السيول ضربت مجدّداً في البقاع… الخسائر فادحة والإمكانيات محدودة والتقصير كبير…!
تحقيق ـ عبير حمدان
يتكرّر مشهد السيول في قرى البقاع حيث تغرق المنازل والمحال التجارية بالوحول والمياه وبدل أن يكون المطر باعثاً للخير يصبح نقمة على من ليس لهم حيل او قوة في ظلّ غياب خطة ناجعة للحؤول دون تفاقم الكارثة.
وبعيداً عن معاناة المزارعين والمواطنين اجتاحت السيول هذه المرة طوارئ مستشفى رياق وثانوية علي النهري الرسمية مخلفة أضراراً كبيرة ومهدّدة العام الدراسي إن لم تتمّ معالجة الأمر بشكل جذري وسريع، مع الإشارة إلى أنّ الهيئة العليا للإغاثة لم تعاين الأضرار حتى تاريخ كتابة هذا التحقيق.
في بلدة اللبوة كان الدفاع المدني حاضراً بالإضافة إلى نواب المنطقة، وفي ثانوية علي النهري فقد جهدت البلدية لسحب المياه وإزالة الوحول بالتعاون مع الهيئة الإدارية للثانوية، أما في مستشفى رياق فلم تنتظر إدارتها تحرك الجهات المعنية حيث أنّ الأمر لا يحتمل الانتظار.
الجبلي: على الدولة تحمّل مسؤولياتها
يعتبر محمد الجبلي منفذ عام البقاع الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه على الدولة تحمّل مسؤولياتها من خلال إيجاد حلول جذرية تخفّف من وطأة الأضرار التي تنتج عن الكوارث الطبيعية، ويقول: «قد يكون هناك بعض المخالفات لناحية إنشاء محال أو بيوت في مجرى السيل، ولكن هذا لا يعفي الدولة بكافة قطاعاتها المعنية من مسؤولياتها، وللأسف في كلّ مرة تجتاح السيول المنازل والأراضي الزراعية لا تشهد المنطقة إلا وقفات التضامن الرسمية على إيقاع التسويق الإعلامي، ولو تمّ مسح الأضرار لا يتمّ التعويض على الناس».
أما في ما يتصل بالبلديات يقول الجبلي: «البلديات لا تملك الإمكانيات الكافية ولا المعدات، رغم أنّ تنظيف مجاري السيل يقع على عاتقها، لكن للأسف ينحصر عملها بتعبيد بعض الطرقات».
يضيف الجبلي: «من موقعنا الحزبي نسعى إلى الإضاءة على المشاكل التي تعاني منها المنطقة والحدّ من المخالفات والبناء العشوائي دون أيّ تنظيم ودراسة لطبيعة الأرض وانحدارها، ونطالب بالتعويض على الناس، ونرى أنّ تشجير المساحات الجردية ضرورة وكذلك إقامة السدود».
ويختم الجبلي: «السيل غمر الأقنية التي تروي القرى من مياه اللبوة كافة، وبالتالي فإنّ المياه ستصل إلى زبود مثلاً في غربي بعلبك والى نهر العاصي مشبعة بالأوساخ والأتربة مما يؤثر على الثروة السمكية والمزروعات لذلك يجب أن يتمّ تنظيف هذه الأقنية من قبل الجهات المعنية بشكل سريع».
العبدالله: وزارة الطاقة تتحمّل المسؤولية
يؤكد مدير مستشفى رياق الدكتور محمد العبدالله أنّ وزارة الطاقة تتحمّل مسؤولية مباشرة، مشيراً إلى أنّ الهيئة العليا للإغاثة لم تأتِ ولم تسأل، فيقول: «وزارة الطاقة تتحمّل المسؤولية كونها لم تعمل على تأهيل شبكات الصرف الصحي التي تمرّ ضمن نطاق أبنية تعاضد الجيش، وحين زادت البيوت في هذا المحيط لم تستوعب شبكة الصرف الصحي بحيث فاضت على الطرقات، واليوم أتى السيل وفاقم المشكلة، وبالتالي بلغت السيول الطوارئ في المشفى، ولم تأتِ الهيئة العليا للإغاثة للكشف على الأضرار ونحن لم ننتظرها بل قمنا بما يلزم لتنظيف مساحة تقارب 2200 متر، مع الإشارة إلى أنّ آلة تصوير الأشعة التي تبلغ قيمتها مليوني دولار غمرتها المياه ونعمل على إصلاحها».
أما في ما يتصل بالبلديات يقول العبدالله: «البلدية لم تحرك ساكناً تجاه المشفى، ونحن لم ننتظر أحداً، ففي النهاية لا يمكننا أن نطلب من المرضى الانتظار في ظلّ غياب الدولة ولذلك عملنا سريعاً لرفع الأضرار وأخذنا التدابير اللازمة ومختلف الاحتياطات على عاتقنا ونفقتنا الشخصية».
مهدي: العام الدراسي مهدّد
يجول مدير ثانوية علي النهري الأستاذ علي مهدي في أنحاء المدرسة ويخبرنا عن واقع الحال: «كما ترين مبنى الثانوية يقع وسط الأراضي الزراعية للبلدة دون وجود جدار اسمنتي، بحيث تجتاحه المياه والسيول الوحلية بسهولة، وقد غمرت السيول والأتربة الطابق الأرضي بالكامل مع العلم أنه يضمّ الإدارة والنظارة وصفوف المرحلة الأساسية والمسرح وقاعة الاجتماعات، كما وصلت السيول إلى المستودعات وفيها خزانات الوقود وتجهيزات التدفئة والمولد الكهربائي، إذا هي كارثة فعلية مما استدعى حضور رئيس رابطة التعليم الثانوي الذي تواصل مع وزير التربية بالإضافة إلى اهتمام مباشر من الأستاذ هيثم جمعة الذي أجرى اتصالاته بهدف الإسراع في تقدير الأضرار من قبل الهيئة العليا للإغاثة التي من المفترض أن تأتي قبل حضوركم إلى هنا».
ويضيف مهدي: «الجهات المعنية في وزارة التربية لم تقصّر في الإطار الروتيني المطلوب، والبلدية واكبتنا منذ اللحظة الأولى وقامت بسحب المياه وتنظيف المكاتب والصفوف من الوحول، ومن خلالكم نناشد الهيئة العليا للإغاثة إجراء المسح الميداني لتقييم الأضرار، وكلّ ما نريده أن يتمّ الكشف على أساسات البناء وركائزه، والمبادرة إلى إنشاء سور اسمنتي يحمي المبنى من سيول محتملة قادمة، حيث أنّ العام الدراسي مهدّد إنْ لم تتمّ معالجة المشكلة جذرياً وإنقاذ ثانوية علي النهري».
المذبوح: المشكلة عامة
يشير رئيس بلدية علي النهري أحمد المذبوح إلى أنّ المشكلة عامة في ظلّ غياب البنية التحتية، ويقول: «هناك أقنية ومجرى للسيل في بلدة علي النهري ولكن حين تكون السيول بهذه القوة من الصعب ان تستوعبها الأقنية الموجودة، مع العلم أنّ المنطقة هنا لا تشهد سيولاً مطلقاً، ما حصل في مستشفى رياق على سبيل المثال سببه تقصير وزارة الطاقة مع العلم أني رفعت ملفاً إلى هذه الوزارة منذ خمس سنوات في هذا الخصوص، وقاموا بإرسال المهندس للكشف منذ شهرين، اليوم أصبح الملف أكبر يتصل بالأقنية التي تستوعب مياه الأمطار بالاضافة إلى أقنية الري».
يضيف المذبوح: «كمية المتساقطات تحتاج بنية تحتية مؤهّلة بشكل أكبر، والسيول غمرت البيوت ونحن جنّدنا عمال البلدية منذ اللحظة الأولى، وإمكانياتنا في مواجهة كارثة طبيعية بهذا الحجم معدومة، التجهيزات المطلوبة يجب أن تتحمّلها الدولة حيث أنّ ميزانية البلدية لا تسمح بشراء المعدات اللازمة، حين يقول لك الدفاع المدني نحن لا نملك الآليات الكافية لمواكبة كلّ القرى التي تعاني من هكذا كوارث فكيف يكون الوضع بالنسبة للبلديات… المطلوب الآن إنقاذ العام الدراسي في ثانوية علي النهري وهذا يتطلّب من جميع المعنيين التحرك سريعاً لتجنّب وقوع أيّ كارثة طبيعية محتملة تهدّد حياة ومستقبل أبنائنا».
أيام قليلة فصلت بين طوفان قرى البقاعين الأوسط والشمالي، ثمّ شهدنا طرقات تتحوّل إلى أنهار في مختلف المناطق اللبنانية بين بيروت والجنوب، بحيث بات هذا النص روتيناً نكرّره بشكل موسمي سواء على صفحات المطبوعة الورقية أو المواقع الالكترونية، من طاريا إلى شمسطار ورأس بعلبك واللبوة ورياق وعلي النهري والفاعور مروراً بيونين وصولاً إلى الدورة والجية ونفق المطار والماريوت واللائحة تطول، وتبقى الجهات المعنية متفاجئة بكمية المتساقطات التي تجرف كلّ ما يعترض طريقها وفي النهاية تمتزج مع مياه التصريف الصحي فترتوي المزروعات بسيل مشبع بالأتربة والأوساخ ويفيض المتوسط بالجراثيم لينطوي المشهد على تصريحات رسمية استعراضية لا تخرج من إطار الصورة المتلفزة إلى الحياة الواقعية.