أهداف تركيا من دعم «داعش» في ميزان الأرباح والخسائر…
نسرين الديماسي
تدور في مدينة عين العرب السورية معارك ضارية بين حماة هذه المدينة وبين تنظيم «داعش» الإرهابي، وعلى خط المعارك الحاصلة، تنفذ طائرات التحالف الدولي ـ الأميركي غارات جوية غير مجدية ضدّ «داعش» في حين أنّ تركيا القريبة من المعارك، تدعم التنظيم الإرهابي لتمكينه من السيطرة على تلك المدينة. وليس خافياً تورّط الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان وحكومته في إدارة عملية دعم الإرهاب من خلال تحويل أموال من دول خليجية وغربية الى مصارف تركية بحسابات وهمية إلى الإرهابيّين، وتسهيل بيع «داعش» للنفط السوري والعراقي، وتأمين كلّ المستلزمات اللوجستية للمجموعات الإرهابية.
دعم الإرهاب ورغبة تركيا بسيطرة «داعش» على عين العرب، خلقا تبايناً لم يصل الى حدّ الخلاف بين أنقرة وواشنطن، لكن واشنطن قلقة من سيطرة «داعش»، وتطالب أنقرة بتحديد طبيعة العلاقة التي تربط الحكومة التركية بهذا التنظيم الإرهابي، وهذا ما أربك الحكومة التركية. وقد زاد في إرباكها التظاهرات الداخلية ضدّ سياستها، وتلمسها خطر عودة التوتر مع حزب العمال الكردستاني خصوصاً أنّ قنوات التفاوض معه متوقفة منذ حوالي عام.
التسريبات والمعلومات تشير إلى أنّ هناك تعهّداً قطعته الحكومة التركية لـ«داعش» بالحفاظ على مفاصل العلاقة معه أمنياً ومالياً، كصفقات النفط والعتاد العسكري، وأنّ المسؤولين الأتراك عبّروا أمام مسؤولين في الإدارة الأميركية عن رغبة تركيا في سقوط عين العرب بيد «داعش»، فهذا وفق حسابات الأتراك يضعف التهديد الذي يمثله حزب العمال الكردستاني على تركيا.
ويبدو أنّ الحكومة التركية تلعب على حافة الهاوية، فهي تؤكد لواشنطن استعدادها للمشاركة في الحرب ضدّ «داعش»، وتشترط مقابلاً بإطلاق يدها لتحقيق أطماع في ا راضي السورية، وهي، أيّ أنقرة طرحت على واشنطن فكرة أن يكون لـ«داعش» دولة، تشكل حاجزاً جغرافياً بين سورية وإيران، باعتبار أنّ التنسيق السوري ـ الإيراني يشكل عامل قوة في وجه «إسرائيل».
وترى الحكومة التركية أنّ دولة «داعش» تستطيع منع مرور خط أنابيب النفط والغاز من إيران والعراق نحو البحر ا بيض المتوسط، كما تحول دون تواصل الصين مع المتوسط، وتتيح تأمين خط الغاز القطري إلى أوروبا بد ً من الغاز الروسي. وهذا ما يفسّر التوافق المستمرّ بين قطر وتركيا، وتورّطهما في دعم وتسليح المجموعات الارهابية في سورية.
ورغم تعهّد أنقرة بالحرص على ضمان خطوط النفط والغاز، وحماية تجارة الترانزيت بين أوروبا والخليج عبر تأمين ممرات لا تخضع لسيطرة الحكومتين العراقية والسورية، وتحويل «داعش» إلى «قوة عاقلة» والتخلص من خطر هذا التنظيم عبر إغرائه بعائدات مجزية من تجارة الترانزيت وخطوط النفط والغاز، إلاّ أنّ واشنطن تدرك أنّ تركيا ليست قادرة على الالتزام بتعهّداتها الآنفة الذكر، وجلّ ما تريده ا طاحة بالدولة السورية، وهذا سيفجر الوضع في المنطقة، إذ أنّ لسورية حلفاء دوليين واقليميين، وما حصل في اليمن نموذج، لذا، تحرص واشنطن على أن لا تظهر في موقع الضعيف، حتى يتزعزع دورها الإقليمي ويضعف أكثر.
ولأنّ تركيا تستثمر في الإرهاب، فقد عبّر أردوغان عن استيائه من قيام الحلف الذي تقوده واشنطن بإسقاط أسلحة لمصلحة المدافعين عين العرب، ووصف هذه الخطوة بالقرار السيّئ، معتبراً أنّ عين العرب مدينة استراتيجية لتركيا للولايات المتحدة. وقد برّر أردوغان موقفه بأنّ الأسلحة التي أسقطتها الطائرات الأميركية على عين العرب وقعت في يد أحزاب كردية تعدّها أنقرة منظمات إرهابية.
ولأنّ الولايات المتحدة تحرص على إبقاء تركيا في «بيت الطاعة»، وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري خطوة إنزال الأسلحة على عين العرب بالإجراء اللحظي، وأعقب ذلك إنزال ثلاث حمو ت من الأسلحة والذخائر والمعدات لمصلحة عناصر «داعش» في محيط عين العرب، ما اعتبر استرضاءً أميركياً لتركيا.
في المقابل، فإنّ ما يحصل بين ا ميركي والتركي، باتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على دراية تامة بتفاصيله، لذا، وجهت طهران رسالة شديدة اللهجة إلى أنقرة، محذرة إياها من اللعب بالنار، وجدّدت موقفها باعتبار الرئيس بشار ا سد خطاً أحمر، وأنّ إيران جاهزة لكلّ الاحتمالات، ولن تقف مكتوفة ا يدي حيال مخططات تركيا. علماً أنّ التحذير الإيراني جاء هذه المرة بلهجة عنيفة وغير مسبوقة، ما يشي بأنّ أوضاع المنطقة قابلة للانفجار الكبير إذا ما استمرّت تركيا على سياساتها.
واضح أنّ إيران تفهم جيداً أهداف أردوغان وخططه، وهي تعتبر أنّ أيّ تدخل تركي في سورية ستنتج عنه أزمات يمكن إصلاحها. لذلك قرّرت طهران توجيه إنذار وتحذير ملوّحة بتدخل عسكري مباشر في عين العرب بمجرّد أن تطلب الحكومة السورية ذلك، وذلك لقطع الطريق على أيّ تدخل عسكري تركي تحت غطاء حلف شمال ا طلسي.
على اية حال، لا يمكن تخمين السيناريو الذي يمكن أن يحصل، فتركيا تبدو مربكة، ولعلّ سماحها لعناصر البيشمركة بالتوجه إلى عين العرب عبر أراضيها لمساندة أهل المدينة، يأتي بمثابة احتواء للتحذيرات ا يرانية، وله هدف آخر هو امتصاص غضب المعارضة التركية وخصوصاً الأكراد. وتسعى تركيا من خلال خطوتها هذه إلى تعزيز علاقتها مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني، إذ ترى فيه قدرة على احتواء ا كراد في ديار بكر وعدم المطالبة باقامة إدارت ذاتية لمناطقهم.
بالتأكيد، هزيمة «داعش» في عين العرب، ستؤدّي إلى تفادى معركة استنزاف طويلة وإلى خسارة أردوغان ورقة ابتزاز في مواجهة الو يات المتحدة وشركائها في التحالف، وسيكون في وضع أصعب مما كان عليه قبل معركة عين عرب.
والسؤال، هل ستستجيب الإدارة الأميركية لرغبة تركيا بالإبقاء على «داعش» وفق التعهّدات التي التزمت بها تركيا، أم أنّ واشنطن عازمة على محاربة الإرهاب بجدية؟
حتى الآن لا أجوبة، لكن المؤكد أنّ الإدارة الأميركية تحسب جيداً مصالحها ومكامن القوة والضعف، وهي ستظلّ حريصة على إبقاء تركيا في خانتها لكنها لن تتبنّى سياسة تركيا باللعب على حافة الهاوية.