«مؤسَّسة الثَّقافة بالمجَّان» تُقَدِّمُ إلى العرب الأدبَ الإِيسلَنديَّ المُعاصِر
صدرت للكاتب الإِيسلَنديّ ثور ستيفانسون Thor Stefansson ، الحائِزِ إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبيَّة «جائزة التَّكريم عن الأعمال الكاملة، 2014»، وسفير مؤسسة الثقافة بالمجان في العام عينه، الترجمة العربية لكتابه المُعَنوَن «25 من الشُّعراء الإيسلَنديِّين المُعاصِرين»، وذلك بقَلَم ناجي نعمان نفسه، وعن مؤسّسته للثَّقافة بالمجان، وبالتَّعاون، لجهة التَّرجمة من الفرنسيَّة، مع مركز الأدب الإِيسلَندي Midstod Islenskra Bokmennta في العاصمة الإِيسلَنديّة، ريكيافيك. وهو يدرج في إطار سلسلة «الثَّقافة بالمَجَّان» التي أنشأها ناجي نعمان في العام 1991، وما زالَ يشرف عليها.
الكتاب هو الثَّاني لِستيفانسون في إطار التَّعاون الثَّقافي بين المؤسسة والمركز بعد كتاب «في ضيائك»، الصَّادر في العام 2017، وهو يتضَمن دراسةً سريعةً في تَطوُّر الشعر الإيسلَندي، وسير وصور خمسةٍ وعشرين من الشُّعراء الإيسلَنديِّين المُعاصرين، مع نماذج من شِعرهم.
هذا، علمًا بأن منتخبات أدبيَّةً لناجي نعمان صدرَتْ بالإِيسلَنديّة في العام عَينِه عن «دار أودور» Oddur ، حملَتْ عنوانَ Lj d ، ترجمَها ستيفانسون نفسه بدعمٍ من مركز الأدب الإِسلَنديّ.
وتَعود جذور القصيدة الإِيسلَنديّة إلى القرون الوسطى وقد تنامَت منذ الاستعمار النَّروجيّ على إِيسلَندا في القرن التَّاسع من عصرنا. وثمة شعراء ممَّن يُمثِّلون ركائز القصيدة الإِيسلَنديَّة في العصور الماضية ممّن ما زالوا يقرَأون إلى اليوم من دون أيّ جهدٍ خاصّ، وهم مستحسَنون، بالإِجماع، لدى القارئ المُتوسط الثَّقافة، وغيرِ المُتَخَصص.
فالقصيدةُ «الإِديكيّة» هي، ولا شَكّ في ذلك، الأَقدم، ومُؤلّفوها غير مَعروفين. ولَئن كانتِ المَخطوطات القديمةُ لهذه القصائد تَعود إلى القرن الثَّالث عشر، فإنَّ أُصولَها تَعود إلى عصورٍ أكثرَ قدماً أيضاً. وفيها تروَى أساطيرُ ديانة الشمال القديمة في بلدٍ اعتَنَقَ المَسيحيَّةَ منذُ العام ألف. وفي قصيدة الـ «الهافامال» دُوِّنَتْ كُلُّ الحِكمة الإِنسانيَّة، وثَمَّةَ، ولا شَكَّ في ذلك أيضاً، مَقاطِع من هذه الحكمة الأَلفيَّة العمر، ممَّا يُستَشهَدُ به غالباً، الآنَ، في الإِيسلَنديَّة المَكتوبة كما في الإِيسلَنديَّة المَحكيَّة.
وأَدخَلَ إِجِلّ سْكَلاَّ غْر ِمْسُن القافيةَ الأخيرةَ على القصيدة الإِيسلَنديَّة في أواسط القرن العاشر. وحتَّى يومنا هذا، غالبًا ما يعدُّ الإِيسلَنديون تلكَ المهارةَ في نَظم الشعر كَتعريفٍ للشِّعر بحَدِّ ذاته.
وأما هَلّغْريمُر بتِرْسُن 1614-1674 فيُعَدُّ أكبرَ شاعِرٍ دينيٍّ بالإِيسلَنديَّة، وإن كان، إلى هذا، مؤلّفَ عملٍ شِعريٍّ غير دينيٍّ شَهير فيما يعدّ يُنَسّ هَلغرمسن 1807-1847 أكبر شُعراء العَصر الرُّومَنسي في إِيسلَندا. وما زالَ، إلى يومنا هذا، يُجسِّد مثالاً في جماليّة الكِتابة الشِّعريَّة في نَظَر القارئِ الإِيسلَنديِّ المُتَوَسِّطِ الثَّقافة. وقد أَعاد الاعتِبار لِقافِيَةِ القرون الوسطى، وانتَقَد بشِدَّةٍ ناظِمي الشِّعر على طريقة عَصره. كما أَدخل صيَغًا أورُوبِّيَّةً في طريقة نَظم الشِّعر الإِيسلَنديٍّ وبهذا كانَ أوَّلَ شاعِرٍ في نَظم السُّونِتَّة في البلاد.
ولم يَقَعِ الانشقاق في نَظم الشِّعر التَّقليديِّ الإِيسلَنديّ إلاَّ في أواسط القرن العِشرين. فبَعدَ بَعضِ رُوَّادٍ في هذا المَجال، كانَ الشُّعراءُ المَعروفون بـ «الذَّرِّيِّين» هم الَّذين أوجَدوا هذا الانشِقاق. وهؤلاءِ الشُّعراءُ ظَهرَتْ دَواوينُهم الأولى حوالى العام 1950، وقد كَتَبوا، كلُّهم، في ما كَتَبوا، قَصائدَ حُرَّةً. وهكذا، تَحَوَّلوا مادَّةَ نَقدٍ شديدٍ واستِثنائيّ، رَدَّدَتْ صَداهُ غالبيَّةُ القرَّاء.
يُذكَرُ أنَّ ثُور ستيفانسون وُلِدَ في رَيْكْياڤيك بإسلندا وهو يَعيش هناك بعد إقاماتٍ طويلةٍ له في كلٍّ من فرنسا والدنمرك وأسوج. فبعد أن درس في فرنسا إِكْس-أُنْ-بْروفَنْس وباريس ، ونالَ دِبلومَ الدِّراسات العُليا في الألسنية، راحَ يدرّس الفرنسيَّةَ ويرأسُ تحريرَ معاجِمَ فرنسيَّةٍ إِيسْلَنْدِيَّةٍ في أكثَرَ من مكان. في رصيده نحو ثلاثين كتاباَ في الشِّعر، نصفُها مُتَرجَم، ومنها كتابٌ في أعمال خمسين من شُعراء العالَم العربيِّ نقلَها إلى الإِيسْلَنْدِيَّة. والكتابُ الحاليُّ هو ثاني كتابٍ له يُنقَلُ بالكامِل إلى العربيَّة.