معركة «حريات» بوجه ميشال عون؟
روزانا رمّال
ترتفع قضية الحريات الى واجهة المواقف السياسية التي تتخذ منها فرصة جيدة لوضعها ضمن أطر الانتقاد السياسي لـ«العهد» بالاستفادة مما تمنحه وسائل التواصل الاجتماعي من سلطة يمكنها التصريب نحو الإنجاز من جهة ومن جهة أخرى تفعيله ورفع القضايا لمستوى «رأي عام «.
أسباب كثيرة تحول دون امكانية تقبل عهد الرئيس ميشال عون من قبل خصومه الذين لم يتوصلوا حتى اللحظة لابتكار خطة تتأقلم وتتكيف مع فكرة وصوله لسدة الرئاسة، من ضمن مفهوم الفشل والخسارة وقع ضمن دائرة الحساب السياسي في لبنان. لا أحد يُخفى عليه من أولئك ان عون هو مرشح أمين عام حزب الله الأول السيد حسن نصرالله منذ سنوات وان نصرالله بنفسه تمسك بترشيح عون بدون الخضوع لاستفزاز أصحاب فكرة مخاطر «الفراغ الرئاسي» الذي ثبت أنه لم يكن قادراً على قلب المعادلة المحلية.
الخلافات كثيرة وأسباب انتقاد عون أكثر مما كان متوقعاً، لكن ما ليست مفهومة اسباب التمسك بما يعتبر حقوقاً شخصية لأفراد عاديين تحق لهم حماية كراماتهم بالطريقة التي يلجأون اليها عبر اللجوء الى الدولة. أما بحال التعدي اللفظي على وسائل التواصل الاجتماعي والتلفظ بما قد يسبّب مشاكل طائفية تهدّد الوضع العام أو تستهدف الأديان التي يحترمها القانون في لبنان بمرجعيات معروفة فقد خصّص فرعاً ملتزماً بما يضبط هذه المخالفات في حال وقوع أي شبهة أو لوحظ انزعاج يستوجب تدخل القوى الأمنية، والفرع هو مكافحة جرائم المعلوماتية.
ليس مقبولاً بطبيعة الحال أن يتم التعرض للحريات في لبنان. ومن غير المقبول من أي سياسي مهما علا شأنه تخويف الشباب اللبناني في أدائه الحر على وسائل التواصل. وهو المنفذ الأخير لهم والمساحة الوحيدة غير المسلوبة او المنهوبة من حقوقهم. لكن من حق هذا الشباب الذي لا يُلام على الإطلاق ولو «أخطأ» بأن يلتفت قليلاً الى مقام رئاسة الجمهورية أو مقامات دينية حفاظاً على الاحترام وإفساحاً بالمجال لتعزيز سبل العيش مع باقي المواطنين من أهله وفي الحي نفسه والشارع المختلط. المسألة فعلاً لا تتعلّق بالسياسة وأهلها. إنها فعلاً مسألة تتعلّق بالسلم الأهلي. فكثر هم أولئك الذين لا يتمالكون أنفسهم وتأخذهم الحمية باسم الدين نحو جرائم بالغنى عنها.
بالعودة الى انتقاد العهد من باب الحريات، يستذكر هنا عهد الرئيس ميشال سليمان الذي اهتمّ بدوره بملاحقة كل من يتعرّض له الرئيس بنهاية المطاف هو إنسان طبيعي صاحب كرامة. ربما من الافضل ان لا ينزل الى مستوى تحدي الشباب، لكن إذا حصل وحدث ذلك، فإن هذا لا يعني تجريده من حقوقه الشخصية. فكيف بالحال إذا اراد الحفاظ على مقام الرئاسة وهالتها؟
المسألة اختيارية. الرئيس سعد الحريري على سبيل المثال القريب تعرّض منذ أيام لنوع قاسٍ من الانتقاد والهجوم المباشر على الهواء من أحد ضيوف الحلقات التلفزيونية الحوارية. لم يقم بأي تحرك قضائي مع أن الشارع تحرك. هذا لا يعني أن لا حق له في ذلك. فالقدح والذم والتهديد كلها امور محفوظة بالدستور، لكن ربما الرئيس الحريري يضع هذه الأمور كلها ضمن التجاذب السياسي.
الرئيس ميشال عون، وحسب المعلومات المؤكدة لم يطلب محاسبة وملاحقة اي أحد. ولم يلتفت حتى لانتقاد شبابي. لطالما اعتبر ان الشباب هم جميعاً أبناؤه. وهو ليس بصدد فتح حرب حريات معهم. تقول المصادر «إن الرئيس عون تسامح» مع كل الذين تعرّضوا له. المسألة أن القضاء تحرّك من تلقاء ذاته ليقوم بواجبه. ومؤخراً عندما تمّ التعرض لرموز دينية تحرّك خوفاً من التمادي واتهامه بالتقصير إذا تكررت حالات كهذه. ودخلت البلاد في أتون مشاكل أهلية. وهنا عودة الى ما جرى مع الرئيس الحريري منذ أيام وتحرك الشارع واي شيء ممكن ان يفجر الامور في هذا البلد.
بين هذا وذاك يتأكد ان انتقاد العهد هو سياسي بامتياز. وهناك صعوبة بمحاولة فهم جدية طروحات منتقديه في ملف حرية التعبير. اللوم لا يقع على الإطلاق على الشباب ومنهم مستزلمون لجهات سياسية انما يقع على عاتق قوى سياسية تحرّك «الموجة» على وسائل التواصل.
القوى السياسية هذه وعلى سبيل المثال بكل فخر حليفة للسعودية وتتقاطر للدفاع عنها واسترضائها. مع العلم أن المملكة تنفذ أقسى الأحكام بحق كل ناشط حقوقي او سياسي امراة كان او رجلاً، لا فرق، وقد صوبت كندا مؤخراً نحو ذلك.
السعودية نفسها احتجزت رئيس وزراء لبنان وتركت البلد تائهاً في مهب الريح لولا رحمة ربه.. محاولة فصل الانتقاد واعتباره أبعد عن السياسة وأقرب للإنسان والإنسانية و«الحضارة « ومتطلبات العصر وبأنه محصور بالحريات صعبة جداً لاتساع محطات الانتقاد السخيفة بينها زلة لسان أو تعثر خلال المشي.
الانتقاد والوقوف مع الحريات ليس «استنسابياً» لا يمكن التحالف مع مخالفين للقوانين والأعراف الدولية والحقوقية عندما تقتضي الحاجة والهجوم على «عهد» بعنوانه العريض باستغلال أحداث من هذا النوع.
الحقيقة الوحيدة هي عدم تقبل فكرة الهزيمة او الربح من قبل فريق سقطت حساباته المحلية والسياسية وميشال عون هو نتاج طبيعي للربح المقصود إقليمياً.
المقاربات كلها في ملف الحريات تحمل تناقضاً تاريخياً كبيراً. فهذا الرجل بالتحديد نفي الى فرنسا حفاظاً على الحريات او ما تبقى منها. وقد تم إبعاده لأكثر من 15 سنة ليقول للبنانيين الذين يجدون في الوجود السوري فرصة للاستقواء على بعضهم البعض إن في هذه البلد من لا يزال يراهن على العلاقة الطبيعية مع سورية ضمن منظار كرامة الدولتين وبشكل أو بآخر في الوقت الذي كان يعتبر فيه الوجود السوري في لبنان «احتلالاً» وخصوم اليوم الذين يستهدفونه باسم «الحريات» استرضوا السوري من اجل التمسك بالسلطة او المغانم التي حققوها.. بكل الأحوال هذا النموذج موجود في كل العالم.