«هآرتس»: هل أعطى ترامب الضوء الأخضر لابن سلمان بانتهاك حقوق الإنسان؟

في ظلّ تنامي المخاوف بشأن مصير المعارض السعودي جمال خاشقجي، الذي تعتقد السلطات التركية أنه قُتل داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول الأسبوع الماضي، يحذر خبراء من أنّ التزام البيت الأبيض بالصمت قد يكون جزءاً من المشكلة.

الإدارة الأميركية.. أذنٌ من طين!

نشرت صحيفة «هآرتس» تقريراً يتناول ردّ الفعل الأميركي إزاء حكومة المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها أخذت الضوء الأخضر من ترامب لفعل ما تشاء، لا سيما في ظلّ صفو في العلاقة بين الحكومتين بعكس ما كان عليه الوضع أثناء فترة رئاسة أوباما.

يذكر التقرير أنّ مسؤولين أميركيين سابقين يعتقدون أنّ سياسة إدارة ترامب الودودة تجاه المملكة العربية السعودية قد دفعت قادة المملكة للاعتقاد أنهم بمنأى عن تحمّل عواقب تصرفاتهم، وذلك في ظلّ تنامي المخاوف التي تلت الاختفاء الغامض للصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا الأسبوع الماضي، وسط أنباء بمقتله أثناء زيارته لقنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول. بينما لم يعلق البيت الأبيض حتى هذه اللحظة علناً على الواقعة.

وحسب ما جاء في تقرير «هآرتس»، دخل خاشقجي المعارض السعودي المعروف بانتقاده لنظام بلاده، مقرّ القنصلية يوم الثلاثاء الماضي لإتمام بعض الوثائق الشخصية المتعلقة بطلاقه، إلا أنه لم يخرج بعدها من مبنى القنصلية، فيما صرحت السلطات التركية لوسائل الإعلام عن شكوكها حول مقتله داخل المجمع الدبلوماسي، ومن ثم قُطّع جثمانه ثم أُخرج قطعاً من المبنى. وفي حين أنكرت المملكة العربية السعودية تلك التقارير، لم تقدّم أيّ أدلة تدحضها.

بذلت إدارة ترامب جهوداً حثيثة لتحسين علاقات الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، والتي شهدت توترات على أصعدة مختلفة خلال فترة رئاسة الرئيس باراك أوباما، جدير بالذكر أنّ دونالد ترامب اختار المملكة العربية السعودية لتكون أوّل بلد يزوره رسمياً بصفته رئيساً للبلاد، في مايو أيار من العام الماضي، بينما ساندت القيادة السعودية بشدة قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

وكذلك تطوّرت علاقة وثيقة أيضاً بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وجاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه، ووفقاً للصحافي بوب وودورد حسب ما أورد في كتابه الأخير «الخوف»، فإنّ كوشنر قد دفع الإدارة الأميركية للوقوف إلى جانب ولي العهد في الصراع الداخلي على السلطة في المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من ذلك، يعتقد المسؤولون الأميركيون السابقون أنّ احتضان ترامب وكوشنر لقيادة المملكة العربية السعودية قاد ولي العهد محمد بن سلمان للاعتقاد أنه مُحصّن ضدّ الضغط والنقد الأميركيين.

قال آرون ديفيد ميلر المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط، والذي عمل مع الجمهوريين والديمقراطيين، في تغريدة له عبر حسابه على موقع تويتر «إذا كان السعوديون متورّطون في مقتل أو اختفاء جمال، ليتحمّلوا ذلك بكلّ وضوح». وأضاف «ولكن في ظلّ الإخفاق في انتقاد محمد بن سلمان بشأن أيّ شيء، وخاصةً القمع الداخلي، فقد شجّعته إدارة ترامب، وأكسبته ذلك الشعور بأنه يستطيع فعل ما يحلو له».

يشير قول ميلر «بشأن أيّ شيء» إلى سلسلة الإجراءات التي اتخذها ولي العهد خلال الفترة الماضية لقمع أيّ معارضة لنظامه، إذ احتجز خلال العام الماضي مئات من رجال أعمال ومسؤولين سعوديين سابقين دون أيّ إجراء قضائي، أو قانوني، فضلاً عن قبض حكومته على الناشطين في مجال حقوق المرأة ومكافحة الفساد، وحبسهم بتهم التآمر لقلب نظام الحكم.

علاوة على ذلك، كثف ولي العهد السعودي أيضاً حربه على إيران و وكلائها في اليمن الحرب التي تحوّلت إلى كارثة إنسانية حادة، واحتجز السعوديون أيضاً رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذُكر أنهم أوقفوه رغماً عن إرادته، وأجبروه على تقديم استقالته من رئاسة الوزراء، وهو القرار الذي تراجع عنه لدى عودته إلى بيروت.

إدارة ترامب أعطت

إشارة البدء لانتهاك الحريات

وحسب ما تناولته وكالات الأنباء منذ تولي ترامب الرئاسة، لم تنتقد إدارة ترامب المملكة العربية السعودية أو حتى وجهت لها تحذيراً مبطناً بشأن أيّ من تلك السياسات، بل إنها في حقيقة الأمر تدعم وتشجع بعضها بحيوية، فعلى سبيل المثال، عندما اعتقلت القيادة السعودية مئات المنافسين السياسيين، واحتجزتهم في سجن جماعي مؤقت داخل أحد الفنادق، خرج علينا ترامب مغرّداً «لديّ ثقة بالغة في ملك المملكة العربية السعودية، الملك سلمان وولي عهده، إنهم يعلمون جيداً ما الذي يفعلونه. بعض هؤلاء الذين يعاملونهم بغلاظة، كانوا يحلبون بلادهم لسنوات».

يقول كاتب التقرير إن الرياض تلقت تلك الرسالة بترحابٍ، إذ صرّحت تمارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، والزميلة البارزة حالياً في معهد بروكينغز بواشنطن، لصحيفة هآرتس أنّ «إدارة ترامب أوضحت في وقت مبكر أنها لا تهتمّ كثيراً بمسألة حماية حقوق الإنسان، إلا عندما يتعلق الأمر بحقوق الأقليات المسيحية».

وأضافت أنّ ترامب «قال بشكل صريح جداً، إنه غير مهتمّ بإخبار الدول الأخرى كيف عليها أن تدير حكوماتها. فهل يمكن اعتبار ذلك ضوء أخضر لارتكاب أعمال قمعية؟ بالطبع نعم، خاصةً عند مقارنة ذلك بسياسات الرؤساء الأميركيين السابقين كافة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية».

كتب مارك لينش مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، على حسابه في موقع تويتر مشككاً في إقدام الولايات المتحدة على أيّ إجراء تجاه السعودية إذا تأكد ضلوعها في مقتل خاشقجي، إذ كتب: «لطالما اعتقلت المملكة العربية السعودية المنتقدين والناشطين بكلّ عدائية سوف أُفاجأ إنْ أقدمت الولايات المتحدة على فعل أيّ شيء إذا ما تأكد مقتل خاشقجي. فهي لم تتطرّق للقمع السعودي قولاً أو فعلاً لسنوات، أما فريق ترامب المهووس بإيران، لا يهتمّ بمسألة حقوق الإنسان».

تباين في ردّ الفعل يفقد المصداقية

يذكر تقرير «هآرتس» أنّ كوفمان ويتس أيضاً أشارت إلى التباين الصارخ بين ردّ فعل الإدارة الأميركية تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وبين الانتهاكات في المملكة العربية السعودية، وقد حذرت أيضاً من أنّ هذه السياسة تقوض مصداقية الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

أضافت كوفمان ويتس: «إذا ما أظهرنا تبايناً انتقائياً في ما يتعلق بمخاوفنا تجاه حقوق الإنسان، لن يأخذ العالم انتقاداتنا على محمل الجدّ»، فعلى سبيل المثال، هاجمت إدارة ترامب إيران بسبب إسكات أصوات المنتقدين والمعارضين لنظام الجمهورية الإسلامية، لكنها لم تفعل الأمر نفسه عندما اعتقلت المملكة العربية السعودية الناشطين.

صرحت كوفمان ويتس قائلة «لن يتطابق موقف أيّ دولة بشكل كامل تجاه انتهاك حقوق الإنسان في أيّ مكان في العالم طوال الوقت.. ولكن في حالة المملكة العربية السعودية وإيران، فإنّ الفجوة بين موقف الإدارة الأميركية في الحالتين صارخة».

ووفق ما ذكره تقرير «هآرتس»، أكدت كوفمان على أنّ ذلك سيعمل على تقويض النهج الأميركي لحماية حقوق الإنسان بأسره، وذلك من خلال جعل المسألة تبدو كأنها أداة سياسية تستخدمها أميركا لمحاربة خصومها.

ردود فعل غير رسمية قلقة

يشير الكاتب إلى أنّ في مقابل صمت الإدارة الأميركية، رأب أعضاء الكونغرس البارزين من كلا الجانبين تلك الفجوة من خلال التعبير عن قلقهم حيال ما تقوم به المملكة العربية السعودية.

قال السيناتور ماركو روبيو ـ من الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا ـ في تغريدة له عبر حسابه على موقع تويتر يوم الأحد، «أدعو الله أن يكون الصحافي السعودي جمال خاشقجي على قيد الحياة. ولكن إذا تسنّى التأكد من صحة تلك التقارير الإخبارية المقلقة، لا بدّ من ردّ فعل قوي للولايات المتحدة والعالم المتحضّر، وسوف أراجع كافة الخيارات المطروحة في مجلس الشيوخ»، بينما جاء ردّ السيناتور كريس ميرفي – من الحزب الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت – بأنه يتفق مع السيناتور روبيو، وأنه على أتمّ الاستعداد للتعاون معه في هذا الصدد.

المعلومات والخصوصية لإعلانات تويتر

ويضيف التقرير بعض ردود الفعل الأخرى، إذ كتب النائب آدم شيف – من الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا – وهو ديمقراطي بارز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، «لا بدّ أن نطالب الحكومة السعودية بتفسيرات عاجلة». بينما أضاف النائب تيد دوتش – من الحزب الديمقراطي عن ولاية فلوريدا، وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب – قائلاً «أُطالب وزارة الخارجية بمناقشة تلك التقارير الصادمة بشأن مقتل الصحافي والمقيم الأميركي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في اسطنبول بشكل فوري مع السعوديين».

ويختتم تقرير «هآرتس» بالتعبير عن قلقه، إذ ما زال غير واضحاً حتى مساء يوم الأحد ما إنْ قامت الإدارة الأميركية بهذه الخطوة أم لا، حتى من خلال القنوات الدبلوماسية السرية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى