ميشال عون وعقبة النصر الأكبر من لبنان

روزانا رمّال

فُتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية اللبنانية عملياً مع بدء الشهرين الأخيرين من ولاية الرئيس الحالي العماد ميشال سليمان، حيث يصبح المجلس النيابي هيئة ناخبة، وقد تبقى من الولاية الدستورية ثلاثة وأربعون يوماً، ولكونهما الكتلتين النيابيتين اللتين توفران معاً نصاب الانتخاب ينتظر اللبنانيون اليوم أن يطرح كلّ من فريقي 14 آذار و 8 آذار مرشحيهما المعتمدين لكرسي الرئاسة خلفاً لسليمان، لكن حتى الساعة لا يبدو أنّ أياً منهما قد حسم أمره على رغم أنّ أقوى مرشحي الفريقين هما الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون.

ماذا يعني طرح أقوى أسماء الخصوم السياسيين في البلاد؟ وما هي دلالاته الأبعد من الرابية ومعراب؟ ثمّ ما هي حظوظ كلّ مرشح منهما وهما اللذان ينتميان أو يرمزان أو يؤيدان كأضعف الإيمان أحد التحالفات الإقليمية المنقسمة عمودياً، خصوصاً في الموضوع السوري مهما حاولا التجرّد؟

بالنسبة لفريق الثامن من آذار فإنّ العماد عون هو الأقوى مسيحياً، يتبعه رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ومن الطبيعي أن يكون أحدهما هو مرشح الفريق المذكور، لكن في بلد كلبنان السياسة فيه ومجراها وحساباتها غير طبيعية ومعقدة ومتشابكة بالإقليمي والدولي، فإنّ فوز أحدهما لن يدلّ على تجسيد رغبة اللبنانيين أو المواطنين ككلّ دول العالم أو ترجمتها بصورة ديمقراطية باردة تنتهي معاني التحدي فيها ليلة إعلان النتائج، إنما هو وبكل وضوح إعلان فوز محور بأكمله على آخر، محور منتصر يبدأ من روسيا والصين وإيران وصولاً إلى سورية، وقد يعبر فوق القدس أيضاً، وهو اعتراف وتكريس لأوراق نفوذ المحور الخصم لأميركا برمّته، مع ما يتبعه من دول عربية تتدخل مباشرة في اختيار الرئيس اللبناني دوماً، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.

مهما حاول الجنرال عون اعتبار نفسه بمنأى عما يجري في المنطقة أو نأى بترشيحه عن المنازعات والخصومات الدولية والإقليمية، فإنّ ذلك لن يلغي أبداً أنه حليف حزب الله الذي يقاتل في سورية وينتصر مع من يشاركهم الهدف، وعليه فإنّ وصول العماد عون إلى سدة الرئاسة هو إعلان أكيد على أنّ مشهد المنطقة بدأ يتغيّر وأنه سيكون للبنان رئيس وفق صيغة الغالب والمغلوب، فهل ستتقبّل السعودية، التي يبدو أن التيار الوطني الحرّ منفتح نحوها ونحو حلفائها من اللبنانيين كتيار المستقبل، تكريس وتسهيل فوز العماد عون رئيساً مع ما يعنيه ذلك بالنسبة إليها من إعلان هزيمة أمام الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه وتحديداً إيران؟

ما ينطبق على عون ينطبق على فرنجية فهو الحليف الأشدّ تمسكاً بدعم الرئيس الأسد جهاراً نهاراً، وبالتالي فإنّ ترشحه مثل فوزه يحمل نفس الدلالات.

المعروف أيضاً أنّ على أيّ رئيس لبناني ولاعتبارات سياسية واقتصادية متعددة أن يحصل على الرضى الأميركي كخطوة أساس، أو على الأقل هذا ما عهده لبنان قبل الإفراط بالتفاؤل والحديث عن أيّ فوز لمرشح يكرّس صيغة الغالب والمغلوب واقعاً لبنانياً… وهنا فإنّ للولايات المتحدة حساباتها الدقيقة وملفاتها المفتوحة في المنطقة مع حلفائها على مصراعيها، ومسؤوليتها عن حفظ مصالحهم وأمنهم، وعلى الأقل عدم وضعهم أمام تحديات جديدة، وأميركا عينها على أكثر من استحقاق رئاسي يوضح أمامها المشهد غداة تحضيراتها للانسحاب «المفترض» من أفغانستان أو عزمها عليه بينها انتخابات العراق وسورية ومصر يأتي لبنان بعدها كأولوية أميركية تحرص على أن تكون في أسوأ الظروف والأحوال فيها ما يحفظ ماء وجهها أمام حلفائها أولاً وخصومها ثانياً.

لأنّ المشهد الإقليمي لا يزال رمادياً، والرئيس المحسوم في لبنان باللون والهوية يعني بدء زمان الأبيض والأسود في المنطقة، فالأرجح أنه سيكرّس رئيساً توافقياً يأخذ ربما لبنان إلى نفس مرحلة ميشال سليمان، خصوصاً أنه لا يبدو في الأفق القريب أي صيغ للتسويات السياسية السريعة حول سورية، بالتالي فإن رئيساً كالرئيس سليمان، انتخاباً وحضوراً ومواقف، والذي أتى ضمن تسوية «الدوحة»، يبقى أكثر الاحتمالات واقعية في ظلّ عدم استعداد أي من الفرقاء الدوليين إعلان الهزيمة في سورية، وبالتالي فإن الإفراط في التفاؤل باستثمارها داخلياً في الوقت الحالي بعيد جداً عن الواقع، إلا إذا بقيَ مساندو المرشحين الأقوى في المعسكرين يلعبون على حافة تعطيل النصاب كلّ لحساب مرشحه وصارت المعادلة أنّ الفراغ أفضل لكلّ منهما من رئيس التوافق، لكن ذلك قد يصمد في مرحلة اللاقرار واللاتسوية إقليمياً ودولياً، أي في مرحلة تحمّل الخارج للفراغ اللبناني، لكن هل يصمد الفراغ الرئاسي لحظة تدقّ ساعة الخارج تحت شعار أنّ الفراغ معطل للاستقرار، وأنّ ملء الفراغ صار ملحاً، للجواب يكفي أن نعود إلى ما رأيناه من التأثيرات العجيبة على الداخل لقرار الخارج بملء الفراغ الحكومي بالخيار التوافقي، على رغم أن احتساب الأصوات في لعبة الفوز والحسم حكومياً ممكنة من دون التوافق، خلافاً لشروط النصاب للاستحقاق الرئاسي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى