المية ومية وتداعيات التهدئة في سورية
روزانا رمّال
منذ أكثر من أسبوع والأجواء متوترة في مدينة صيدا الجنوبية التي تضم أكبر مخيمات اللجوء في لبنان وأخطرها أمنياً على مستوى تهديد أمن المدينة بحال انفلات أمور هذا المخيم الذي يقع على مقربة من مخيم آخر هو المية ومية الذي يفرز ارتباطاً مباشراً بين أمن المخيمات وصيدا المدينة. وفي كل يوم تزداد الأسئلة حول مسألة الاشتباكات المتقطعة ومتى سترتاح المدينة التي يعيش أهلها كابوس المخيمات. ومما لا شك فيه أن الكباش السياسي المحلي في لبنان واقع ضمن تأثيرات أمنية ايضاً ويمكن استغلال اي خضة سياسية في للإيقاع بين القوى الامنية اللبنانية والجيش اللبناني وبين قوى متطرفة مسلحة داخل المخيمات التي تسيء الى الفلسطينيين.
الاشتباك المتجدد بين حركتي فتح وأنصار الله في مخيم المية ومية هو جرس إنذار كبير في عين الحلوة وما يفترض أن يستتبعه من استنفار أمني في كافة المخيمات الفلسطينية. فأسباب الخلافات النائمة استفاقت، لكن الأهم ما وراء الحدود وما ينتج عن كل متغير في وضع القوى المتطرفة المسلحة في دول المنطقة، خصوصاً في سورية. وعلى هذا الاساس تحركت أعلى القوى والمرجعيات السياسية والفلسطينية على رأسها رئيسا مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال نبيه بري وسعد الحريري وقيادة رفيعة في حزب الله، حيث حصل دخول مباشر من قبل الأخير على خط المعالجة لاشتباكات المية ومية واتصالات على اعلى المستويات لوقف إطلاق النار فوراً، أما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي اتصل بالحريري، واتصل أيضاً بالرئيس بري طالباً التدخل. وقد لبى الأخير واضعاً جهوده في هذا الإطار لدى جميع الأطراف لوضع حد للاشتباكات الجارية إضافة الى مساعٍ للنائب بهية الحريري.
تؤكد مصادر واسعة الاطلاع لـ»البناء» ان دخول الجيش على خط الأزمة بالتعاون مع الفصائل الفلسطينية يندرج ضمن الحسم تحسباً لـ»القادم» أو الآتي. وهذا وحده إشارة الى متغيرات امنية كبيرة قد تجري في تلك الساحة المتوترة فأين هي المساحة المقبلة من الاشتباك ومع مَن ومن أجل ماذا؟
الأسئلة هذه وحدها فحوى حديث اهالي المنطقة الذين تعبوا من هذا المشهد المتكرّر. وبالنسبة للجيش اللبناني الذي قرر الحسم فإن ما يتوقع من الجهة السورية يحمل يقظة كبيرة للأجهزة الأمنية وبالتحديد بعد التفاهم الذي جرى في إدلب ومجمل نتيجة الازمة السورية التي قلبت النتائج لصالح الدولة السورية. وبات مؤكداً انتصاره على القوى المسلحة التي قاتلت والبعض منها يجد في المخيمات في لبنان ملاذاً آمناً للهروب، لكن الفشل وانقطاع المال والمساعدات أضعف هذه المجموعات وأصاب بعضها بالتخلي وصار الكباش الأمني أسرع والخيانات ومستوى الوشاية أكبر وصار تضييق الخناق أقرب من المراحل السابقة التي قدمت فيها أكبر اشكال الدعم العسكري.
الأهم هو عدم استغلال الفراغ الحكومي في البلاد للقيام بأعمال تخلُّ بالأمن اللبناني. وهو وحده قادر على تعطيل البلاد وتشكيل الحكومة وما يعنيه ذلك من إصابة كبرى في صميم العهد الذي يشارف على الاحتفال بمرور سنتين على انتخاب الرئيس عون واحتفاظه بالإنجاز الأمني الكبير بوجه التطرف. وبالتالي فإن الأمر لا يحتمل مراوغة او مماطلة والفراغ الحكومي يفتح أبواباً كبيرة من التدهور الامني او التخطيط للعبث بالساحة السياسية المحلية وتأخير الاستحقاقات.
دخول حزب الله على خط الأزمة من بوابة حفظ وحماية أمن الصيداويين يؤكد أن المسألة لا تتعلق بخطأ من هنا او هناك او حساسية بل إن الأمور صارت بمكان لا يجب التخلّي فيه. وبما أن القيادات الكبرى تحرّكت بشكل استثنائي جامع. فهذا يعني أن القرار الكبير سيتخذ بالساعات المقبلة وهو على الأرجح حسب مصادر البناء حسم الجيش لأي نوع من محاولة وضع المخيم ضمن دائرة النار ومعه مخيم عين الحلوة وقد برز تعاون فلسطيني كبير بهذا الإطار مع الأجهزة اللبنانية. وهذا التعاون من الجهتين الأقوى بين الفصائل أي حركتي حماس وفتح. وبالتالي فإن القوى التي تحظى بامتداد إقليمي على غرارهما اتخذت أيضاً قراراً بالمواجهة.
تقويض القوة المتطرّفة في المخيمات اتخذ وصار كل شيء تحت العين الأمنية اللبنانية والفلسطينية لكن الآتي في الجهة السورية لن يكون سهلا في المرحلة التي تنطلق فيها عجلة التسويات الكبرى. وما بين هذا وذاك فرصة أمام السلطات اللبنانية لتسوية الأوضاع والتحسب لأي جديد قد يشعل النار في المخيمات ويشعل معها أجواء الانتقام والثأر المتبادل.
الأزمة السورية التي اقتربت من اختتام آخر فصولها بكل ما تحمله من تحديات المعابر وعودة السيطرة الأمنية عليها تجعل القوى المتطرّفة تتقدم نحو إعلان نهايتها. وهذا يعني اعتبار رفع الجهوزية الأمنية في البلاد إلى أقصاها أولوية قصوى تحسباً لأي تهديد جديد يمكنه الضغط على الساحة المحلية، خصوصاً حزب الله.