من كتابي «حزب الله – فلسفة القوة»
قواعد سلوك تصلح للأفراد كما للأحزاب: ترجمة الثقة بالذات وبصواب الفعل عبر التمسك بأدوات وسلوك تتجمّع فيها ثلاثية أساسها الصبر والمثابرة والإتقان، وتحكمها ثنائية الكتمان والإبهار. فبدلاً من أفعال متفرقة متسرّعة مبعثرة تصرف كل فائض متيسّر من فائض قوة مادي أو معنوي، مالاً أو معرفة أو معارف او عديداً او عتاداً، في فعل متواضع وعابر عاجز عن ترك الأثر ولفت النظر تحمُل الوقت والصمت ومراكمة المزيد والمزيد بالصبر وصناعة المزيد بالمثابرة وتدقيق جودة هذا المزيد بالإتقان. وهنا مع اكتمال الثلاثية تحضر ثنائية الكتمان وصولا للإبهار. فالكتمان شرط يكشف الترفع عن الاستعراض والتباهي وصولاً للإبهار بالإنجاز، لكن بصمت وتواضع فتنحني الرؤوس تحية واعترافاً وإقراراً بقوة ومهابة الحضور ليتحوّل الإنجاز وضجيجه إلى قيمة مضافة سريعاً تزيد المهابة مهابة والاحترام احتراماً برفض بيعه في سوق الاستثمار لصناعة المكاسب والمناصب وتحويله من فائض قوة إلى قيمة مضافة سرعان ما تعود لتتحوّل فائض قوة جديداً.
– ادراك المعادلة الصحيحة بين البوصلة التي تعني الهدف… والهوية التي تعني الفكرة عن الذات ديناً أو عقيدة أو فلسفة أو قومية والانتباه إلى خطورة السائد عند الأحزاب والجماعات والأفراد من تعدد للأهداف وأحادية للهوية واعتبار الهوية عنصر تحديد الخصومة والصداقة حتى تصير الهوية مهما كان أصلها عقلانياً أقرب للعصبية العمياء وغالباً مصدراً لضياع الهدف الذي كان في البدء أهدافاً متعددة وبدأت رقعته تضيق… بينما التدقيق في فلسفة القوة ومصادرها يوصل لإدراك العكس بدلاً من هوية واحدة وبوصلات متعددة بوصلة واحدة وهويات متعددة. فالقومي يمكن ان يكون بمفاهيم متعددة للقومية، ويمكن أن يكون دينياً او علمانياً ويمكن الجمع بين هوية مناطقية معهما، وهوية مهنية فوقهما، لكن البوصلة التي تستطيع جمع هويات متعدّدة هي الفيصل في التفريق بين معسكرات الخصوم والأصدقاء. فرسم الخط الفاصل وفقاً للهدف الواحد واحتواء تعدد الهويات ضمن خط السير نحو الهدف يقلب هرم الحياة الذي يقف على رأسه مهتزاً قلقاً عصبياً يرتجف عند كل منعطف ليقف على قاعدته الواسعة فيرتاح وتسترخي أمامنا خيوط تحريك مصادر القوة.
– التمييز بين حالات الاستناد إلى فائض القوة وحالات استثمار القيمة المضافة. فالدول والأحزاب كما الأفراد يتمتعون بفائض قوة بالمال والسلطة والقدرة التي تتشكل منها القوة عتاداً وعديداً، كما يفترض أنّهم يراكمون مواقع في قيم مضافة أو يحاولون أو يدعون ذلك من التفوق القيمي والأخلاقي والنجاحات المهنية والعلمية وخدمة الناس ونصرة المظلوم والوقوف مع الحق والمعيار الذي يميّز بينهم هو في مدى قدرتهم على توظيف فائض القوة بوجه الأعداء فقط، وهم الذين يفصلهم عنهم صراع مرير حول الحق والحقيقة والاكتفاء باستحضار القيم المضافة التي تصنع لهم المهابة في خلافاتهم مع الداخل. وهو كل مَن يتنافسون معه أو يختلفون معه على ما يعتبرونه ثانوياً فيضعون خطاً أحمر يحرم عليهم صرف فائض قوتهم بوجهه ويكتفون بإدارة باردة لقيمهم المضافة حتى تستقيم التوازنات والعلاقات.
– إتقان التوازن بين السعي لتكوين فائض قوة والانتباه لبناء قيمة مضافة. فالجميع دولاً وأحزاباً وأفراداً يتسابقون على تكوين فائض القوة مالاً وسلطة وسلاحاً ومن دون فائض قوة يحمي تُستباح الحقوق وتضيع الحقيقة، لكن القضية هي في أن يبقى فائض القوة ملتزماً بحق وحقيقة وما بينهما من قيم سامية. والمقياس أن ما كان في الحق والحقيقة ينمو وفائض القوة الذي يتحوّل قيمة مضافة هو الذي يكبر. فالمال والسلطة والسلاح والعديد والمهابة ما لم تنفق في تعزيز قيمة سامية كالتضحية والشهامة ونقل المعرفة ونشر العلم وتعزيز الفضائل. وأي إنجاز فيه خير عام ونصرة المظلوم تصبح القوة عمياء فتسود، لكنها ستتآكل وتهتلك. أما فائض القوة الذي يتراكم في قيمة مضافة سرعان ما يعود فائض قوة جديداً وبقدرة الانتقال في سلم التبادل بين كل فائض قوة جديد وقيمة مضافة جديدة تكبر وتتعاظم مكانة الدول والأحزاب… كما الأفراد.
– الزهد بالسلطة… أي سلطة عائلية أو مهنية أو اجتماعية أو إدارية أو سياسية والاكتفاء بصناعة المهابة والاقتراب من الإمساك ببعض من مفاصل السلطة بمقدار الضرورة لحماية المهابة ففي الصراع مع عدو السلطة عبء على صاحبها ومجلبة للأذى للمريدين بجعلهم هدفاً مكشوفاً وفي المواجهة مع الخصوم المهابة أقوى من السلطة وأشد عفافاً منها وفي التعامل مع الأصدقاء السلطة قوة جذب للمزيفين وإبعاد للمخلصين منهم.