«داعش» موجود ويستمرّ حيث الوجود والحماية الأميركية!

محمد ح. الحاج

تعود قوات داعش إلى الظهور ثانية في مناطق «قوات سورية الديمقراطية»، بل تجتاح مواقعها وتدفع بها إلى الخلف في لعبة الكرّ والفرّ التي تشرف عليها وتنظمها القوات المتحالفة بقيادة أميركية، بعض القيادات الكردية يقولون: باعتنا أميركا! ولكن متى اشترتهم؟

يمكن تصديق الادّعاء بالقضاء على داعش من قبل الجميع عدا التحالف الذي تقوده أميركا، والمأثور «من الخطأ أن يطلق الراعي النار على كلابه وإلا وفّر للذئاب وجبة دسمة»! ومؤكد أنّ أميركا الراعي الذي يدّعي محاربة داعش، مارست ولا تزال تمارس الكذب والتدليس في هذا الموضوع، فوجود داعش يخدم ويبرّر التواجد غير الشرعي لقوات التحالف، وعندما يقوم هذا التحالف بقصف ما يسمّيه مناطق تواجد داعش فإنما يقصف الأماكن التي طلب من قوات داعش الخروج منها ليقصفها ويقتل المزيد من المدنيين ويهجّرهم وهكذا يستمرّ.

تركيا و «قوات سورية الديمقراطية» تدركان ذلك.

رب قائل: كيف تعلم تركيا؟ والجواب من يضمن عدم وجود اتفاقيات سرية بين تركيا وأميركا بهذا الخصوص، وهل من المعقول أن تضحّي الإدارة الأميركية بعلاقات راسخة مع الدولة التركية من أجل سواد عيون الأكراد، من يظنّ ذلك من القيادات الكردية هو معاق عقلياً، فالإدارة الأميركية تجد لها في الأكراد ضامناً وحارساً لوحداتها في مناطقهم، تستمرّ في استنزافهم في صراع دون كيشوتي مع وحدات داعش وهؤلاء أدوات أميركية بطبيعة الحال، وما سقوط خسائر من الطرفين إلا ضمانة أكيدة لاستمرار الوجود الأميركي والمتحالف بحيث لا يسمح بانتصار طرف وهزيمة الطرف الآخر، أما القصف العنيف فهو لغاية أخرى، تهجير القوى الرافضة للوجود الأميركي، المعارضة لسيطرة الكرد على المنطقة، أن تستمرّ رحى المعركة بالدوران فهو مطلب ومبرّر لاستمرار الوجود غير الشرعي على الأرض السورية.

قادة قوات «قسد» ومن خلال التجربة مع قوات التحالف أدركوا الحقيقة، وإنْ كانوا لم يدركوها فهم مصابون بلوثة عقلية، الأرجح يتكفل الدولار ومكاسب المرحلة – الكسب غير المشروع – بتجميد العقل وقصر التفكير على زمن الاستمرار دون الثقة بالبقاء في المنطقة، أكثر من ذلك، هم يمارسون قمع الأصوات التي يمكن أن تشير إلى الحقيقة وضرورة ترك الحلم المستحيل جانباً فالوعد بقيام دولة تعارضها تركيا وكلّ دول الجوار لا يمكن أن تحققه الإدارة الأميركية التي ستضع ذلك في كفة ميزان مع علاقتها الراسخة مع الدولة التركية ومصالح حلف الأطلسي المتحققة عن طريقها ولا يمكن اعتبار أنّ الخلافات الشكلية التي تطفو على السطح هي واقع يمكن أن يسهم بتدمير تلك العلاقات، البسطاء الأكراد والكثير من المثقفين وبعض القيادات يدركون ذلك، لكن الأقرب من تلك القيادات إلى القيادة الأميركية المتعاملين يحافظون على موقف كان يجب سقوطه، وهو إلى سقوط حتمي، لكنهم سيخرجون بما جمعوه إلى الشمال العراقي وبضمانة أميركية، وهكذا ينطفئ الحلم لتكون خيبة الرجاء في أوساط العامة والعودة إلى الواقع.

فلسفة الحروب الحديثة التي وضعت أسسها مراكز البحوث الغربية لن تكون بعيدة عن التطبيق من قبل الجانب التركي، ولن يكون صدام مع قوات «قسد» الكردية ومن معها، ولا مع الجيش السوري، بل هي ستدفع بالأدوات من بقايا ما يسمّى «الجيش الحر» تنظيم الاخوان المسلمين، والحزب التركستاني ومن معهم، وربما تنضمّ لهم قوات النصرة لاجتياح الشمال الشرقي السوري، وستقف قوات التحالف متفرّجة، كما وقفت بالأمس عند اجتياح داعش لمواقع هؤلاء، ولن تعدم قوات التحالف ذريعة تبرير عدم المساعدة أو تقديم الغطاء الجوي، بل ربما تدفع ببعض الأسلحة بطريقة مدروسة لا تسمح لأحد الطرفين بتحقيق ما يمكن تسميته انتصاراً.

قوات داعش التي تنهزم أمام الجيش السوري في الجنوب، تتسلل إلى مناطق الوجود الأميركي في التنف وجوارها، وتحت الرقابة الأميركية التي تطالب وتنسق عن طريق الجانب الروسي بعدم اقتراب الجيش السوري وحلفائه من مناطقها بذلك توفر الملاذ الآمن لبقايا داعش، ويمكن أن تساهم بنقلهم إلى الشمال والشرق لإشعال المنطقة، وهو أمر يخشاه الجانب العراقي ما دفع بالقيادة إلى تحذير الحشد الشعبي الذي بادر إلى رفع الجاهزية وتعزيز وحداته على امتداد الحدود شمال التنف وحتى البوكمال.

الالتفاف على سوتشي والمراوغة التركية!

التحالف الغربي يستثمر في المنطقة على كافة الأصعدة، تواجد عسكري، توسيع نفوذ، مساومات اقتصادية، الحرب بالأدوات المحلية، والتكاليف تدفعها أنظمة عربية مصابة بالخبل وفوبيا الحفاظ على الحكم، والنتائج تصبّ قي مصلحة الكيان العدو، تركيا أيضاً ليست بعيدة عن هذا الأسلوب، حتى وهي طرف في اتفاقيات سوتشي، وطرف ضامن، لقد أخرجت تركيا السلاح الثقيل التابع للوحدات التي تأتمر بأمرها، لكنها أغمضت العين عن تسلل جبهة النصرة ونقل سلاحها الثقيل إلى الخط منزوع السلاح، وهكذا أصبحت بمواجهة الجيش السوري وحلفائه، وانسحبت الوحدات العسكرية التركية التي كانت متواجدة تحت مسمّى الرقابة على خفض التوتر والحفاظ على الهدنة، وهكذا سيجد الجيش السوري نفسه بمواجهة النصرة التي تقوم بالحشد والتحصين بعد حصولها على شحنات من السلاح الحديث والمتطوّر الذي دفعت ثمنه دول الخليج الأعرابي وفروع جمعيات الاخوان هناك.

تأجيل تحرير إدلب حتى الوقت الحالي، موسم الأمطار والبرد لم يكن في صالح الجيش السوري أبداً، هذا ما أراده الغرب بالتنسيق مع تركيا، فالمنطقة سهلية، غضارية، كثيرة الأمطار والوحول، وقد نجحت تركيا في التأجيل عن طريق المماطلة والتسويف، وفي حال قرّر الجيش السوري القيام بعملية التحرير فستكون التكلفة باهظة، قد تعلن تركيا انسحابها من الاتفاق وتكتفي بالدعم والحدود المفتوحة، ليس للوحدات التي تأتمر بأمرها فقط، بل، وحتى للنصرة ذاتها.

يبدو أفق الحلّ مسدود تماماً في الظروف الحالية، فالمرحلة الأولى من اتفاق سوتشي لم تنجز، ولن تكون هناك منطقة عازلة أو خالية من السلاح الثقيل، والطريق الدولي لن يفتح بوجه الحركة المدنية ولا التجارية، إذ ما زال جانبه الشرقي تحت سيطرة العصابات وبعمق يتجاوز الثلاثين كيلو متراً وصولاً إلى منطقة أبو الضهور، قلنا منذ البداية لا يمكن الوثوق بالنظام التركي، وكثيرون شاركونا هذا الرأي، ولا ندري على ماذا يراهن الجانب الروسي في الصمت ومسايرة الطرف التركي وما هي حساباته الأخرى!

هامش: ما الذي تبحث عنه ألمانيا وفرنسا في المنطقة وما مغزى لقاءات الكواليس مع القيادة التركية، حلف الناتو لم يفقد شيئاً من روابطه المتينة، وتركيا لن تغادره… أبداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى