«مؤتمر العائلة وتحديات العصر» اختتم أعماله بإصدار وثيقة «لقاء الربوة»: للتنبّه إلى خطورة سقوط الدولة في ظلّ الانهيارات في النظام الإقليمي
اختتم «مؤتمر العائلة وتحديات العصر في الشرق الأوسط» الذي عقد في المركز البطريركي العالمي لحوار الحضارات -الربوة، أعماله بعد ظهر يوم السبت، بالتشديد على «أنّ للاستحقاقات الدستورية أولوية حيوية في مجال حماية السلم الأهلي، والتأكيد على الاعتبارات الميثاقية، والحرص على تماسك بنية الدولة»، والتأكيد على «أنّ للمؤسسات الدينية المتعدّدة، الإسلامية والمسيحية، دوراً أساسياً في إيجاد المناخات التواصلية وتحفيز العمل التعاوني في مختلف مجالات التفاوض السياسي والاجتماعي والحؤول دون مصادرة الخطاب الديني من جماعات تسعى إلى تحويله أداة نزاعية».
وقد شارك في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي توجه فور عودته من أستراليا إلى الربوة.
وصدر عن المؤتمرين «وثيقة البيان الختامي للقاء الربوة» التي وقع عليها الأمين العام لمجمع أساقفة العالم في الفاتيكان لورانزو بالديساري ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية كافة.
وتلا الوثيقة المستشار البطريركي للشؤون العامة والمنسق العام للمؤتمر المونسنيور الدكتور شربل حكيم.
وأكدت الوثيقة «أنّ النموذج الذي أرساه لبنان في مجالات الحوار الحضاري في كل مندرجاته، هو الردّ العملي على التطرف في كل أشكاله السياسية والدينية وما تستحثه من خروج على مبادئ حقوق الإنسان، واعتبارات دولة القانون، وما تفترضه من خيارات قيمية ودستورية ضامنة للسلم الأهلي والإقليمي». ورأت «أنّ الظروف البالغة الدقة، التي تعيشها العائلة في المنطقة وطبيعة الأزمات الوجودية والسياسية والأمنية وما يتأتى منها من آثار مدمرة على المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، تتطلب بناء مبادرات خلاقة في مجال تفعيل منطق التواصل على حساب منطق العنف المستشري، والعقلانية على حساب سياسات السيطرة والسيطرة المضادة. فلا بدّ من ايجاد أطر تواصلية وتضامنية بين مختلف المؤسسات الدينية والسياسية لتفعيل العمل الحواري، كأفضل سبيل لوضع حدّ للتفاعلات النزاعية على تنوع مداراتها، والتمهيد لصياغة حركة سلمية تدرجية تنقلنا من واقع المواجهات المفتوحة إلى حالة الحوار البناء غير المشروط، لوضع الأسس الفعلية لعملية العبور إلى السلام الناجز، الذي يتطلب مساعٍ حثيثة في مجال إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتخاصمة، ومكافحة الاستبداد، واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وإرساء قواعد العدالة الإنتقالية والترميمية، والسياسات الإنمائية والإعمارية، كأطر عملية ناظمة لمرحلة السلم».
واعتبرت الوثيقة «أنّ الفراغات الدستورية المتنامية التي يعيشها وطننا تستدعي مواقف وإعلانات مبدئية حازمة لجهة التنبه إلى خطورة سقوط الدولة في ظل الانهيارات الجارفة التي أطاحت بالنظام الإقليمي، وفتحت المجال أمام تمدّد مساحات الفوضى وما أدت إليه من تحول المدى الإقليمي إلى ساحة مواجهات بين سياسات نفوذ إقليمية متصادمة، وتيارات راديكالية أطاحت بكل الإعتبارات التي تنتظم على أساسها العلاقات الدولية»، مشدّدة على «أنّ للاستحقاقات الدستورية أولوية حيوية في مجال حماية السلم الأهلي، والتشديد على الاعتبارات الميثاقية، والحرص على تماسك بنية الدولة، والمساهمة في إعادة صياغة النظام الإقليمي على أسس أكثر ثباتاً».
كما أشارت إلى «أنّ للمؤسسات الدينية المتعدّدة، الإسلامية والمسيحية، دوراً أساسياً في إيجاد المناخات التواصلية وتحفيز العمل التعاوني في مختلف مجالات التفاوض السياسي والاجتماعي والحؤول دون مصادرة الخطاب الديني من جماعات تسعى إلى تحويله أداة نزاعية وتشريعية لممارسات خارجة عن المنطلقات الروحية القائمة على الرحمة والعدالة والسلام والتخاطب الحرّ بين كل المجموعات الدينية»، مؤكدة «أنّ الكنائس الإقليمية المجتمعة، وبالتعاون مع الكرسي الرسولي والدبلوماسية الفاتيكانية، لن تألو جهداً في مجال تفعيل عمل دولي يساعد في شكل فعلي ومباشر في مجال تطوير الوساطات والآليات التفاوضية، التي تتوخى الخروج من واقع الانهيارات المتنامي».
المحور الأول
وتناول المحور الأول موضوع «العائلة وواقع الأوضاع في الشرق الأوسط» وترأسه النائب البطريرك العام على أبرشية الجبة المارونية المطران مارون عمار الذي أشار إلى أنّ هناك «مصائب كثيرة وأمراضاً متنوعة تفتك في العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة، فتحول العلاقات الشخصانية السلمية التي تنمي العائلة إلى علاقات سيئة تهدم بنيتها عبر انقطاع التواصل، واختلاف اللغات، وتعدّد الأهواء الفردية التي تصطدم بأهواء الآخرين بعيداً من روح التعاون والتعاضد من أجل عائلة ثابتة، ومجتمع متضامن ضدّ قوى الشر التي تهدّده».
وقدم الأمين العام لمجمع أساقفة العالم في الفاتيكان الكاردينال لورانزو بالديساري المداخلة الأولى بعنوان «أصداء سينودس العائلة في الفاتيكان تشرين الأول 2014، فقال: «لقد شارك آباء السينودس في مناقشات حيوية، بعيدة كل البعد من الهدوء الزائف، وبالتأكيد حاملة بصمات الإيمان والحماسة العقائدية والرعوية، والصدق والشجاعة من أجل خير الكنيسة وخلاص النفوس. وعلى حدّ تعبير البابا، «من دون إعادة إحياء النقاش حول الحقائق الأساسية لسر الزواج: عدم الانحلال والوحدة والولاء والانفتاح على الحياة».
ثم حاضر النائب فريد الياس الخازن عن «تأثير الوضع الإقليمي وتحدياته وسبل حماية العائلة بين رجال الدين وأهل السياسة»، وقال: «إنّ التحديات التي تواجه دول الشرق الأوسط ومجتمعاتها في ما يخصّ العائلة، واستطراداً في الشأن التربوي والثقافي والاجتماعي غير مسبوقة في حجمها ومضمونها وتداعياتها، وهي تختلف عن تلك التي تواجهها العائلة والمجتمعات في مناطق أخرى من العالم».
وأشار إلى «أنّ الشرق الأوسط تميز عن سواه من الأنظمة الإقليمية الأخرى في مسألتين، أولاً الانتقال من الدولة الأمبراطورية والخلافة الإسلامية إلى دول جديدة طرح إشكالية دور الدين وموقعه في إطار الدولة الوطنية، وثانياً نشوء دولة «إسرائيل» في 1948 ما أدى إلى نزاع مسلح هو الأطول والأكثر تعقيداً بين النزاعات الإقليمية المعاصرة، وكان لهذين الحدثين أثر مباشر في أوضاع المنطقة ومسارها الاجتماعي والسياسي».
وقدم النائب جورج عدوان المداخلة الثالثة بعنوان «مكان العيش المشترك ومكانته في خريطة الشرق الأوسط الجديد»، مؤكداً «أنّ العيش المشترك يقوم على الحوار الدائم والاحترام المتبادل وعلى قبول الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً أو ثقافياً، وعلى العيش معاً وعلى احترام قناعات وخصوصية شعائر وشرائع كل طرف وعلى ممارسة الحوار كأداة لبناء الثقة ولإقامة علاقات الصداقة والاحترام مع احترام حدود المغايرة والاختلاف».
المحور الثاني
أما المحور الثاني فكان بعنوان «المجتمع بين التعصب والاعتدال»، وترأسه عضو الهيئة الادارية في اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة جورج عزو الذي رأى «أنّ التهديد الأكبر يأتي عندما تتشكل مجموعات متطرفة تحت أسماء مختلفة تأتي لتسيء إلى كرامة الإنسان في كل أبعادها. وكل يوم نتباهى بمستوى التقدم العلمي في كل الميادين، بينما نشهد تقهقراً وخواء على مستوى الروح الإنسانية».
وكانت مداخلة للأمين العام للجنة الحوار الإسلامي – المسيحي محمد السمّاك عن «سبل مواجهة التطرف الديني والحدّ من خطر الارهاب». ورأى السمّاك «أنّ ما يقوم به الإرهابيون ليس تطرفاً إسلامياً، إنه منطق مختلف وهو منطق لا يمت الى أي دين في شيء». وأضاف: «إنّ الثقافة الإلغائية للآخر على أساس ديني ليست المصدر الوحيد للإرهاب، فالإرهاب له من يرعاه ومن يموله. لذلك فإنه يقوم على مثلث متساوي الأضلاع فكراً وتمويلاً ورعاية»، لافتاً إلى «أنّ تجفيف مصادرالإرهاب مالياً ورعائياً يتلازم بالضرورة مع تجفيف مصادره الثقافية والتربوية وتحديداً من خلال التربية على صحيح الدين والعقيدة».
وقدم رئيس أساقفة اللاذقية المارونية المطران الياس سليمان مداخلة بعنوان «الحراك الفاتيكاني لدعم الوجود المسيحي والحوار». ودان «الانتهاكات الخطيرة التي قامت بها الدولة الإسلامية المعلنة في العراق وسورية»، داعياً «كل رجال الدين في كل أنحاء العالم، إلى لعب دور حاسم في التشجيع على الحوار بين الأديان والثقافات، وإلى استنكار سريع لكل تشريع العنف من قبل الدين، وإلى تنشئة كل إنسان على الفهم والحوار المتبادل».
وحاضر النائب غسان مخيبر عن «العائلة بين القوانين الكنسية والمدنية واحترام شرعة حقوق العائلة، وقال: «في مواجهة التعصب والإرهاب يفترض أن يسود القانون المرتكز إلى حقوق الإنسان وإلى ذراع الدولة المدنية الديمقراطية القادرة والفاعلة في إطار تعاون دولي جاد وفاعل».
واستعرض موضوع العائلة بين القوانين الدينية والمدنية واحترام شرعة حقوق الإنسان مبرزاً خصوصية النظام الدستوري والقانوني اللبناني كصيغة فريدة في المنطقة يحمي المجتمع والطوائف والعائلة والأفراد في إطار الدولة المدنية.
والقى رئيس قسم الترشيد والتوعية الأسرية في دائرة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ الدكتور محمد حجازي مداخلة أشار فيها إلى «أن لبنان يمثل بجغرافيته وديمغرافيته وتاريخه نموذجاً استثنائياً في التراث الإنساني».
المحور الثالث
وظهراً، ترأست مديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان صعب المحور الثالث بعنوان «ثورة التكنولوجيا وانعكاساتها على العائلة»، فرأت أنّ التحولات التكنولوجية أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات على الصعيد العائلي أدت إلى زيادة العزلة والتنافر بين أفرادها»، مشيرة إلى «أنّ تأثير التطور التكنولوجي كبير جداً على المجتمع عموماً وعلى العائلة خصوصاً».
وقدم المطران مارون لحام ممثلاً بطريرك اللاتين في القدس فؤاد الطوال المداخلة الأولى عن «أصداء تأثير وسائل الإعلام على أفراد العائلة وتعزيز الحوار»، مؤكداً أنّ «من المستحيل العودة إلى الوراء وتجاهل سلطة وسائل الاتصال الحديثة». وقال: «إنّ وسائل الاتصال الاجتماعي سيف ذو حدين. حدّ إيجابي وحد سلبي، والحل يكون عبر التركيز على الحدّ الإيجابي».
وتناولت المداخلة الثانية «وسائل التواصل الاجتماعية ودور التقنيات الحديثة في الحفاظ على المجتمع والعائلة»، قدم خلالها المدير العام لشركة «ألفا» مروان حايك عرضاً مصوراً عن وسائل التواصل، وتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي ودور التقنيات الحديثة في الحفاظ على المجتمع والعائلة، شارحاً التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات على الإنترنت، مستنداً إلى حقائق وأرقام، ومقدماً سلسلة إرشادات لحماية الأطفال على الإنترنت.
وتحدثت المستشارة في المجلس الحبري في الفاتيكان للعلمانيين والأديان مارغريت بيترز عن «تصويب المفاهيم الأساسية الجديدة للزواج والعائلة».
المحور الرابع
ترأس المدير العام لتلفزيون لبنان رئيس مجلس الإدارة طلال مقدسي المحور الرابع بعنوان «العائلة وثقافة الحياة». ورأى «أنّ التطور العلمي وتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي وانفتاح المجتمعات والأفراد أرخى ظلالاً قوية على المجتمعات، وهو بمقدار ما حمل من آفاق علمية وثقافية فإنه حمل أيضاً أخطاراً وتحديات تستوجب من كل فرد منا في محيطه الضيق، ومنها إلى المدى الأوسع والأرحب، التنبه إلى انعكاساتها وآثارها السلبية وأحياناً المدمرة».
وقدم الوزير السابق مروان شربل مداخلة بعنوان «ديموقراطية العنف وضياع الفضائل في مسارب السياسات الضيقة»، وسأل: «لمَ لم نعلن حالة طوارئ اجتماعية أمنية سياسية اقتصادية؟ لماذا نحن بعيدون من طاولة حوار نطرح عليها هموم البلد والناس، نتصارح من دون خلفيات ومتاريس ومحاور»؟ ورأى «أنّ مواجهة التحديات الراهنة تكمن في التمسك بقيم العائلة حتى تعيش سلامها ويجد المجتمع طريقه إلى الطمأنينة، ووجوب بذل الجهود على المستويات كافة حتى لا تبقى العائلة اللبنانية الكبيرة يتيمة الأب، ويتمكن النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت لتبديد القلق والهواجس الوطنية، وحتى يجد هذا البلد طريقه إلى الاستقرار».
أما المداخلة الثانية فكانت بعنوان «مسيرة الكنائس في الشرق الاوسط نحو السينودس في الفاتيكان»، وحاضر فيها مطران لودي والأمين العام لمجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان المطران ماوريزيو.
وقدم رئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة في مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك ومنسق لجان العائلة في الشرق الأوسط المطران أنطوان نبيل العنداري مداخلة عن «العائلة وأخلاقيات الحياة».
لحّام
وفي الختام كانت كلمة لبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، شكر فيها الذين عملوا على تهيئة المؤتمر والمشاركين، وقال:
«نأمل بأن تكون أعمال هذا المؤتمر والتوصيات الصادرة عنه، أداة عمل لتهيئة سينودس روما للعام القادم 2015، الذي سيعالج مع التحديات دور الأسرة في الكنيسة والمجتمع. وأملنا كبير بأنّ أبرشياتنا ستعالج موضوع الأسرة في الرعايا، بحيث نساهم في تهيئة تقارير ترفع أيضاً إلى سينودس روما. كما أننا من هذا المؤتمر نشكر جميع المؤسسات العالمية والمحلية التي تساند عائلات النازحين والمهجرين من ديارهم من سورية والعراق، ومنهم عدد كبير في لبنان المضياف الحبيب». وأضاف: «كلنا مدركون كم من الويلات ستجر هذه الحروب على الأسرة العربية المشرقية. من ذلك أخطار الترهيب والتعذيب والقتل والإعدام والاغتصاب والصلب والنزوح القسري المفاجئ، ومنظر المهجرين والجائعين والمشردين والعراة، والذين هم بلا مأوى ولا مدرسة ولا جار ولا صديق ولا لغة تفاهم. هذه الأمور تؤثر سلبياً نفسياً وعاطفياً على نفوس ومشاعر الأطفال والأسر والمجموعات، وتنشر في ما بينهم عواطف العنف والإرهاب والأخذ بالثأر والبغض والكراهية، وتجعلهم خطراً على مجتمعهم. ولذلك لا بدّ من التفكير حول قيام مشاريع صغيرة وسواها متنوعة بروح خلاقة، لكي نستجيب للحاجات الجديدة التي تواجه الأسرة بجميع أفرادها، لا سيما الأطفال».
واختتم: «نرفع الصلاة والابتهال إلى الله لكي يحفظ المخلص عائلاتنا وجميع أعضائها، وتبقى الأسرة المدرسة الدائمة لكل الأجيال».