مشروع أميركي لخصخصة حرب أفغانستان؟
د. عصام نعمان
الحرب ظاهرة بشرية قديمة. البشر، أفراداً وجماعات، تحاربوا منذ فجر التاريخ وما زالوا يتحاربون. الحروب جرت وتجري بين عصابات وقبائل وميليشيات وجيوش نظامية تابعة لدول. يبدو أنّ البشرية مقبلة على اختبار أدوات جديدة للحرب هي الشركات الأمنية التابعة للقطاع الخاص!
الشركة الأمنية بما هي تنظيم خاص يتولّى حماية أشخاص ومؤسسات ليست ظاهرة جديدة. لكن الجديد اليوم هو تغيير ثوري في وظيفة الشركة الأمنية لجعلها تنظيماً قادراً على خوض الحروب كبديل من الجيش النظامي التقليدي. ثمة دعوة تتحوّل بوتيرة متسارعة إلى مشروع لخصخصة Privitization الحرب بجعلها «مهنة» ونشاطاً للقطاع الخاص.
أولى الخطوات في هذا السبيل إنشاء شركات خاصة تكون بتكوينها ووسائل عملها قادرة على القيام بما يقوم به الجيش النظامي إنما بكلفة اقتصادية أدنى. وربما، بعد تكريسها بقانون، تقوم الحكومات المعنية بوضع دفتر شروط لمواصفات ومتطلبات الحرب المراد خوضها وتطلب إلى الشركات الخاصة المختصة التنافس لتقديم العرض الأوفى فعاليةً والأدنى كلفةً كي يُصار الى إسناد العطاء او الإلتزام أيّ الحرب إليها!
ما سبق بيانه ليس فكرة من نسيج الخيال بل حقيقة ساطعة تجلّت وجرى اختبارها جزئياً في العراق العام 2007. ذلك انّ شركة بلاكووتر Blackwater الأمنية الأميركية جرى اعتمادها للتصدي للتنظيمات الشعبية المقاومة للإحتلال الأميركي، وكان أن تورّطت في ارتكاب مجازر فاضحة بحق المدنيين كما جاء في صحيفة «نيويورك تايمز» بعددها الأسبوعي تاريخ 6/7/2008.
في هذا الإطار، تتحدث الصحيفة ذاتها عن مشروع يسعى مؤسّس بلاكووتر، رجل الأعمال الأميركي اريك برنس، الى تسويقه في الولايات المتحدة وأفغانستان. يدّعي برنس أنّ مشروعه خيارٌ وسطي أدنى كلفةً بالمقارنة بين خيار الاستمرار في اعتماد استراتيجية عسكرية فاشلة تتطلب سنوياً ما يربو على عشرات بلايين الدولارات لتغطية نفقات قوة عسكرية أميركية وأطلسية ناهز عديدها الإجمالي 140,000 جندي في العام 2010 قبل خفضها لاحقاً الى 15000 جندي أميركي نظامي مدعومين بـِ 20000 مجنّد متعاقد مرتزق وبين خيار آخر أدنى كلفة قوامه 6000 من المجندين المتعاقدين المرتزقة مدعومين بوحدات قليلة من متقاعدي القوات الخاصة النظامية يُصار إلى دمجها في القوات الأفغانية للقيام بمهام التدريب والتوجيه لمدة ثلاث سنوات.
لتسويق مشروعه يقوم برنس بإجراء مقابلات مع أركان الدولة في أفغانستان يدّعي خلالها أنه أحد مستشاري الرئيس ترامب. لكن اتضح لاحقاً انّ مستشار الامن القومي السابق هربرت ماكماستر ووزير الدفاع الحالي جيمس ماتيس عارضا المشروع واقنعا ترامب بزيادة عديد القوات الأميركية في اأفغانستان. آمال برنس انتعشت اخيراً بعد استقالة ماكماستر وما يتردّد عن اعتزام ماتيس الاستقالة ايضاً قبل نهاية العام الحالي. فوق ذلك، يعتقد برنس انّ مشروعه سوف يُقبل ويُعتمد لسبب وجيه هو تزايد سخط الرأي العام الأميركي ومعارضته للحرب الأفغانية بعد تزايد عدد ضحاياها من الجنود الأميركيين النظاميين.
إذا صحّ أنّ حظوظ مشروع برنس إلى ارتفاع متوقع في الولايات المتحدة فإنّ حظوظه في أفغانستان ذاتها تبدو محدودة. ذلك انّ رئيس البلاد أشرف غني وأنصاره يعارضونه لسببين: توقيته السيّئ عشيةَ الانتخابات البرلمانية التي ستجري أواخرَ الشهر الحالي، وتقديرهم أنه يشكّل مادةً جيدة لحملة إعلامية مضادة تشنّها منظمة طالبان المتمرّدة التي تمكّنت مؤخراً من تحقيق مكاسب وازنة على الأرض.
الى ذلك كله، يطرح مشروع خصخصة الجيش النظامي والحرب أسئلةً حول مستقبل نظرية الخصخصة واحتمالات امتدادها الى حقول أخرى من القطاع العام وخدمات الدولة ومهامها المتعارف عليها. فالخصخصة باتت معتمدة على نحوٍ واسع ومتنامٍ في مرافق الكهرباء والماء والصحة والمصارف، وقد تمتدّ لاحقاً إلى الشركات النفطية، وربما تتمدّد أيضاً لتشمل جباية الضرائب والرسوم الحكومية والبلدية. ولعلّ أقطاب القطاع الخاص، بما يملكون من رؤوس أموال ونفوذ، قد تجمح بهم مطامحهم ومصالحهم إلى المطالبة بدور لهم ايّ للقطاع الخاص في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
كلّ هذه الظاهرات والتطوّرات المستجدة والمتوالدة تنعكس سلباً على الدولة، مفهوماً ومهامَ وأداء. ذلك انّ المجتمعات في دول الغرب الأوروبي والأميركي، ولا سيما في الولايات المتحدة، تعيش مخاضاً متفاقماً قوامه تصاعد حركة ومطالب وتأثير بعض الاثنيات والجماعات الدينية والعنصرية على نحوٍ يُضعف دور الدولة ومركزيتها في الحياة العامة.
في ضوء ذلك كله، لا غلوّ في القول إنّ إضعاف الدولة وبروز كيانات ذاتية الإدارة داخلها منافسة لها سيكون له تأثير في المخاض الأكبر الذي يلفّ العالم ويؤشر إلى ولادة نظام عالمي جديد…
وزير سابق