«وجه رجل وحيد»… قضايا المرأة بين الصمت والكلام «وجه رجل وحيد»… قضايا المرأة بين الصمت والكلام
ليلى كردي
«وجه رجل وحيد» عتبةٌ يبدو أن مهدي زلزلي اختارها بعناية كما صورة الغلاف المعبّرة كمدخلٍ إلى مجموعته القصصية الصادرة حديثاً عن دار الفارابي، والتي تضمّ ثلاثين قصة قصيرة تتناول المرأة في صور مختلفة. وهي مفارقة مستفزة لا تخلو من دلالة، فالعنوان مقتبس من إحدى قصص المجموعة «ابتسامة على وجه رجل وحيد» مع تعديل طفيف لعل مقتضيات الإيجاز فرضته. والقصة المشار إليها هي الوحيدة التي تحمل طابعاً تأملياً بحتاً في موازاة انحياز بقية القصص إلى السرد المتكئ على عنصري التشويق والمفاجأة. وهي الوحيدة التي تحاول التعبير عن هموم الرجل ومشاكله وتطلعاته من خلال بطل القصة الواقف على شرفة منزله، مستعرضاً ماضيه بكلّ ما فيه من خيبات، وحاضره، ومستقبله. ليكون الرجل في هذه المجموعة وحيداً فعلاً وسط بحر من الوجوه النسوية التي تختلف حكاياتها وتجمعها المعاناة.
وتتجلى في قصص المجموعة صورة المرأة في علاقاتها الإجتماعية، وهي علاقات حديثة النشأة، ومستمدّة من واقعنا الاجتماعي الحاضر، حيث تتعرّض لتأثيرات خارجية مهمة، أبرزها الأثر الكبير الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي بوسائطها المتعددة، والذي يطال علاقة المرأة بالرجل أولاً، وعلاقتها بأحلامها وأهدافها ثانياً، وبالمجتمع بأسره ثالثاً.
وتفصح قصص المجموعة بشكل مباشر حيناً وغير مباشر حيناً آخر عن معاناة المرأة الشرقية القابعة في ظل هيمنة المجتمع الذكوري الذي انتزع، غير مرة، من بطلاتها الاستقلالية، وأقصاهن إلى الظل، فنجدهن في غير موضع ينشدن بشوق حرية القول والفعل والاختيار.
وتستبطن تلك المطالب حساً عميقاً بغربة الأنثى ومصادرة هوائها الخاص الذي تشبَّع بمُثُل الذكورة المستبدّة، فبطلة قصة «بيتي» عُرِّضت لأقسى أنواع الظلم بعد مشاركتها في تأسيس بيت أحلامها على الصورة التي تحبّ، راغبة في عيش حياة هانئة مع زوجها، ليقرّر الأخير بعد كل هذا الجهد والعناء طردها منه لإحلال زوجته الجديدة فيه. وبطلة قصة «أيقونة» امرأة أرغمتها على الزواج من رجل لا تحبّه، والدتها التي تصلح كنموذج ودليل على أن «سدنة المعبد في المجتمع الذكوري ليسوا دائماً من الرجال».
وثمَّة نموذج آخر يظهر في قصة «ذكرى» ويتمثل في امرأة يهجرها زوجها بعد أن أفقدتها إصابتها بمرض السرطان صورتها كامرأة جميلة ومشتهاة، معللاً ذلك بعدم قدرته على التكيّف مع الوضع المرضيّ الجديد والتحوّل ممرضاً خاصاً بامرأة تحتضر! كما تحضر في قصة «وحيدة في النفق» المرأة المطلقة التي يؤلمها خجل ابنها من استضافة رفاقه في المنزل أثناء وجودها فيه، وتعاني من نزوات «المحسن الكبير» الذي يعدها بتوصيل المساعدات إلى منزلها، ولا تصل أبداً طالما هي لم تجبه إلى مطلبه الذي لا يتناسب مع تأكيده المستمر «أنه في مقام والدها».
ويطلّ الكاتب من دون أن يتخلى عن تيمة المرأة – على لوثة العنصرية التي تضرب المجتمع اللبناني بقوة من خلال معاناة عاملتين في الخدمة المنزلية من بنغلادش في قصة «الخادمتان»، ومن خلال شخصية «خالد» الفلسطيني الذي أُبعِد قسراً عن حبيبته في قصة «الغريب»، حيث تبدو المرأة كضحيّة في هاتين القصتين أيضاً.
وتمتاز القصص بأنساق لغويَّة واضحة ومعانٍ محدَّدة تظهر الأحداث بوضوح وتنأى عن الغموض وعن السرديَّة المسهبة، فالكاتب يعرض فكرته بطريقة شيّقة ذات وقع خاص يؤثر في المتلقّي ويُجبره على إتمام القصة حتى نهايتها من دون الوقوع في الملل، مستنداً في كل ذلك إلى شخصيَّات حقيقية تحيا معه في المجتمع نفسه، غير منسلخة عن البيئة المحيطة ولا بعيدة عنها.
ولعلَّ الكاتب استطاع رفع الستار عن قضايا محقة، وتسليط الضوء على مشاهد واقعيَّة نصادفها يوميَّاً ونعيش تفاصيلها الحيَّة.