نواقيس الفشل التركي في المنطقة

بسام رياحي

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على بداية الأزمة السورية وانطلاق العمل المسلح ضدّ الدولة لإسقاط النظام كهدف أول للقوى الإقليمية والدولية، تزداد الحاجة إلى التأكيد على عمق التحضير والتنسيق اللوجيستي والمخابراتي الحثيث الذي بذلته القوى المتورّطة في التآمر لتغيير معالم المنطقة، وفقاً لبرنامج «الشرق الأوسط الجديد» الذي أشارت إليه الإدارة الأميركية بمحافظيها الجدد في 2006.

لكن من ناحية أخرى تزداد عزلة «المعارضة» المسلحة، خاصة في الداخل السوري، هذه المعارضة التي قامت بتصفية مطالب السوريين في محاسبة تجاوزات بعض أطراف في الدولة وهياكلها المحلية في المناطق والمحافظات.

هنا يطرح السؤال: هل تخلى الداعمون عن هؤلاء؟ الجواب بدأ منذ مدة بعد تصنيف «النصرة» و«داعش» كمنظمات إرهابية وتشديد الرقابة المالية على حساباتها البنكية وعلى رموزها في الخارج، بعد ضخّ التمويلات منذ بداية الأزمة السورية، والتي تعدّت الـ300 مليون دولار لـ«النصرة» فقط حسب «نيويورك تايمز».

التحرك لضرب «داعش» دولياً رسالة كانت واضحة، من جهة اكتفاء الحلف بدور هؤلاء الذي لم يؤدّ إلى مكاسب سياسية ترابية وعسكرية ضدّ دمشق وحلف المقاومة، وجزئية دقيقة أخرى هي خنق حزب الله على طول منطقة البقاع إلى الشمال.

الغرب انتحر سياسياً بعد مؤتمر جنيف الذي لم يؤدّ إلى قلب النظام السوري، ولا إلى تغيير خارطة المعارك التي كانت تسير بخطى حثيثة، خاصة في ريف دمشق ضمن عملية «درع العاصمة» التي لم تتوقف رغم عملية كاريكاتورية هي «السلاح الكيميائي».

ومن جهة أخرى فطن الحلف إلى الضرر الذي قد تلعبه مثل هذه التنظيمات على المجتمعات الغربية عموماً والأوروبية الأمريكية خصوصاً بعدما فطنت أجهزة المخابرات إلى انخراط واسع للشباب في صفوف التنظيمات الإرهابية، هذا لا يعني عدم معرفة هذه الأجهزة بتحرك تلك الخلايا في أوروبا والولايات المتحدة، لكن المغزى واضح، وهو ضخ مثل هذه الأجسام السامة في جسد الدولة السورية لإرباكها وإنهاكها وتركيعها، ولعلنا نتذكر كيف جنّدت «السي أي أيه» مرتزقة «بلاك ووتر» لإرباك أنظمة أميركا اللاتينية، وتعاونت مع تجار المخدرات على حدودها الجنوبية لخلق طبقة من المدمنين المستسلمين حتى تكرّس شركاتها الكاسحة للحدود استعمارها الزراعي وفكرة «جمهوريات الموز» الرخوة…

هذه المقاربة الجديدة تورّط الأتراك أكثر من أيّ طرف آخر، على اعتبار الرهان التركي منذ بداية الأزمة في الكسب الإقليمي ربما الترابي وخاصة السياسي على حساب الشعب السوري، أولاً قيادته ثمّ القوى الداعمة لها خاصة حزب الله كمنظومة سياسية عسكرية إقليمية، وإيران الدولة التي تؤرق الغرب و«إسرائيل» من خلال برنامجها النووي المتقدم.

وربما نقول إنّ المعركة التي تدور رحاها في سورية هي معركة إيران استراتيجياً، إذا ما لاحظنا أنّ حدود التأثير الجيوسياسي لإيران هو بالضبط قلب دمشق كظهير قوي تاريخياً وواقعياً ضدّ مشروع «دولة إسرائيل الكبرى» وبدايتها، أو بالأحرى قناعها «شرق أوسط جديد» لطيف مسالم لا توجد فيه أعراض صحوة قومية ولا يسارية ولا ثورية، هي بالضبط نظم بوليسية عصاها على الداخل، معاشية مستقيلة ومستسلمة… هذه الوضعية مع المعركة التي تصير في الشمال السوري «عين العرب» والتي أراد من خلالها الأتراك ولا يزالون الدفع نحو حرب إقليمية ستحدّد مستقبل الأزمة والمنطقة عموماً إذا ما حصلت، هنا يكون الأمر مثيراً بالنسبة إلى «الإسرائيليين» الذي سيعملون عندها على إطالة أمد الحرب بقنوات مخابراتية وجسور جوية، وأحياناً غارات للطيران لإرباك الجبهة مثل «عملية الكراكة» لدعم الجماعات الإرهابية في ريف دمشق، هذا لا يعني عدم جهوزية السوريين واستنفارهم، فالكلّ يعلم أنّ هناك ترسانة صاروخية مشفرة إلى الآن تتحرك قواعدها بعيداً من أنظار الجواسيس والأقمار الاصطناعية وألويـة قتاليـة متأهبـة على غـرار الذخـر الاستراتيجي من الفرقة الرابعة واللواء 90…

ضاق الحلف ذرعاً بمعارضة مخبرية مصنوعة، وكلفته موازنات مالية باهظة تؤكدها خاصة أرقام البنتاغون الرسمية الواردة في صحف إلكترونية، وأدّت إلى فشل أمام حنكة السوريين العسكرية وخبرتهم على الأرض رغم جسامة التضحيات، وبلاعب إقليمي فاشل وأناني شعبوي كأردوغان.

هناك قنوات خلفية الآن يسعى من ورائها الغرب للقاء بالسوريين، وستزداد من ورائها عزلـة الأتراك وسيتأكد نجاح خيارات دمشق وهدوئها السياسي وثباتها العسكري…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى