عين العرب: ماذا بعد؟
حميدي العبدالله
لم يعد خافياً على أحد أنّ أطرافاً كثيرة استغلت هجوم «داعش» على عين العرب التي تقطنها غالبية كردية لتحقيق أهداف ليس لها علاقة على الإطلاق بإلحاق الهزيمة بالتنظيم الإرهابي الذي هاجم المدينة والقرى المحيطة بها. بل إنه من غير المستبعد ما ذهبت إليه بعض التحليلات التي أشارت إلى احتمال وقوف تركيا وراء لهجوم، وتقديمها الدعم الكامل لتنظيم «داعش» للسيطرة على المنطقة، أولاً لإبعاد قوات الحماية الشعبية عن هذه المنطقة، وثانياً لاستغلال الهجوم لتغيير التحالفات السياسية القائمة في هذه المنطقة، والتي حالت دون توفير سيطرة تركية مباشرة أو غير مباشرة على منطقة واسعة من المناطق الواقعة قرب الحدود السورية – التركية.
فمن المعروف أنّ وحدات الحماية وحزب الاتحاد الديمقراطي رفضا الانضواء تحت راية الائتلاف المعارض وقبول الإملاءات الغريبة، وإملاءات دول المنطقة، ولا سيما إملاءات أنقرة.
ومن المعروف أيضاً أنّ وحدات الحماية لم تناصب الجيش السوري العداء ورفضت القتال ضدّه، وحافظت على مستوى من التعاون بينها وبين الجيش والدولة السورية في محافظة الحسكة لإبقاء هذه المنطقة بعيدة عن سيطرة المسلحين، سواء كانوا من «داعش» أو «النصرة» أو من الفصائل الأخرى التي تراهن عليها الدول الغربية وحكومات المنطقة.
وكان واضحاً أنّ تحرك «داعش» في منطقة عين العرب كان يهدف بالدرجة الأولى، على الأقلّ من قبل تركيا والدول الأخرى التي قدمت الدعم لـ«داعش»، إلى معاقبة حزب الاتحاد الكردي وقوات الحماية وكسر احتكار سيطرتها على المنطقة، وجرّها إلى دهاليز السياسة المعادية للدولة والجيش السوري.
الآن بعد استغلال هجوم «داعش» والحصول على موافقة قوات الحماية على دخول مسلحين آخرين إلى عين العرب للدفاع عنها في وجه «داعش»، هل كان لتركيا ودول المنطقة والحكومات الغربية ما أرادته على هذا الصعيد؟
من السابق لأوانه الاستنتاج أنّ وحدات الحماية قد أذعنت لشروط الجهات المعادية لها وللدولة والجيش السوري، فالتعاون بين الدولة والجيش السوري ووحدات الحماية الكردية ما زال مستمراً في محافظة الحسكة، لكن هل تحدث انتكاسة في هذا التعاون في هذه المنطقة على غرار ما جرى في حلب في حيّ الأشرفية والشيخ مقصود في فترة سابقة؟
من الصعب استبعاد هذا الاحتمال، ولكن ثمة عوامل كثيرة تجعل احتمال تكرار هذا السيناريو أمراً صعباً إلى حدّ كبير، ومن أبرز هذه العوامل:
أولاً، نتائج التجربة ذاتها في حلب لم تكن في مصلحة الأكراد، بل جاءت على حسابهم ولم تلتزم الفصائل المسلحة بالتفاهمات التي تمّ التوصل إليها مع الأكراد، وجميع هذه التنظيمات انقلبت على الأكراد لمصلحة تقويض أيّ وجود خاص بهم.
ثانياً، خصوصية المنطقة، لأنّ أيّ تلاعب في هذه المنطقة سيكون في مصلحة «داعش»، وأيّ تآمر ضدّ الدولة والجيش السوري في هذه المنطقة سيشكل خدمة استراتيجية لتنظيم «داعش» وتسهّل استيلاءه على المنطقة، والأرجح أنّ هذا خياراً سوف تتجنّبه وحدات الحماية الشعبية للحفاظ على مصالحها وعلى الأكراد القاطنين في هذه المنطقة.
ثالثاً، وجود الجيش العربي السوري في هذه المنطقة وجوداً قوياً والوضع هنا يختلف عما كان عليه في الأشرفية والشيخ مقصود، ومن مصلحة قوات الحماية التحالف مع الطرف الأقوى في هذه المنطقة، أيّ مع الدولة السورية ومع الجيش السوري، وأيّ تلاعب على هذا الصعيد سيدفع ثمنه الأكراد أكثر من أيّ طرف آخر.
رابعاً، السياق العام الذي وقعت فيه أحداث الشيخ مقصود والأشرفية في حلب يختلف تماماً عن السياق الحالي، وبالتالي فإنّ تغيير الظروف والمعطيات يؤثر كثيراً على الخيارات.