«الجيوبوليتيك» جغرافية السياسة أم استراتيجية الساسة
إعداد لورا محمود
«لا بد أن يفكر رجل الشارع جغرافياً وأن يفكر الساسة جيوبوليتيكياً».
شعار رفعه الكثير من الجغرافيين في فترة شهدت انهيارات لكبرى دول العالم، فما هو مفهوم الجيوبوليتيك؟ ما هي نظرياته؟ وما أهمية الجغرافية في الحروب؟ وما معنى مصطلح الجيوبوليتيك المتداول اليوم كمخطط لاستراتيجات دول تريد السيطرة على الجغرافية والثروات.
مفهوم
الجيوبوليتيك«Geopolitics» هو علم دراسة تأثير الأرض برها وبحرها وثرواتها وموقعها على السياسة في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات، أي السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه، إذ أن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعباً فعّالاً في أوسع مساحة ممكنة من الكرة الأرضية.
النشأة
الانطلاقة الحقيقية لهذا العلم تعود إلى الألماني «فردريك راتزل» 1844-1904 وهو أول مؤلف في الجيوبوليتيكا لكتاب يحمل عنوان «الجغرافيا السياسية» في عام 1897 أما «هاوسهوفر» 1869-1946 كان أكثر المهتمين بهذا العلم وقد شهد القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين تطوراً كبيراً لهذا العلم سواء على المستوى النظري أوعلى مستوى تأثيره في صياغة التوجهات الاستراتيجية الكبرى للدول، وصعِدت الجيوبوليتيك إلى مصاف العلوم الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا صار يُنظر إلى الجيوبوليتيك على أنه مثال للتوظيف الخاطئ للجغرافيا في السياسة، وبلغ هذا الإشكال مبلغاً كبيراً عندما أخذ ينظر إليه باعتباره علما زائفا وحاملا لأيديولوجيا عدائية فقامت معظم الدول بمنع تدريس الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك في جامعاتها باعتبارهما علمين مشبوهين يسعيان إلى تكريس الأطماع القومية، واستمر الحال على هذا المنوال حتى تسعينات القرن الماضي عندما لاحت مؤشرات الانهيار الكبير للدولة «السوبر عملاقة» الاتحاد السوفياتي لنعود ونشهد الولادة الجديدة لمقولات الجيوبوليتيك، ذلك أنّ انهيار كلّ المحددات الأيديولوجية والسياسية التي قام على أساسها النظام العالمي ثنائي القطبية بعد الحرب العالمية الثانية، دفع الباحثين في محاولاتهم تلمّس شكل النظام الجديد المرتقب إلى أكثر العوامل ثباتاً وديمومةً في صنع الكتل السياسية الكبرى، ألا وهي الجغرافيا، فعادت إلى الظهور مقولات الجيوبوليتيكا وظهرت في المكتبات مؤلفات كلاسيكية ودراسات حديثة تسعى إلى قراءة التحولات الكونية الكبرى من منظور جيوبوليتكي.
مدارس الجيوبولتيك نظريه القوة البرية
من روادها فرديك راتزل 1844 1904: يعد فرديك راتزل 1844 1904 أول من درس وعالج المكان والموقع معالجة منسقة، ووازن بين الدول وأكد على وجود روابط قوية بين القوى القارية والقوى السياسية، ورأى أن هناك سبع قوانين للتوسع الاقليمي، واكد أنّ تاريخ العالم ستتحكم فيه الدول الكبيرة المساحه كروسيا في أوراسيا والولايات المتحدة في أميركا الشمالية.
نظرية القوة البحرية
قد ظهر مفهوم القوى البحرية في مجال السياسة الجغرافية منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث تصاعد دور الولايات المتحدة الأميركية في السياسات الدولية ويقف القائد البحري الأميركي الفريد ماهان بمقدمة رواد القوة البحرية.
وتقول هذه النظرية أنه لا بدّ من التمييز بين القوة البحرية والقدرة البحرية فالقوة البحرية تعني القوة المقاتلة والمسحلة بالأسلحة البحرية الرئيسية التي بمقدورها إنجاز العمليات المستقلة أو المشتركة التي تساهم فيها صنوف أخرى من القوات المسلحة كالقوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البرية أما القدرة البحرية فتعني القوات البحرية مضافاً إليها جميع السفن التجارية وتسهيلاتها البحرية كالموانئ البحرية ومنشأتها الأخرى.
نظرية القوة الجوية
كان لظهور عصر الطيران والفضاء دور بارز في تشكيل مفاهيم جديدة في جغرافية العلاقات الدولية فقد أشار «ماكلش» في مقال نشره عام 1942 بعنوان «أتوقع النصر» إلى أنه بمقدور الطائرات أن تغيّر جغرافية العالم، وأشار إلى الدور الذي تلعبه القوة الجوية في إحراز النصر، وقد رأى الطيار الروسي «الكسندروي سفرسكي» الذي رسم خريطة للعالم بمسقط قطبي للمسافات والانحرافات الصحيحة أنّ النصف الغربي للعالم يقع في جنوب القطب بينما يقع النصف الشرقي أوراسيا ـ أفريقيا في شمال نقطة القطب، وهذا يعني تقسيم العالم إلى عالم قديم وعالم جديد وقد عُدّت أميركا اللاتينية مصدراً للخامات الأميركية، وهي في الوقت ذاته منطقة السيادة الجوية للولايات المتحدة الأميركية، أما السيادة بالنسبة للسوفيات فتمتد جنوب أسبانيا وجنوبها الشرقي وأفريقيا جنوب الصحراء أيّ أنّ هذه هي المناطق التي يمكن أن تصل إليها السيطرة الجوية من العملاقين.
وأعتبر سفرسكي منطقة تداخل السيادة الجوية لكلّ من أميركا الشمالية والاتحاد السوفياتي هي منطقة المصير وتمثل مناطق التداخل الجوي الأنجلو أميركي منطقة القلب في أوارسيا وأوروبا البحرية شمال أفريقيا والشرق الأوسط العالم العربي .
فترة الحروب وأهمية الرقعة الجغرافية
ولاتساع الرقعة الجغرافية للدولة أهمية خاصة في فترات الحرب وهي ما أطلق عليها علماء الجيوبولوتيكا الألمان اسم «الدفاع في العمق» Defence in Depth فقد انهارت الدول ذات المساحة الصغيرة أمام الدول الكبيرة في الحرب العالمية الثانية فقد استسلم الجيش الهولندي أمام الجيش الألماني بعد أربعة أيام من بدء الهجوم عليه.
في حين صمد الروس الذين استندوا إلى عمق استراتيجي كبير شهوراً طويلة أمام جيش هتلر ولنفس السبب أيضاً وفي ظلّ التطور التقني الضخم الذي شهده العالم فقد أدرك العلماء أنّ حجم الدول ومساحتها لم يعد يقاس فقط بالكيلومترات المربعة، أو الأميال المربعة بل إنه أصبح بالإمكان قياس حجم الدول في الوقت المستغرق في قطع المسافة بين أطراف الدولة والتكاليف والجهد المبذول في قطع تلك المسافات.
الحدود الحدود البشرية
أي من صنع الانسان، وهي تلعب دوراً إيجابياً أو سلبياً في عملية الدفاع كتلك القرى التي تصل بين سورية ولبنان مثلاً أو تلك التي فصلت بين الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، فالحدود البشرية الممثلة بمجموعات تقف حاجزاً أمام الجيوش الغازية في تسهيل عمليات الدفاع عنها للجيش المتحصّن لما تشكله المراكز والتجمّعات العمرانية من عوائق في وجه حركة الجيوش.
الحدود السياسية
بنظر «فردريك راتزل» الحدود والتخوم السياسية هي مرآة قوة الدولة أو ضعفها وتختلف الحدود عن التخوم في أنّ الأخيرة هي عبارة عن مناطق جغرافية واسعة تفصل بين الوحدات السياسية وتفصل بين الدول الحديثة، وهي لا زالت أيضاً تفصل بين العشائر والقبائل البدوية، بينما تمتاز الحدود في أنها خطوط محددة ودقيقة تفصل بين الدول على الخريطة…
المناخ
يذكر أنّ للمناخ والمياه أهمية كبيرة كعناصر للجغرافيا السياسية، فالجيوش تهتم كثيراً بالظروف المناخية المتوقعة أثناء سير العمليات العسكرية، وكذلك حالة الطقس، فالشروط المناخية تدخل تغيّرات تؤدّي إلى تأجيل تنفيذ أو إلغاء العمليات التكتيكية التي تمهّد لتطبيق الخطط الجيوستراتيجية على المجال العملياتي إن كان عسكرياً أو اقتصادياً أو لأغراض الإدارة المدنية كإدارة الأراضي وغيرها، فالثلوج تمنع الاستخدام الجيد والمتناغم لسلاح الطيران، وأيضاً العواصف الرملية، وكثيرة هي الأمثلة في تاريخ الحروب العالمية والإقليمية التي كان المناخ أو الطقس سبباً في تأخيرها، فقد أخرت الولايات المتحدة هجومها على الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية عام 1991حتى منتصف شهر شباط، حيث تنخفض درجات الحرارة ويصبح الطقس أكثر ملاءمة للقيام بالعمليات العسكرية.
المياه
ومن خلال البحار تستطيع الجيوش الوصول إلى مواقع بعيدة عن أراضيها وتكتسب البحار التي لا تتجمّد أهمية أكبر بكثير من البحار التي تتجمّد، وكذلك تكتسب البحار الواسعة أهمية استراتيجية أكبر من البحار الضيقة، والعميقة أكثر من البحار الضحلة، وكذلك هناك أهمية بالنسبة للموقع النسبي للبحر بين الدول وكذلك هناك أهمية لطول السواحل البحرية ولطبيعتها، وهناك أهمية للمياه من ناحية اقتصادية من حيث توافر المياه من عدمه، ومشكلة الأمن المائي تدرس في نقطة الاقتصاد.
مع هذه الانهيارات والتغيّرات تغيّرت نظريات وأساليب دراسة الجيوبولتيك وأصبحت الساحة الدولية مليئة بالعديد من النماذج العملية والواقعية عن المشكلات الخاصة بالحدود والأراضي المتنازع عليها، واليوم عندما نتحدث عن الجغرافية السياسية الجيوبوليتيك لا بدّ أن نسأل لماذا بدأت هذه الكلمة بالتداول في الفترة الأخيرة؟ ولا سيما في أوائل الأزمة السورية إلى الآن، هل لأهمية سورية الجغرافية؟ أم أهمية موارد الطاقة فيها؟ وخاصة الغاز الوقود الأساسي للقرن الواحد والعشرين وطبعاً الإجابة للسببين معاً.