الأحمد: هي رسالة لكلّ العالم بعودة الأمن والأمان ونتابع استقدام بعثات أثرية لمتابعة التنقيب

لورا محمود

يقول موقع منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم «يونسكو» إن المتاحف تُكوِّن مع التراث الأثري ما يُعرف بـ»التراث العالمي» وتساهم في زيادة الوعي لتطوير المجتمعات باعتبارها الذاكرة الحيّة للشعوب وهي مدرسة لترسيخ الهوية ونشر الوعي الحضاري ودعم التربية والتعليم وإثراء الثقافة في المجتمع.

وقد أصبحت المتاحف مركزاً علمياً مهماً يُسهم في نشر وإبراز المعرفة إلى جانب دورها في تنمية روح الانتماء للوطن.

ويعتبر المتحف الوطني في سورية واحداً من أهم المتاحف في العالم لما له من أهمية في عرض عدد وافر من كنوز الحضارة الإنسانية جعلت منه مقصداً لملايين الزوار الذين يتدفقون من أنحاء العالم لمشاهدة معروضاته المتنوّعة، لكن الحرب في سورية أجبرت الجهات المختصة على إغلاق المتحف حفاظاً على مقتنياته الثمينة واليوم يعاود المتحف نشاطه ويفتح أبوابه ليستقبل زواره في احتفالية أقامتها وزارة الثقافة في القاعة الشامية في المتحف الوطني بمشاركة علماء آثار من ألمانيا واليابان وفرنسا وبولندا.

الأحمد

وفي كلمة ألقاها وزير الثقافة محمد الأحمد في الافتتاح قال فيها إن علماء آثار أجانب جاؤوا ليعبّروا عن تعاطفهم مع سورية التي تعرّض تراثها الأثري للتخريب على يد التنظيمات الإرهابية، مبيّناً أن المتحف الوطني في دمشق أحد أكبر وأهم متاحف العالم ويحوي مقتنيات تمثّل عصارة جهد السوريين وتوثق حضارتهم وهي شاهد حي على قدرتهم على العطاء والتشبث بالأرض.

ورأى الأحمد أن إعادة افتتاح المتحف رسالة انتصار الحق على الباطل مبدياً استعداد الوزارة لمواصلة استقدام البعثات الأثرية لمتابعة جهودها في البحث والتنقيب بالمواقع الأثرية السورية لما لها من دور في تعزيز العمق الحضاري لسورية.

وفي تصريح للصحافيين نوّه الأحمد بأن إعادة افتتاح هذا المتحف هي رسالة لكل العالم بعودة الأمن والأمان إلى ربوع دمشق وآن الأوان كي تعود كل الأنشطة لا سيما الثقافية منها، فكما عاد معرض الكتاب ومعرض دمشق الدولي اليوم يعاود المتحف الوطني فتح أبوابه أمام الزائرين. وهنا أسجل تعاون وزارة السياحة معنا وأوجّه لهم الشكر.

وتابع الأحمد: كل ما نعيشه اليوم من عودة للحياة الثقافية ما كان ليتم لولا تضحيات الجيش العربي السوري لحماية الآثار السورية. وكنا قد استضفنا قبل فترة وجيزة افتتاح «معرض للقطع الأثرية المستردّة» في دار الأسد للثقافة والفنون.

حمود

بدوره اعتبر مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور محمود حمود أن إعادة افتتاح المتحف هي استعادة ألق الحياة الثقافية في دمشق وأن أهمية حدث الافتتاح تكمن في أنه جاء بعد سنوات سبع على قرار إغلاقه للحفاظ على الآثار التي تعرّضت للتخريب في مختلف أنحاء سورية من قبل الإرهابيين، منوّهاً في الوقت ذاته بمساهمة وزارة السياحة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهذا الحدث.

وأضاف حمود أنه بالرغم من كل ما فقدناه من تراثنا الوطني في أرضنا التي أعطيناها فلذات ا كباد واحتضنت أجساد الأحباب ورويت بدمائهم ستفاجئكم بمزيد من العطاء، فإن أجمل الاكتشافات تلك التي لم تأتِ بعد وأجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد وأجمل الانتصارات تلك التي ستتحقق في ما بعد.

عوض

أما مدير شؤون المتحف ومعاون مدير عام الآثار محمد نذير عوض تحدث لـ«البناء» قائلاً: نحن في المديرية العامة للمتاحف والآثار نصف هذا الحدث بالاستثنائي، لأننا نعلم وبالتفاصيل مدى الصعوبات التي كان من الممكن أن تحول دون افتتاح المتحف، فنحن نعلم أن الأزمة إلى انحسار، لكن هناك الكثير من الحصار والعقبات، فنحن نعاني من نقص في الكثير من الأدوات والكوادر لكن كان هناك تصميم على إعادة افتتاح المتحف الوطني في دمشق لرمزية المتحف وموقعه الحضاري بين متاحف كثيرة. وعلى الرغم من مساحة المتحف المحدودة وأقسامه الصغيرة إلا أنه يحتوي على قطع استثنائية حضارية تصنّف على مستوى العالم، فالمتحف موجود في بلد يُعتبر من أغنى بلدان العالم بالتراث والآثار.

وتابع عوض: لقد رافق الافتتاح مؤتمر دولي عن المتاحف ودورها في تعزيز الهوية الوطنية والدور الاجتماعي والتربوي والاقتصادي ودورها في نشر الرسالة الحضارية والسلام. كما ثمة منهجية وغزارة في العرض فقد عرضنا قطعاً أثرية هامة في القاعة العليا لقسم «الشرق القديم» و«ما قبل التاريخ» والقسم «الإسلامي» والقسم «الكلاسيكي». وعرضنا الكثير من القطع التي عادت لمتحف دمشق وباقي المتاحف في سورية. كما عُرضت قطع كانت تعدّ للتهريب واستعادها عناصر من الجيش العربي السوري والجمارك ووزارة الداخلية.

ولفت عوض إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعاون دائم مع المديرية العامة للآثار والمتاحف وسيصدر خلال أيام قليلة دليل خاص بالمتحف بحلّة جديدة وسيواكب هذا الحدث معرض دائم لمجموعة من الصور ومجموعة من بانوهات التعريف لها دلالات حضارية ورسائل تربوية على السور الخارجي للمتحف وسيقدّم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الكادر ليكون موجوداً بشكل دائم.

الحريري

ومن جانبه أشار مدير متحف تدمر الدكتور خليل الحريري لـ«البناء» إلى أنه كان يتمّ استرداد قطع أثرية بشكل يومي عن طريق الجهات المختصّة، فإلى ا ن تم استرجاع حوالي تسعة آلاف قطعة أثرية من جميع المناطق السورية خاصة في الغوطة فأغلب القطع كانت مخبّأة هناك وتمت إعادتها للمتحف الوطني.

وهناك قطع تخصّ تدمر أيضاً تم استردادها وهي من القطع الأثرية النادرة المسروقة من المدافن التدمرية.

وعن رمزية افتتاح المتحف لفت الحريري إلى أن هذا دليل على انتصار الشعب السوري وجيشه ورسالة للعالم بأن سورية هي أرض الحضارات وستبقى كذلك.

أكوبيان

أما مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سورية ديفيد أكوبيان تحدث عن أهمية هذا الحدث للسوريين وللحضارة الإنسانية جمعاء لكون المتحف يحوي آثاراً تعود لآلاف السنين وقطعاً أثرية تنتمي لحضارات متنوّعة، لافتاً إلى الجهود التي بذلت من قبل مديرية الآثار والأمم المتحدة لاستعادة الآثار السورية المنهوبة.

جاموس

وقال الباحث الأكاديمي في ا ثار الدكتور بسام جاموس لصحيفة لـ«البناء» بعد عودة الأمان لسورية اليوم نحتفل بافتتاح القسم الكلاسيكي في المتحف الذي يضمّ ا ثار التي تم اكتشافها بالشمال والجنوب السوري بالفترتين الرومانية اليونانية وسيتم افتتاح أقسام المتحف الوطني الأخرى، منها عصور ما قبل التاريخ والشرق القديم والقسم الإسلامي وقسم الفنّ الحديث.

وأضاف جاموس: إن أهمية هذا الافتتاح هو مشاركة كبار العلماء الذين عملوا في سورية منذ أكثر من ثلاثين عاماً وهم من جامعة طوكيو وباريس وإيطاليا وبلجيكا وهم يشاركون اليوم بهذا الحدث.

وأردف جاموس هناك خطوات قامت بها المديرية العامة للآثار والمتاحف وهي عمليه التوثيق وا رشفة ووضع الخطط لإنهاء عملية الترميم في الموقع الأثرية التي دُمّر عدد منها فقد أنهينا الترميم في قلعة الحصن، وثمة أعمال ترميم تجري في حلب وكل المحافظات هذه سورية الجديدة أرض الحضارات ومهد الديانات وفردوس العلماء.

وقد أقيمت بالتزامن مع افتتاح المتحف ندوة على مدى يومين بعنوان «واقع المتاحف ودورها في تعزيز الانتماء الوطني» تضمّنت محاضرات متنوّعة عن الوضع الراهن للتراث الأثري السوري وتجربة تقييم الأضرار في حلب القديمة باستخدام التقنيات الحديثة واستراتيجيات حماية المتاحف في سورية ودور المتاحف في بناء مجتمعات ما بعد الحرب من خلال التربية.

يُذكر أن المتحف الوطني في دمشق يقع بين جامعة دمشق والتكية السليمانية يحجز لنفسه مكاناً بين أفضل عشرة متاحف في العالم، وبما أنه يتوضّع في أقدم مدينة مأهولة في العالم فإن المتحف يُعتبر متناغماً مع محيطه العريق بجناحيه اللذين يستضيفان آثار الحضارة العربية الإسلامية، بالإضافة إلى المجموعات الأثرية الكلاسيكية والبيزنطية. ويحتوي المتحف على عدد كبير من القطع الفنية والأثرية البالغة القيمة والتي عثر عليها المنقبون الآثاريون في مختلف مناطق سورية وتم استرجاع عدد كبير من الآثار المسروقة والتي تُعرض اليوم في المتحف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى