من رأس العين إلى عين العرب

د. هدى رزق

اعتقد أكراد سورية أنهم أصبحوا أمام فرصة نادرة من أجل تحقيق تطلعاتهم القومية، فقاموا بإدارة مناطقهم ذاتياً بعد انسحاب الجيش السوري منها، لكنهم ارتابوا من ردّ الفعل التركي. إذ إنّ تركيا لا تؤمن لفكرة حكم محلي كردي. وهي تعتبر نفسها المتضرّر الأكبر من أية خطوة استقلالية يمكنهم القيام بها، الأمر الذي سيؤثر بشكل أو بآخر في أكراد تركيا، الذين سيطالبون بدورهم بحكم ذاتي.

وعليه عملت على توسيع الهوة بين أطراف المكوّن الكردي، واللعب على الخلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعود مرجعيته السياسية إلى حزب العمال الكردستاني، وأحزاب المجلس الوطني الكردستاني الذي يتخذ من أربيل مرجعية سياسية له. ولا يخفى أنّ الانقسام الكردي في سورية يرتبط بهذين الحزبين قبل أن يتشكل حزب الاتحاد الديمقراطي. حاول البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق استيعاب الانقسام بين الأكراد. ورعى العديد من الاجتماعات بين أحزاب المجلس الوطني الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي التي أسفرت عن تشكيل الهيئة الكردية العليا المنوط بها الإدارة المشتركة للمناطق الكردية، وقام باستقبال اللاجئين الأكراد السوريين. نالت خطواته هذه مباركة تركية من أجل احتواء حزب الاتحاد الديمقراطي ودفع الأكراد للقتال ضدّ النظام.

أكراد سورية ومعركة رأس العين سري كانيه

طرح أكراد سورية تساؤلات حول مستقبل الدولة، وبالتالي حول مستقبلهم في ظلّ حشد المعارضة السورية لقواتها من أجل السيطرة بالقوة على مدينة «رأس العين» وباقي المناطق الكردية. حاولت كتائب من «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» – التي لا تؤمن بحقوق الأقليات والطوائف وبالتالي لا تعترف بحقوقهم – السيطرة على مدينة «رأس العين»، ما أدّى إلى مواجهات دموية بين الجانبين. يعتقد «الجيش الحر» بأنّ النظام السوري يستخدم ورقة حزب الاتحاد الديمقراطي في وجه تركيا وينقل القضية الكردية إلى حدودها. فالمناطق الكردية تكتسب بالنسبة إلى «الجيش الحر» و«النصرة» أهمية خاصة نظراً إلى استحواذها على ثروات استراتيجية مثل النفط والغاز والقطن، ما يجعلها منطقة تمويل ذاتي بالنسبة إلى هذه المجموعات. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يسيطر على معظم المناطق ذات الغالبية الكردية الممتدّة من عفرين شمالاً إلى نهر دجلة في أقصى الشرق، وقام بتشكيل جيش كردي موحد في المناطق التي تسيطر عليها اللجان الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وحقق من وراء المعركة مع «الجيش الحر» و«النصرة» المزيد من الشرعية في الشارع الكردي. بعد المواجهات العسكرية على الأرض في مدينة رأس العين سري كانيه .

لم يتوصل المجلس الوطني الذي تدخل بين حزب الاتحاد الديمقراطي و«الجيش الحر» سوى إلى اتفاقية للتهدئة لم تدم طويلاً في ظلّ تعثر انضمام المجلس الوطني الكردي إلى «الائتلاف الوطني السوري»، فقد استمر الصدام من أجل السيطرة على مدينة القامشلي الاستراتيجية واستمرت المواجهات. حاولت كتائب «الحر» و«النصرة» القضاء على البنية التنظيمية الكردية، ما جعل الأكراد ينتهجون سياسة براغماتية توازن بين المعارضة والنظام من أجل المصلحة القومية الكردية. وكشفت المعارك في منطقة رأس العين في محافظة الحسكة مدى البراغماتية التركية التي دعمت «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» بالمال والسلاح، بعدما ألحقوا الضربات بـ»الجيش الحر» المدعوم أيضاً من تركيا، التي لا تريد خسارة أي فريق تمكنه المساهمة في هدف إسقاط النظام.

الأكراد ومعركة عين العرب كوباني

اختلفت ظروف ومعطيات معركة عين العرب كوباني التي تتوسط محافظة الحسكة بمدنها القامشلي ورأس العين وعاموده ودرباسيه في الشرق، ومنطقة عفرين في الغرب. إن معركة كوباني تعني أولاً فصل المناطق الكردية السورية عن بعضها جغرافياً بشكل نهائي، ثانياً السيطرة على منطقة جغرافية كبيرة، تمتدّ من مدينة منبج في ريف حلب على الحدود السورية ـ التركية شمالاً إلى مشارف بغداد، ثالثاً استقطاب «داعش» وضمه لمزيد من المقاتلين الآتين عبر الحدود. رابعاً استغلال العامل الاقتصادي الذي يمكن أن يؤمّنه التحكم بطرق التجارة عبر الحدود.

لم تحرك تركيا ساكناً، إنما قدمت فقط مساعدة على المستوى الإنساني عبر استقبال آلاف النازحين، إذ بلغ عددهم قرابة 200 ألف، واعتبرت أنّ المعركة هي بين تنظيمين إرهابيين. لكن تغيير الأميركيين لسياستهم تجاه الأكراد كان مفاجئاً لها، صحيح أنه أتى بسبب الحرب ضدّ «داعش»، لكنه غيّر المعادلات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى