قراءة في قصائد خالد خشّان… تناوب بين الحب والموت

كتب قيس المولى: وفّرت لي المجموعة الشعرية الجديدة «رجل نسي الطمأنينةَ على سريره» للشاعر خالد خشان، مجموعة من الأفكار عبر عالمه المتناوب بين الحب والموت، وهو يرسل إرسالياته عبر ما يؤسس من انشغالات قائمة على فحوى الوجود واقترانية التراسل بين تتابع موجوداته وحريته التي يريدها أن تكون حرية مكتملة الجنس والنوع. وهمه هنا اعتقاده بأن البعد الأبصاري يرى هذه المرة ما كان غائباً في لاوعيه الاستثنائي، وأن الاقتران السمعي يعيد من جديد تذكر وإعادة تدوين الحكايا المجهولة، كذلك الحكايا المرئية التي تُشتق منها قوالب الرثاء. وليس هناك من شكٍ في أن الأشياء المفترضة تحللت بفعل الوقائع، وأصبحت رؤيا الشاعر موروثات جديدة كأسفارٍ للتبشير بالخلاص، ما يعني أن قوى غيبية متحركة تهبط في هذا النص وتأتي برسائلها وشيفراتها لذلك النص الآخر، فيستمد الخشان قدرات إضافية من ذلك السحر المجهول وهو في هذا المسار الكونيّ لا يرى من حاجاته العديدة والمتنوعة إلاّ تلك المقاربة التي تشعره بقابليته السردية لتنظيم دخوله الأشياء المتقدمة في الوجود. وتلك الأشياء تحمل معنيين مزدوجين، فبعضها يحمل معنى الأشياء المعرفة والبعض الآخر لا يزال يحمل صفة الأشياء غير المعرفة والتي يصعب تجاوز عدم معرفتها. وبذلك فإن الوهج الشعري يحصل على صوره الشعرية بجهد الإغراق النفسي وضمن مزدوجات تأملية متنوعةٍ لكشوف الموجودات التي تعني أن ثمّة قدرة للحصول على صورة الشيء من مصادر مختلفة، شرط أن تكون بإرادة من الكشف الباطني.

يقدم خالد خشان عبر مجموعته الجديدة نقلة سمعية صورية لتقليب الإدراك الواعي والانتقال الى الإدراك غير المحسوس، فالأفكار لدى الشاعر هنا ظواهر للشعور وهي تغيير في الكيفية، أي صيرورة الشيء لشيء آخر. وفي معنى أدق، الغرض المركزي والتبدل في أغراضه وكيفية التكيف والإستمرارية مع هذا التبدل بمفهوم أرسطو. لذلك تجد أن هناك في نصوص خالد خشان أشياء قائمة بذاتها ولها فعل قائم بذاته يسمى في عالم الفلسفة Alteration وهي عملية تسمح للانتقال من الأثر للمؤثر، وتلك الانتقالات تشمل طبيعة اللغة وفرعيات الصور الشعرية وارتباطها بعضها ببعضها الآخر عضوياً وضرورياً، وأهمية هذا الإرتباط من أهمية قيمتها ضمن مناخات النصوص، ما يحفز الشاعر على الإفادة من الوصلات اللاشعورية في العقل الباطن، ممسكاً بعمليتي التثبيت والتجاوز.

التثبيت هنا يعني حالة المزاوجة بين تعدد الأغراض بغرض واحدٍ، وتجاوز المألوف الفجائي أي ذاك الذي يظهر فجأة من دون أن يستوفي أحجامه القيمية رغم قدراته الحركية في مسار النص، وتلك القدرة لدى الشاعر تعني أن مخيلته تنمو مع دفقاته الاسترسالية في نشوة غير مُقدرة وتسام مشترك بين المطلق واللامطلق، ويرتقي هذا السلوك الشعري للمفهوم الفلسفي المعروف بـ»الإستغراق» عندما يكون هدف الشاعر موضوعاً خالصاً بعينه وعاش مؤثراته في يقظته وحلمه فيبدو كأنه الشاعر يكتب نصوصه ويعيش استغراقه ضمن الحقيقة الكونية وأفعالها على الأرض، وضمن الكونية الوهمية التي تعني أن لا طريق إلى سعادة حقيقية، لذا أخذ الشاعر خالد خشان طريقه أو بالأحرى أسلوبه للتعبير عن المعاني غير المتصورة ليكمل ما تم تصوّره، ورغم روعتها أي روعة تلك المعاني وجمالها إن أوحت بالمفرح أم بالحزين، لا يزال يرى من منظاره الشعري أن الأشياء في الكون غير مكتملة، ويشير شعرياً إلى أن الحاجة عميقة والرؤيا مُعتمة، ولا أشياء تقديرية لشيء وأنه غير معنّي بالأمور السطحية والتافهة وجهده الوصول الى المقدس والى ظلام الأسرار، مقدماً نموذجه المغري بالإمتاع والإفادة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى