«داعش» و«إسرائيل» الأخوة غير الأشقاء
لورا محمود
بين المأساة والمهزلة وبين تاريخ غير مشرّف لعرب تنازلوا ودعموا بل واعترفوا بدولة «اسرائيل»، وبين حاضر يدعم فيه العرب قبل الغرب ما يُسمى بتنظيم الدولة الاسلامية «داعش» وحدودها اللامنتهية، وبين مشهد تتحالف فيه الدول لمحاربة هذا التنظيم ومشهد يتهم فيه الكلّ الكلّ بتمويله ودعمه، ولكن الذين اعترفوا بـ«إسرائيل» سابقاً لم يتحالفوا ضدّها بل وقفوا على أبوابها، رغم التشابه الكبير بين «إسرائيل» و«داعش» من حيث النشأة والسيطرة والمال والبروباغندا، وأيضاً الوحشية والدموية والتهجير وكلّ ما يمكن فعله للاستيطان والبقاء.
فالدولة اليهودية لم تقم فقط بسبب وعد بلفور، بل بذل اليهود جهوداً ذاتية كبيرة ليحققوا حلمهم بقيام دولة «إسرائيل» التي وعدهم بها بلفور عام 1917، وعندما جاء هرتزل فكّر بإيلاء فلسطين الأفضلية بين الأراضي المرشحة لغرس الدولة اليهودية فيها، بناء على التعاليم اليهودية بهدف اجتذاب «عشاق صهيون» إليها، حينها اعلنت الحكومة البريطانية انها تؤيد إقامة «وطن قومي لليهود» في فلسطين وذلك بشرط عدم إلحاق الضرر بالسكان الأصليين، أي الفلسطينين، لكن قادة الصهيونية استغلوا هذا التصريح في اتجاه إنشاء «دولة يهودية» بالسعي إلى إلغاء كلّ وجود للفلسطينيين.
من هنا نجد أنّ فكرة التعايش بين اليهود وبين سواهم من البشر فكرة خرافية لا يمكن أن تكون واقعية، فبعد ما يقارب القرن من الزمن نجد أنّ الكيان الصهيوني بات كياناً يمتلك ما يمتلك من قوة غاشمة ما زال غير قادر على التعايش مع غيره، ويعمل على أن يكون كياناً يهودياً خالصاً، ولم يكن هذا التفكير لينمو ويترعرع بدون هذا الدعم اللا محدود من قبل الولايات المتحدة الاميركية، وحالة السكوت والسكينة من قبل النظام العربي، والصمت على كلّ الإفعال الإجرامية التي ارتكبها ويرتكبها الصهاينة منذ قيام كيانهم، الذي تأسّس على الجرائم والمجازر.
«إسرائيل» الأمس هي ذاتها «داعش» اليوم التي لا تقبل الآخر أيضاً، فـ»داعش» و«إسرائيل» من طينة عنصرية متزمّتة واحدة، تختلف ألوانها ومفرداتها، ولكن كلتيهما من جذور واحدة… كلاهما يقوم بتصفية خصومه وأعدائه بوسائل إرهابية بربرية، ولا تهمّه لا القيم ولا الأعراف ولا قرارات الأمم المتحدة، ولا شرعية حقوق الإنسان واستحقاقاتها، فالصهاينة الذين أعلنوا إنشاء دولتهم بعد السيطرة على فلسطين ثم على أراض لبنانية وسورية وأردنية، يشبهون الدواعش» الذين حددوا خريطة دولتهم التي تطال ثلاث قارات… انطلاقاً من آسيا التي تضمّ «ولايات» العراق والشام والحجاز واليمن وخوراسان والأناضول وكردستان، ثم إلى القارة العجوز، حيث ولاية الأندلس وولاية أوروبا التي تضم دول البلقان وما حولها ودولاً من أوروبا الشرقية. ثم إلى القارة الأفريقية حيث ولايات أرض الحبشة وأرض الكنانة وولاية المغرب.
لكن يبقى السؤال أين قضية القدس والمقدسات من أجندة تلك التيارات المتطرفة؟ وما هو موقف تلك التيارات اليوم من الحاصل في المسجد الأقصى؟ ولماذا لا ترفع لواء الجهاد المقدس ضدّ «إسرائيل» ومن يساندها في العالم؟ ولماذا الساحات العربية والمواطنين العرب هم ضحايا تلك التنظيمات؟ ماذا ينتظر العرب بعدما هوجمت الكنائس وبعدما أحرق المسجد الأقصى وذبح المصلون فيه بدم بارد؟ ماذا بعد أن يقتل أهل القدس يومياً ويهجّروا ويشرّدوا وتصادر بيوتهم؟
باختصار، «داعش» ليس فقط شبيها لـ«اسرئيل» بل هو ابن شرعي لها فهو يمثل حالة من الفكر «العميل» في أهدافه وممارساته وفي كل منظوماته السياسية والإعلامية والسلوكية، وهي منظومات تندرج في إطار تدمير البنى القائمة التي تأسست عليها المجتمعات العربية على مدى مئات وربما آلاف السنين، كما انها تندرج في إطار الوكالات الحصرية والمقاولات السياسية لخلق كيانات سياسية مذهبية وطائفية وعرقية تخدم في المقام الأول الاستراتيجية الأميركية لإعادة ترتيب الإقليم على أُسس جديدة غير تلك الأُسس التي قامت عليها اتفاقيات سايكس – بيكو، كما تخدم بقاء «إسرائيل» واستمرار وجودها لأنّ تعظيم خطر «داعش» الآن وتقديمه كخطر مشترك يهدّد شعوب المنطقة له وظيفة أخرى هي صرف النظر عن خطر الاحتلال الاسرائيلي للإراضي الفلسطينية، ومواصلة التطهير العرقي وحربه المتنوعة والمركزة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.