تصاعد آثار الأزمة الاقتصادية على العلاقة التركية الأميركية
د. هدى رزق
دفع نهج دونالد ترامب لتأمين الإفراج عن القس برونسون الكونغرس لإعادة تقييم نهج تركيا كحليف لحلف شمال الأطلسي، في الوقت الذي صعّد فيه الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس الضغط على أنقرة، فبدأ الجمهوريون يفكرون بإمكانية عقد اتفاقية تجارة حرة مع أنقرة كجزرة لتعويض عصا ترامب الكبيرة.
فعقب اجتماع السناتور ليندسي غراهام مع السفير التركي في الولايات المتحدة دعا إلى إبرام صفقة تجارة حرة وشدّد على ضرورة مواصلة التعاون الاستراتيجي مع أنقرة في سورية والعراق، على الرغم من دعمه لتعريفات ترامب الجمركية، لكنه اعتبر ان انخفاض وضع تركيا الاقتصادي مضرّ بأميركا لأنّ الاتراك حلفاء في الناتو.
رغم مخاوف الجمهوريين من سياسة أردوغان، قالوا إنّ التعريفات الجمركية تزيد من تفاقم الحرب التجارية. وهدفهم تخفيف حدة التوتر مع تركيا، وليس تصعيدها. وشجّعوا وزارة الخارجية على تحسين العلاقات.
ضاعف ترامب التعريفات الجمركية على تركيا مستخدماً التبرير القانوني بعد أن فشلت العقوبات التي استهدفت وزراء العدل والداخلية في تركيا في ضمان إطلاق سراح برونسون. إلا أنّ البيت الأبيض قال إنّ إطلاق سراح القس سيؤدّي إلى تخفيف العقوبات، لكن ليس إزالة التعريفات. وهم يرون أنّ الأزمة المتصاعدة مع الولايات المتحدة أسهمت في تسريع أزمة العملة.
أعرب نواب الكونغرس في الوقت عينه عن قلقهم من التركيز الضيّق للإدارة على برونسون، لذلك طالبوا أن يتحدث ترامب عن عالِم في وكالة ناسا أمضى ما يقرب من ثلاث سنوات من فترة حكم سبع سنوات في سجون أنقرة.. وعن المواطنين الأتراك الذين عملوا مع وزارة الخارجية وهم محتجزون في السجن ايضاً.
وكان وفد من الكونغرس قد عرض على تركيا التراجع عن صفقة الـ «أس 400» مع روسيا مقابل السماح بفك الحظر عن الـ «أف 35» إلا أنّ تركيا رفضت واعتبرت انّ الصفقة مع روسيا قد تمّت ولا تراجع عنها. لن يتوقف شدّ الحبال بين واشنطن وأنقرة قريباً لا سيما أنّ ترامب بدا محبطاً من ردود أردوغان على طلبه إطلاق سراح برونسون.
وفيما تعيش أنقرة أزمتها المالية والاقتصادية قدّم أحد نواب البنك المركزي التركي الأربعة استقالته بعد تراجع العملة مجدّداً. وأتت الاستقالة قبل اجتماع لجنة السياسة النقدية، حيث تمّ تحديد أسعار الفائدة. ويواجه البنك المركزي دعوات متواصلة لرفع جذري لرفع قيمة الليرة، والتي انخفضت بنسبة 4 في المئة من قيمتها مقابل الدولار مجدّداً. الأمر الذي أضاف ضغوطًا على البنوك والشركات ذات الديون المرتفعة بالعملات الأجنبية. وتوقع أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أن يتجاوز إجمالي التمويل الخارجي للبلد 225 بليون دولار. فكلما انخفض سعر الليرة، أصبح من الصعب تدوير الديون المقوّمة بالعملة الأجنبية. أما الرئيس التركي رجب أردوغان فهو يواصل الإصرار على أنّ المصائب الحالية للبلاد تنبع من «حرب اقتصادية» تخوضها قوى أجنبية.
وكان ترامب قد حذر من فرض مزيد من العقوبات في حال عدم الإفراج عن برونسون. ومن المحتمل أن تقوم واشنطن بضربة قوية على شكل غرامة بمليارات الدولارات على هالك بنك التركي بشأن دوره المركزي في خرق العقوبات الإيرانية في فترة ما قبل الاتفاق النووي. من جهة أخرى اذا تمّ استئناف محاكمة القس بتهمة التجسّس والإرهاب في تشرين الأوّل/ أكتوبر فسيؤدّي هذا الامر الى التوتر وتسريع تراجع الليرة الضعيفة أصلاً.
ولا زال أردوغان يعارض بشدة رفع أسعار الفائدة، رغم الاعتقاد، بأنّ ذلك من شأنه أن يغذي التضخم.. لقد اهتزت ثقة المستثمرين العالميين في بلد كان يوصف حتى وقت قريب بأنّ اقتصاده من أفضل الاقتصادات الناشئة.
ومن آثار الانخفاض القياسي في الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي التأثير المباشر على اللاجئين العاملين في المصانع التركية الذين كانوا يرسلون الأموال الى ذويهم في سورية، حيث قرّرت أعداد منهم العودة الى سورية في إطار حملة إعادة اللاجئين إلى بلادهم. أما المعارضة السورية في منطقة عمليات درع الفرات في الشمال وريف حلب الشمالي الشرقي. فهي الأشدّ تأثراً بانخفاض قيمة الليرة الشرائية
فهناك شريحة كبيرة من السكان السوريين موظفين ومقاتلين يتلقون رواتبهم بالليرة التركية. وهذه المنطقة هي تحت النفوذ التركي الذي يدعم المؤسسات المدنية و»الجيش الحر» في مواجهة أي محاولات من وحدات حماية الشعب الكردية للسيطرة على المنطقة القريبة من الحدود الجنوبية التركية.
كان الراتب الشهري للموظفين السوريين في منطقة درع الفرات 500 ليرة تركية أيّ حوالي 85 دولاراً. هذا المبلغ الصغير لم يعد يكفي لتلبية الاحتياجات الشهرية الأساسية، اذ أدّت أزمة العملة إلى انخفاض مبيعات مالكي متاجر الملابس ومحال بيع المواد الغذائية والأثاث. واضافة الى «الجيش الحر» هناك مقاتلو الجيش الذين يتلقون في منطقة درع الفرات، رواتب شهرية تتراوح بين 500 و 1000 ليرة تركية.
كما يحصل أكثر من 100 ألف سوري في هذه المنطقة على رواتبهم من الحكومة التركية التي تدعم العديد من القطاعات والمؤسسات هناك. وقد تأثرت كلّ من المجالس المحلية والشرطة وقوات الأمن العام ومقاتلي «الجيش الحر» والمدرّسين والوعاظ وموظفي المساجد بالانحدار الحادّ الذي شهدته المنطقة. فرواتبهم بالكاد تغطي تكاليف معيشتهم. وضع الليرة التركية قد يقود معظم هؤلاء الى إعادة النظر في جدوى الوظائف التي يمارسونها تحت السلطة التركية. وقد يقود هذا الانخفاض في العملة إلى فقدان تركيا سيطرتها على هذه الأعداد الكبيرة من الموظفين في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها حيث بدأت أصوات شرائح اجتماعية وسياسية تركية بالدعوة الى التخلي عن دعم السوريين واللاجئين منهم بالمال.