اللاذقيّة تنشط تشكيليّاً وتحتضن معارض لفنّانين شبّان كي يعبّروا عن هواجسهم وحبّهم للوطن
كتبت ياسيمن كروم من اللاذقية ـ سانا : نحو أربعين شاباً وشابة من الهواة، إضافة إلى عدد من المحترفين، زينوا جدران صالة الباسل للمعارض بإبداعاتهم التشكيلية التي تنوعت بين الرسم والنحت، ضمن المعرض الثالث لهواة الفن التشكيلي الذي يقيمه فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في اللاذقية ويستمر أسبوعاً كاملاً منذ انطلاقته نهاية الأسبوع الماضي.
تنوعت لوحات المشاركين بين الرسم بالألوان الزيتية والحفر على الورق إضافة إلى تقنية الرسم بالرصاص، إلى المنحوتات في الحجر والخشب والرخام وغيرها من المواد التي أغنت المعرض فكان خطوة متقدمة في تنمية علاقة الفنانين المشاركين مع جمهورهم والتعريف بأنفسهم على نحو أفضل من ناحية ومعرفة رأي النقاد بأعمالهم من ناحية أخرى.
جورج كفا، عضو اللجنة التنظيمية الخاصة في المعرض، يقول إن المعرض هو واحد من المعارض الدورية التي يقيمها اتحاد الفنانين التشكيليين في اللاذقية ويندرج ضمن مهماته التي تهتم بالفنون التشكيلية وتعريف الجمهور بها وبممارسيها، فالمعرض الجماعي فرصة لإبراز التنوع في الأساليب والمستويات على الساحة الفنية، خاصة أن غالبية المشاركين هم من الأعضاء المنتسبين حديثاً للاتحاد ويقدمون أعمالاً جديدة وحيوية، ما يهبهم فرصة لتجديد معلوماتهم وتبادل الإطلاع على تجاربهم. ويوضح أن اللجنة المشرفة على اختيار الأعمال انتقت أفضل ما قدمه المشاركون وفق معايير تراعي خبرة الفنان وحداثة عهده في هذا المجال، معتبراً أن المشاركة في المعرض خطوة أولى لعدد كبير من الفنانين على طريق الفن الذي يحتاج إلى تعب واجتهاد كبيرين.
الفنانة علا شكوحي تقول إن مشاركتها في المعرض متمثلة بلوحة أسطورية بالأبيض والأسود استخدمت فيها تقنية الحفر على الورق بواسطة المشرط، لافتة إلى وجود لوحات لمشاركين آخرين استخدموا التقنية ذاتها وتتطلب دقة وصبرا لإنجاز التفاصيل الصغيرة. وتؤكد شكوحي أنها أفادت كثيراً من الدورات التي يقيمها المركز الثقافي في اللاذقية والتي تابعتها لمدة عامين وستستمر في تعلم التقنيات الأخرى المتعلقة بالرسم الزيتي والفحم والحفر على الخشب.
أما الفنان مجد شاهين فيضفي ملامح قريبة من الواقع على لوحته التي تصور الطبيعة الصامتة التي أنجزها بواسطة الحبر الذي يعد من التقنيات المميزة التي استخدمها فنانون عالميون، خاصة في الصين، معتبراً أن وجوده في المعرض سيضيف إلى سيرته الفنية قيمة جديدة يسعى إليها في مشواره الفني الذي بدأه قبل سنة ونصف سنة، وأن المشاركة في المعارض إلى جانب الانتشار الذي يحققه الفنانون الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي اختصر بعض الجهد في تعريف الفنان بنفسه جماهيرياً.
جورج شويط الذي شارك بعدد من لوحات الكاريكاتور، يعتبر أن وجوده ضمن معرض الهواة فرصة للتواصل بين الجيل القديم والجديد، خاصة للمهتمين بفن الكاريكاتور الذي يستلزم عمقاً ثقافياً وفنياً كبيراً، فالتجارب الجديدة في هذا المجال تتطلب مزيداً من التوجيه الذي يمكن أن يحصل عليه الهواة من خلال الاطلاع على المعارض المختلفة، ما يتيح فرصة لتطوير أدواتهم لرفد هذا الفن بدم جديد يضاعف أثره في الساحتين الفنية والثقافية.
للنحت حضور متميز في أركان مختلفة من المعرض، إذ تناول النحاتون المشاركون مواضيع مختلفة تنوعت بين نقل للمواقف الشخصية أو العودة إلى ميثيولوجيا قديمة أو تجسيد عناصر الطبيعة، إذ أوضحت الفنانة التشكيلية ريم زرقا أن إقبال الجمهور الجيد على المعرض يدل على مدى تفاعلهم مع الفن كقيمة إنسانية. وتوضح أنها أرادت تأريخ لحظة عزيزة على قلبها من خلال تجسيد يدي عاشقين تمسك إحداهما بالأخرى بطريقة غير مألوفة فيها الكثير من الحب والعمق والاحتواء.
الفنان جابر أسعد يشارك بأعمال منحوتة من الخزف تجسد الواقع مع لمسات من رؤيته الخاصة مثل السيف الدمشقي الموجود في ساحة الأمويين في دمشق والإناء الفينيقي الذي استخدمته النساء لحفظ العطور، مؤكداً أنه استطاع بعد عامين من التدريب أن يقطع شوطاً مهماً في مجال النحت بواسطة الفخار، فكل عمل يصممه على الورق أولاً ثم ينفذه على الخزف بالاعتماد على الفخار والطين المجبولين معاً كمادة أولية.
النحات طارق شخيص يوضح أنه يعمل في مجال النحت منذ أكثر من 15 عاماً وشاء عرض أعماله ضمن معرض الهواة لمنح الشباب دعماً معنوياً يضاعف إصرارهم على متابعة مشروعهم الفني. ويقول: «جسدت الأمومة بمنظاري الشخصي عبر منحوتات اعتمدت فيها على خشب الزيتون لما يحمل من أصالة ومتانة، مثل الأم تماماً، وحاولت وضع لمساتي الخاصة في الحفر على الخشب الطبيعي الذي اختار أنواعاً عديدة منه مثل الليمون والزان والزيتون إذ يعيش عمراً أطول ويحتاج إلى حرفية عالية في العمل. كما عرضت منحوتة عن الأرض التي تربي الأجيال للدفاع عنها في إشارة إلى وطننا الأم سورية إذ كان أبناؤها مثالاً حياً للتضحية والوفاء.
الفنان التشكيلي والناقد الفني سمو قان يعتبر أن المعرض فرصة لتشجيع الهواة ومحبي الفن، مثنياً على الحضور القوي الذي سجلته الأعمال النحتية، ما يؤكد على انتشار هذا الفن على نحو أوسع في الوسط التشكيلي. يقول: «الأعمال المعروضة توحي أن للمشاركين مستقبلاً نحتياً جيداً، أما التصوير والرسم الزيتي والأعمال الأخرى فنلاحظ أنها تعتمد على النقل والنسخ وهذا ما يجب تجاوزه، فالفن يحتاج إلى الإبداع وإطلاق الخيال أكثر، لكن الأعمال يمكن البناء على تجارب منجزيها مستقبلاً».
في السياق عينه يشير الفنان التشكيلي عنتر حبيب إلى أن الفكرة التي يعتمد عليها معرض الهواة تتيح للمشاركين معرفة رأي النقاد في أعمالهم وتسجيل الملاحظات التي يمكن أن تفيد مسيرتهم الفنية المستقبلية، فالاحتكاك بين الهاوي والمحترف أمر ضروري للطرفين، لا سيما أن المعرض يقدم عدداً من الأعمال التي تحمل لمسة فنية جميلة، رغم وجود بعض الملاحظات على أعمال التصوير، فالفنانون لم يتجاوزوا بعد المرحلة التعليمية لدخول مرحلة الإبداع، غير أن الأعمال النحتية في مجملها جيدة ولافتة.
طلاّب شبّان يعرضون أعمالهم الفنية في هواء زلفا الطلق
شكلت احتفالية «زلفا» الموسيقية والتشكيلية التي أقامها نادي «حكايا الفن» بالتعاون مع مجلس مدينة اللاذقية واختتمت نشاطاتها قبل أيام مسرحاً عريضاً للإبداع الشبابي المتميز، إذ تضمنت الفعاليات التي امتدت لثلاثة أيام معرضاً فنياً واسعاً لطلاب وخريجي كليات العمارة والفنون الجميلة في مختلف الجامعات السورية، ما ساعد في تمهيد الطريق أمام كوكبة من التشكيليين الجدد لعرض إنتاجهم الإبداعي في الهواء الطلق لحديقة الشهيد عمار عبود في منطقة الزراعة وسط المدينة.
يقول فواز حسون، أحد منظمي الاحتفالية والمشرف على الأنشطة الفنية في النادي: إن هذا النشاط هو بمثابة انطلاقة لعمل النادي الذي يهتم بجوانب التشكيل والموسيقى، إلى جانب خطته لدعم المشاريع الإبداعية الصاعدة، من خلال رعاية المواهب الشبابية والدفع بها نحو الضوء كخطوة أولى على المسار الفني، وهذا تماماً يحتاج إليه الشبّان في بداية مسيرتهم التي تتعثر عادة لسنوات قبل أن تُرسي دعائمها. إنها فرصة لتحقيق الاقتراب والتواصل مع الجمهور والزج بالمتلقي العادي في عالم التشكيل الذي يتردد في ولوجه حين يكون مقيداً ضمن صالات العرض وردهات المؤسسة الثقافية الرسمية، أما في حال وجود هذا الإنتاج الإبداعي المتميز على قارعة الطريق وفي الهواء الطلق فإن حالة عفوية تدفع المتلقي إلى إرضاء فضوله والتعرف إلى هذا العالم الذي يجهله كثر، ما يشكل بداية جيدة لعلاقة أفضل بين المتفرج والعمل الفني.
الأمر نفسه أكد عليه الشبّان المشاركون الذين قدّموا أنفسهم بثقة وروح معنوية عالية، رغم أنها التجربة الأولى لغالبيتهم، وتؤكد الشابة بيسان بدران طالبة في السنة الثالثة في كلية الفنون الجميلة أن مبادرة من هذا النوع من شأنها أن تخلق مناخاً إيجابياً سواء للمدينة المتعطشة دوماً لحراك ثقافي متعدد الوجه، للفنان الشاب الذي يمضي وقته عادة باحثاً عن مكان يعرض فيه أعماله».
تضيف بدران التي شاركت بأربع لوحات ذات كتلة لونية واحدة وتطرح من الناحية الموضوعية عدة تصورات للأنثى أن هذه المبادرة فرصة لكل طالب وخريج يعاني مثل الآخرين من ندرة دور وصالات العرض ليثبت حضوره ويترجم ما أمضى سنوات في تعلمه ودراسته إلى أعمال فنية تمثل وجهة نظر جديدة تضاف إلى ما يتم تلاقحه من آراء وأفكار وطروحات يستحق الكثير منها المناقشة والفرجة.
أما الشاب علي علي طالب في السنة الثالثة في كلية العمارة في جامعة تشرين فيرى أن العرض في حديقة عامة هو السبيل الأجدى لتوسيع الثقافة البصرية وتدريب العين على رؤية التفاصيل الحياتية والإنسانية، ضمن صيغة تشكيلية، تمهيداً لتحسين الرؤية الفنية للمتفرج العادي، فهذه المرة يمر المتفرج كعابر سبيل لا أكثر، لكنه في المرة التالية يأتي خصّيصاً لمشاهدة الأعمال التي نعرضها. ويلفت إلى أن لوحاته المعروضة تركز على وجوه العجائز وكبار السن والتجاعيد التي تحفر الوجه والنظرة الثاقبة للعين، وهذا الطرح يدل على الخبرات الإنسانية المتراكمة التي تترك بصماتها وآثارها في وجه الإنسان فتختزل الكثير من قصصه وحكاياته التي قد لا يتسع الوقت أمام صاحب هذا الوجه أو ذاك لسردها.
الشابة الخريجة راما مهنا توضح أن لوحات الفنانين الشباب، وأن يكن معظمهم من خريجي كليات الفنون الجميلة، تحتاج إلى تقويم ونقد سواء من قبل المتخصصين في هذا المجال أو من قبل المتلقي العادي، فجميع وجهات النظر تصب في مصلحة العمل الفني وتعمل على الارتقاء به، وهذا تماماً ما يوفره نشاط من هذا النوع، فالمعرض الراهن فرصة لكل فنان شاب كي يقدم أعماله ويرصد رؤية الناس لها. وتعرض مهنا عملين، الأول بالرصاص، والآخر بالفحم، وكلاهما عبارة عن بورتريه حاولت فيه تطبيق التقنيات الفنية التي تعلمتها خلال الدراسة في الكلية، لتصوير الأحاسيس التي يغرق فيها الإنسان في أوقات معينة.
الفنان الشاب حمزة سليمان خريج كلية الفنون الجميلة، جامعة دمشق يشيد بالاحتفالية التي جمعت شمل عدد من الشبّان الخريجين لتقدمهم بهذه الصورة المتألقة إلى جمهور اللاذقية الذي يتمكن اليوم، على ما قال من تغذية بصره بلوحات تحمل فكراً جديداً وأساليب فنية متنوعة فتؤطر بذلك لمزيج إبداعي يستحق المشاهدة والمناقشة.
ويشير إلى أنه متخصص في أعمال الحفر والطباعة، فهو يستخدم الحجر الكلسي لتنفيذ أعماله الفنية التي تصوّر هذه المرة هياكل عظمية تختصر الألم السوري الراهن الذي جرد الإنسان من أكثر ما يملك، بما في ذلك حياته، فالموت يحوطنا من كل حدب وصوب بفعل الإرهاب الحاقد والأعمال الإجرامية التي حولت كثراً إلى هياكل تنتظر حظاً أفضل في حياة أخرى.
من ناحيته، يشير الشاب راغد الفيل طالب في السنة الثالثة في قسم التصوير في جامعة تشرين إلى أن المعرض يوفر للمشاهد خيارات متعددة للفرجة البصرية، بينها أعمال الشباب الباحث دوماً عن فرصة مماثلة، وهذا تماماً ما يجعل هذه المبادرة على قدر من الأهمية وحتى أن المرء يتمنى أن تتكرر لتصبح تقليداً سنوياً يستضيف هذه الفئة من المبدعين. ويوضح أنه يشارك مجموعة من البورتريهات التي تصور حالات إنسانية متنوعة لناحية الشعور الداخلي، فهناك الفرح والحزن ولوعة الوداع كما يصوّر الفنان الشاب نفسه في أحد هذه البورتريهات كنوع من التحدي الذاتي.
الفكرة نفسها تؤكد عليها الشابة هبة ابراهيم التي تعتبر المعرض فسحة للروح لتخرج من هذا الواقع المأزوم، رغم أن غالبية اللوحات تنقل صوراً لما يحصل على الأرض، لكن المهم هو حضور النواحي الجمالية في كل عمل على حدة، ما يدفع بعيداً بمشاعر القنوط واليأس التي تتسلل في أحيان كثيرة إلى نفوس الشباب السوري. أما أعمالها فهي بحسب وصفها خليط فني بين السوريالية والتعبيرية والرومانسية وتركز في مجملها على الحالة الإنسانية الداخلية التي قد يظهر عكسها تماماً للعيان، ما يؤكد أن الإنسان هو مجموعة من التناقضات الحية التي قد تتجلى متحاذية في لحظة ما.