية تؤدي الى نجاح وساطة يستعدّ الرئيس بري لتنفيذها بين جنبلاط وأرسلان.
يتبين اذاً أن مشروع التعطيل ليس إلا صناعة سعودية أميركية تريد منع حزب الله وتحالفاته من المشاركة في إنتاج القرار السياسي اللبناني الذي تحتكره المجموعات الموالية للرياض منذ 1992 ولن يكون المنتصر إلا من انتصر على الإرهاب في سورية ويستعد للقضاء على حماته ورعاته في لبنان.