اتجاهات

اتجاهات

أميركا وتركيا والخيار الكردي؟! ٢/٢

نظام مارديني

لا يمكن قراءة السيناريوات الأميركية المتعددة للمنطقة بسبب التناقض في التصريحات اليومية للمسؤولين الأميركيين، إلا ان هناك سيناريواً ثابتاً لن تحيد عنه الإدارات الأميركية على تعاقبها، وهو كيفية إدارة هذه المنطقة الغنية بالطوائف والمذاهب والاثنيات، أي الهلال السوري الخصيب الذي يتميز بهذا الغنى المجتمعي المتعدد، غير أنه مصاب بسرطان استيطاني يسعى حثيثاً الى قيام الدولة اليهودية الخالصة، وذلك بعد طرد ما تبقى من الفلسطينيين في أراضي الـ «48» إلى قطاع غزة ورام الله، أو الى أي دولة تستعد لاستقبالهم، ولكن هذا لن ينجح إلا في ضرب الهوية المجتمعية للهلال الخصيب، وذلك عبر تفتيته إلى طوائف ومذاهب وإثنيات، بعدما تم تقسيمه إلى دول في بداية القرن العشرين وضمن مشروع سايكس ـ بيكو الشهير.

فالعرقية والطائفية والمذهبية منظومة تشتغل على تحويل الانتماءات المجتمعية إلى ولاءات تخص هذه التقسيمات، وهي بذلك تنقل الانتماء العرقي أو الطائفي من مستواه الأفقي والعمودي ومن حقله الاجتماعي الواحد إلى حقل الانعزال لتكون وحدة سياسية محاصرة، وليست ضمن وحدة مجتمعية طبيعية تامة، وهكذا تدخل الاستراتيجية الأميركية إلى فكرة المكونات «العرقطائفية» و «العرقمذهبية» لتحويلها إلى هويات فرعية متناحرة داخل الدولة الواحدة، كما هو حاصل في لبنان والعراق، ومحاولات ضم سورية إلى هذا الانتحار.

لا شك في أن الفكر الذي أنتج الاستراتيجية الأميركية التفتيتية للعالم الثالث، مستمد من فكر الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا التفكيكي، وخصوصاً من سياقه النظري. ولكن بعيداً من متاهات هذه الفلسفة وتجريداتها، فإن الاستراتيجية الأميركية وبعد زلزال العراق في نيسان عام 2003 أخذ في منحى توظيف أكراد العراق على رغم التباين بين الأحزاب الكردية العراقية تجاه التحالفات الدولية والإقليمية في اللعبة الإقليمية الخطرة على الأكراد أولاً وعلى شعوب المنطقة التي تعج بقطع الدومينو ثانياً. ولن نحتاج لكي نكون أنبياء، أو منجمين، لكي لا نقول هنا أن اكتشاف هدف لقاءات دهوك برعاية رئيس «إقليم كردستان» مسعود البرزاني أمر صعب، وهذه اللقاءات جمعت المجلس الوطني الكردي، وحركة المجتمع الديمقراطي التي يعيش في ضوئها حزب الاتحاد الديمقراطي، لكي نعرف كيف ستضيع تضحيات الشابات والشباب في مدينة عين عرب كوباني ، وكيف ستوظف بطولاتهم في خدمة المشاريع الأميركية والتركية كما افصحت عنها لقاءات صالح مسلم في أنقرة وباريس التقى فيها مسؤول أميركي . ولكن، يدرك حزب الاتحاد الديمقراطي أن حزب العمال الكردستاني لن يرضى بإشراك خصومه الكرد، وبخاصة البرزاني، في جعلهم شركاء في مناطق الإدارة الذاتية، بعد أن أصبحوا منقذين لعين عرب، ما يعني توريط حزب الاتحاد الديمقراطي في اللعبة وضرب أنموذجه عبد الله أوجلان للحل في تركيا، التي ترى عبر تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 21 تشرين الأول 2014، عندما قال: «إن مدينة عين عرب كوباني السورية، مدينة استراتيجية بالنسبة الى تركيا، لا للولايات المتحدة الأميركية». مضيفاً: « أن الإجراءات التي ستتخذها بلاده حيال ذلك ستكون ذات أهمية خاصة».

يدرك البرزاني خطورة إرساله «البيشمركة» خارج حدود العراق، فيما لم تغامر أعتى الدول بإرسال جيوشها، واعتمدت على ذلك بمرتزقتها كـ «الجيش الحر» الذي يعمل بأوامر تركية، وها هي الإدارة الأميركية تدفع البرزاني للقيام بالدور ذاته، وذلك بعد أكثر من شهر على الصمود الاسطوري لمقاتلي «وحدات حماية الشعب»، وبهذا المعنى فإن خطوة البرزاني هذه لم تأتِ من باب الحرص على أكراد مدينة عين عرب، لأن مسؤولين من الـ«بيشمركة» كانوا أشاروا في وقت سابق إلى عدم رغبتهم في التورط في هذه المعركة، غير أن الضغوط الأميركية أثمرت عن تغيير في هذا الموقف الذي يدخل أيضاً في باب الضغط على أنقرة للموافقة على عدم اسقاط عين عرب كوباني ، فكان أن دست أنقرة العقيد السوري الفار عبدالجبار العكيدي مع خمسين عنصراً من مرتزقتها وأجهزة استخباراتها بحجة حماية كوباني من السقوط ولتسجيل موقف ليس إلا على حساب وتضحيات أهالي هذه المدينة السورية، بخاصة بعدما أدى رفض أنقرة الممتد للموافقة على مطالبات أكراد كوباني، الى تكهنات بأنها غضت الطرف عن مقاتلي «داعش» الذين يعبرون الحدود بانتظام، لا سيما بعد الصفقة الشهيرة بين هذا التنظيم الإرهابي والحكومة التركية، التي تم خلالها اطلاق سراح عدد من مقاتلي «داعش» في مقابل إطلاق الدبلوماسيين الأتراك المحتجزين كرهائن منذ الصيف الماضي، ولكن لو كان أردوغان جاداً في إنقاذ عين عرب، لكان عليه مساعدة أهالي المدينة المحاصرة بدل عقد اتفاقات مشبوهة مع «داعش» بحسب صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى