افتتاح مؤتمر «العائلة وتحديات العصر» في الربوة وتشديد على دور لبنان نموذجاً للعيش الواحد في المشرق
افتتح بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام ورئيس اللجنة الأسقفية منسق لجان العائلة الكاثوليكية في الشرق الأوسط المطران أنطوان نبيل العنداري، بالتعاون مع حاضرة الفاتيكان، مؤتمر العائلة وتحديات العصر في الشرق الأوسط، عصر أمس في «المركز العالمي للقاء حوار الحضارات»، في الربوة.
حضر المؤتمر رئيس الحكومة تمام سلام، رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، الرئيس ميشال سليمان، الرئيس حسين الحسيني، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، وعدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين والشخصيات السياسية والحزبية.
ومن الروحيين حضر ممثل بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي المطران الياس كفوري، ممثل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي المطران نبيل العنداري، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، بطريرك بابل على الكلدان مار لويس روفائيل الأول ساكو، الأمين العام لمجمع أساقفة العالم الكاردينال لورانزو بالديساري، وعدد كبير من المطارنة والمفتين ورجال الدين.
كما حضر عدد من ممثلي البعثات الديبلوماسية أبرزهم السفراء البابوي كابريللي كاتشيا، والسوري علي عبد الكريم علي، والإيراني محمد فتحعلي، والروسي ألكسندر زاسيبكين.
وحضر أيضاً، قائد الجيش العماد جان قهوجي، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، نقيب الصحافة محمد بعلبكي وحشد من المديرين العامين.
افتتح المؤتمر بالنشيد الوطني الذي عزفته أوركسترا قوى الأمن الداخلي وقدم المتحدّثين الإعلامي جورج قرداحي.
سلام
ثم ألقى سلام كلمة شكر فيها البطريرك لحام على مبادرته، وتطرق إلى «التعايش المديد بين أتباع الديانات في هذه المنطقة من العالم، التي هي مهد الحضارات ومنبع الرسالات السماوية، والذي يتعرض لاعتداء مزدوج من العدو الصهيوني والعدو الظلامي التكفيري.
ودعا سلام «المسلمين اللبنانيين والعرب، إلى العمل على تنقية صفوفهم وتثبيت إسلامهم المعتدل والمنفتح»، كما دعا «المسيحيين اللبنانيين والعرب، إلى الانخراط الكامل في رسم مصائر مجتمعاتهم وأوطانهم، في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، التي تمرّ بها هذه الأوطان».
واعتبر سلام «أنّ الضرر البالغ الذي يتعرض له المسيحيون اللبنانيون في هذه الأيام، وجميع اللبنانيين بطبيعة الحال، هو استمرار الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، بسبب العجز غير المبرر، عن التفاهم على إنجاز الاستحقاق الدستوري الأهم في البلاد»، مشدّداً على «أنّ وجود رئيس للجمهورية، هو شرط أساسي لاكتمال بنية هيكلنا الدستوري، وغيابه تشوه غير طبيعي لحياتنا السياسية. ولذلك، فإنّ من غير الجائز القبول باستمرار هذا الوضع غير السليم، والاستسلام لفكرة أننا قادرون على تصريف أمورنا في شكل طبيعي من دون انتخاب رئيس». وأضاف: «لقد وجدت القوى السياسية مخرجاً لتفادي الفراغ التشريعي عبر تمديد ولاية مجلس النواب، ومن واجبها المسارعة اليوم، إلى انتخاب رئيس جمهوريتنا اللبناني المسيحي الماروني، وإنّ أي تأخير في إنجاز هذه الخطوة، هو إساءة الى لبنان، الذي تكبر خسائره كلما تضاءل الحضور المسيحي والقرار المسيحي في حياته الوطنية».
وتابع سلام: «لقد مدّ الإرهاب، الذي يعصف بالمنطقة، شروره إلى لبنان، وشهدنا مسلسل عمليات التفجير المشؤومة. وواجهنا العدوان الذي تعرضت له بلدة عرسال، وما أسفر عنه من خسائر بشرية ومادية، وترافق مع احتجاز عدد من أبنائنا العسكريين، الذين نسعى بكل ما أوتينا لتحريرهم، ونؤكد أننا لن نوفر وسيلة لإعادتهم إلى عائلاتهم. كما واجهنا مؤخراً أعمالاً إرهابية في طرابلس، تمّ التصدي لها بأثمان باهظة، دفعناها من دماء ضباطنا وجنودنا، ومن دماء مواطنين لبنانيين أبرياء، فضلاً عن الخسائر الكبيرة في الممتلكات العامة والخاصة. وإنّ هذه المعركة الأخيرة، على بشاعتها، أظهرت حقيقتين ناصعتين دحضتا أوهاماً كانت رائجة في الفترة الأخيرة. الحقيقة الأولى هي الالتفاف الكبير، في طرابلس والشمال وكل لبنان، حول الجيش اللبناني وهو يخوض معركة الطرابلسيين أولاً، وعموم اللبنانين ثانياً، ضدّ شذاذ الآفاق الذين أساؤوا إلى مدينة العلم والعلماء، وعبثوا بأمنها وأمانها ولقمة عيش أبنائها. أما الحقيقة الثانية، فهي ما أثبتته طرابلس مرة جديدة، من خلوها مما يسمى بيئة حاضنة للإرهاب، وتمسكها بإسلامها المعتدل ووسطيتها وانفتاحها، وبالدولة ومؤسساتها».
باسيل
وكانت كلمة لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أشار فيها إلى «أنّ دولتنا اليوم مهددة في تكوينها وكيانها، وهو تهديد وجودي يستدعي تحرك الكنيسة لتحريك العالم في نجدتها».
ودعا «الكنائس جميعاً إلى المبادرة باتجاه جميع مرجعيات الطوائف والعمل معها باتجاهين: أولاً، تعرية التنظيمات الإرهابية التي تتستر خلف الشعارات الدينية من أي غطاء عقائدي أو ديني، وإدانة الجهات التي ترعاها. ثانياً، مواجهة التحدي الوجودي الذي يعانيه المسيحيون وغيرهم من الأقليات الإتنية والعرقية واللغوية في المنطقة، بالانتصار على الاضطهاد الذي تمارسه في حقهم تنظيمات إرهابية وأنظمة عنصرية».
عريجي
وتحدث وزير الثقافة روني عريجي، لافتاً إلى «أنّ ما نشهده اليوم، من عنف وقتل وتهجير وتطهير ديني وعرقي، سبق أن مارسته إسرائيل – ولا تزال- في حق شعب فلسطين منذ العام 1948 دون تفريق بين مسيحي ومسلم». وقال: «إنّ نهج إسرائيل الإقصائي، يتناغم بأسلوبه وغائيته، مع هذا المخطط التدميري، الذي يطبق في غير ساحة عربية وشرق أوسطية باسم الدين، ويتناقض ويتنافى كلياً مع تعاليم الديانات السماوية، وخصوصاً مع روح الإسلام، وحق الإنسان بالعدالة والحرية وكرامة الحياة».
وأضاف: «لذا نتطلع إلى تعاون دولي كثيف معمق وبعيد النظر، لا يقتصر على غارات جوية من هنا وبعض المساعدات وتأمين السلاح من هناك، فالمطلوب، ليس محاربة الظواهر فقط، بل استئصال جذورها وأسباب نشأتها. وهذه مهمة تتطلب الحكمة، والتنازل عن الكثير من المصالح الاقتصادية ومواقع النفوذ في هذا الشرق».
عاصي
ودعا رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي إلى انتخاب «رئيس للجمهورية يستحق الرئاسة بعمله وانتمائه إلى هذه الأرض لا إلى الانقسامات والتبعيات الخارجية». وقال: «نريد من الدولة أن تكون عادلة وأنا أشكر هذه الدولة لأنها تحارب الإرهاب وقد أطفأت الجسم الملتهب في طرابلس التي هي عنوان كل لبنان».
دريان
ورأى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان «أنّ أمامنا مسؤوليات جساماً للعمل معاً في مواجهة ثنائية التطرف والإرهاب، وثنائية الظلم والاستبداد». وقال: «نحن أمام ظاهرة سلبية مدمرة لا تستهدف المسيحيين وحدهم، ولكنها تستهدف المسلمين والمسيحيين معاً».
وأضاف: «لا نريد أن نرى أهلنا وإخواننا وأحبتنا من مسيحيي الشرق يهاجرون من أوطانهم تحت أي ظرف من الظروف. ولا نريد أن نرى تسهيلات خارجية تشجعهم على الهجرة تحت مسميات إنسانية. إنهم ملح هذه الأرض، فإذا غادروها فبماذا نملح؟ نريد أن نراهم متمسكين بأوطانهم، متجذرين في أراضيهم، مستمتعين بحقوق المواطنة كافة من عدالة وأمن وسلام. فالاعتداء على أي منهم هو اعتداء علينا جميعاً. ولذلك فإنّ التصدي لظاهرة الإرهاب الإلغائي للآخر، والتي تستهدفنا معاً، هي مسؤوليتنا المشتركة. ويجب أن نقوم بهذه المسؤولية معاً».
حسن
وقال شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن: «إننا هنا لنرفض كل الخطابات الدينية التي تحول الدين الى نزاعات، ونرفض كل ظلم من أي نوع كان، ولنشهد للحق الذي وحده يحرر». وأضاف: «نريد للتوصيات التي ستصدر عن هذا اللقاء المبارك بإذنه تعالى، أن تكون موضوع ورشة عمل هادفة إلى إيجاد الصيغ العملية التي من شأنها أن تحولها من طوبى الأمنيات إلى إنجازات واقعية تؤدي وظيفتها في خدمة الأهداف الكبرى السامية التي نتوخاها جميعاً لما فيه خير وطننا وأشقائنا وأمتنا بكل فئات شعوبها بالسوية ذاتها. وأن تنال عناية الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان والمرجعيات الروحية في قم والنجف».
ساكو
وأشار بطريرك بابل على الكلدان مار لويس روفائيل ساكو إلى «أنّ العائلة تتعرض لضغوط عالمية وإقليمية قوية: دينية وثقافية وإعلامية واجتماعية ونفسية، ما يفرغ الجانب الروحي. فالعقلية اختلفت عن السابق والسلوكيات الحالية عن سلوكيات المجتمع القديم في قضايا الزواج والجنس والعلائق الأسرية والتربية. هذا فضلاً عن الحروب والصراعات وظاهرة التشدّد الديني والتيارات التكفيرية التي دفعت العديد من الأسر المسيحية الشرقية إلى التشتت والهجرة إلى الغرب بحثاً عن الاستقرار والحرية، يقيناً منها أن لا استقرار للعائلة المسيحية من دون السلام. وقد تحولنا هذه الهجرة إلى «الأقلية الباقية» في هذا الشرق».
ممثل قبلان
وألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان كلمة نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، اعتبر فيها «أنّ العائلة عمادة وحدة الكتلة البشرية، وحجر الزاوية للجماعة الإنسانية والصيغة الاجتماعية المحورية، وخطفها عن محورها المعتدل، وضرورتها الحقوقية يعني نحر الجماعة ككيان وإطار إنساني».
وقال: «لأنّ الخصومة لم تعد في العائلة، بل في المادة الفكرية التي تلحظ العائلة، فهذا يعني أنّ إعدام الأسرة وتحويلها إلى سلعة في سوق العبيد أضحى جزءاً من ظاهرة التطرف التي تجتاح الشرق الأوسط، فضلاً عن ظاهرة الفشل القانوني بتعريف المواطنة والطارئ التقني الذي اجتاح العالم، وكان المؤثر على الأحزمة الملحة التي تحمي العائلة، وتكفل أدوارها ضمن الصيغة الاجتماعية المفترضة».
بالديساري
وتمنى الأمين العام لمجمع أساقفة العالم الكاردينال لورانزو بالديساري «أن يدرك مسيحيو الشرق الأوسط أنه ما زال لديهم مكان ومستقبل في بلادهم، وأنّ الكنيسة معهم وتدعمهم وتعتبرهم ثروة الأرض المقدسة. وعليهم أن يثقوا بنفسهم وبعلاقاتهم مع الآخرين. وعلى القادة الروحيين، مسيحيين كانوا أم مسلمين، أن يؤدوا دوراً ويساهموا في تعزيز الحوار والتربية على التفاهم المتبادل، وفي رفض استعمال الدين أداة لتبرير العنف».
ممثل الراعي
وقال المطران أنطوان نبيل العندري ممثلاً البطريرك الماروني بشارة الراعي: «عندما نحمي العائلة الدموية ونعززها، ننمي العائلة الوطنية، ونحافظ على ثقافتها وتقاليدها، ونزرع في قلوب الأجيال الطالعة بذور الأمل بمستقبل أفضل، وفقاً لطموحات شبابنا. هكذا نتطلع إلى أهمية موضوع الزواج والعائلة وإلى أبعاده، بدءاً من جمعية سينودس الأساقفة في روما، مروراً بمؤتمر الربوة هذا، وصولاً إلى درسه بالعمق في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، طيلة الأسبوع المقبل».
لحام
وفي الختام تحدث البطريرك لحام، فأكد «أنّ الأسرة هي أساس كل مجتمع. لا بل أساس الدولة، وهي المجتمع الإنساني الأول. وهي المكان الذي فيه يصير نقل القيم الإنسانية منذ السنوات الأولى من الحياة. وهي قيم الأخوة والمحبة والحقيقة والخدمة والعطاء والاحترام المتبادل والتضامن وعرفان الجميل والتواصل الاجتماعي والحب والفرح. والأسرة هي المناخ الأكثر ملاءمة لعيش وإنماء كرامة الإنسان وحقوقه، رجلاً وإمرأة وأولاداً. والأسرة بالتالي هي المجال الأوسع لتهيئة المواطن الحقيقي في الدولة. حيث يعيش الفرد مع الجماعة الأسرية بالوحدة والتنوع، فيخرج الإنسان من أنانيته ليلاقي الآخر انطلاقاً من الأسرة، ومنها ينطلق إلى المجتمع».
وأضاف: «الأسرة مدرسة العلاقات ومدرسة الإنسانية الأولى: مدرسة الحب والعمل والسياسة والحياة الإيمانية وبناء المجتمع الأفضل والمشاركة والعيش المشترك هذه الأوصاف التي تعطينا الصورة المتكاملة عن الأسرة، هي في الوقت نفسه برنامج الحياة الأسرية وخريطة الطريق لها. ومن هنا ندرك المسؤولية الجسيمة على الأهل، مسؤولية الزواج، والإقدام على تأسيس أسرة، عليها أن تحقق كل هذه المواصفات والأعباء والمسؤوليات».