القاصّة فاديا عيسى قراجة لـ«البناء»: اللغة كينونة من لحم ودم وروح تحتاج مني أن أجدّد ألوانها ورائحتها وطعمها وتخذلني عندما تتكرر

حاورتها عبير حمدان

اللغة تسافر بها من خلال ما تقرأه وتكتبه، وشرطها الأساس هو الإبداع بعيداً عن الوقاحة في النص، وبحسب رأيها فإن الوقاحة هي التجرؤ على المعتقدات.

لها ثورتها الخاصة على نمطية المرأة الكاتبة التي تهمّها أكثر من أي امرأة وتصفها بأنها ثورة على تكريس صورة المبدع /الذكر/ وتفوّقه إبداعياً.. وتلميع تصرفاته ووصفها بالنزوة ومن هنا فهي تحمّل المرأة الدور الأكبر في تخاذلها واستقواء الرجل عليها، نصوصها وشخوصها تشبهها وفيها شيء من التمرد، ويبقى طموحها أن تكتب ما لم يكتبه أحد قبلها، وتصل من خلال كتاباتها إلى أبعد مما تتصوّر.

إتها الروائية فاديا قرّاجة التي نتعرف اليها في هذا الحوار:

العلاقة مع اللغة

هل تخبرينا عن علاقتك باللغة منذ أول حرف لك؟

اللغة هي الحامل الأول والأهم لهواجسي مذ بدأت بخط أول حرف في القصة، كيف يمكن أن أشبّه علاقتي بالوجود من حولي دون لغتي الخاصة، يقال إن المبدع يسافر باللغة، لكن في الحقيقة هي تسافر بي من خلال ما أقرأ وما أكتب.

قبل النضوج لم أفكر أن اللغة كينونة من لحم ودم فهي روح تحتاج مني أن أجدد ألوانها ورائحتها وطعمها كل فترة، بل هي تطالبني ألا أتشابه في تشكيلها، هي لغة التراث والموروث الديني والثقافي والتاريخي، هي لغة الشارع والجامعة والمرقص، هي من تقول لي Stop كلما أحسّت بتكرارها.. إذاً اللغة تخذلنا كلما شربنا من البئر نفسها.

بين الجرأة والوقاحة

خيط رفيع يفصل بين الجرأة والوقاحة من موقعك كأديبة الى أي مدى يمكن للوقاحة تشويه النص القصصي أو الروائي، وفي المقابل كيف يمكن للطرح الجريء خدمة هذا النص؟

من وجهة نظري، – أقول هذا ولا أدعو لأحد أن يتبنى وجهة نظري -، تكمن وقاحة النص حينما يتجرأ المبدع على المعتقدات.. أما كل ما عدا ذلك فللمبدع ساحات الإبداع كلها ليرمح فيها بالطريقة التي يراها مناسبة.. ستقولين لي خدش حياء المتلقي.. أقول لك المجتمع يمور بخدش الحياء والمبدع ناقل أمين لما يجري.. الشرط الأساس هو الإبداع.. وباقي الممنوعات هي كذبة الرقيب التي يسلط سيفها علينا.. وللإجابة على الشق الآخر من السؤال.. الجرأة هي العري الكامل للحرف دون مواربة.. دون نقاب.. يُعرَف حرفي بالجرأة وقد جمعت قاعدة عريضة من القرّاء بين من رفضها واستنكر هذا النوع من النصوص وخصوصاً لامرأة، وبين مَن التزم الصمت.. وبين مشجّع ومتحمّس للخروج من شرنقة النصوص النمطية.. كانت تُسعدني ردود الأفعال على تباينها فإلقاء حجر في ركود العرف هو غايتي الأهم.

لغة التمرد

هل أنت من دعاة الثورة حين يتصل الأمر بالكتابة، وأي عنوان يمكن أن تحمله ثورتك على الصعيد الأدبي؟

بالتأكيد حضرتك قرأت نتفاً من نصوصي ولاحظت لغة التمرد والثورة، ثورة على نمطية المرأة الكاتبة. وهذه تهمني أكثر من أي امرأة،.. ثورة على الاستضعاف وعشق المرأة لدور الشهيدة التي تكالب عليها المجتمع.. ثورة على تكريس صورة المبدع / الذكر/ وتفوقه إبداعياً.. ثورة على تلميع تصرفات الرجل ووصفها بالنزوة.. ثورة على علاقة الرجل بالمرأة من جهة وعلاقة المرأة بالرجل من جهة أخرى.. ففي أدبي أحمّل المرأة الدور الأكبر في تخاذلها واستقواء الرجل عليها.. وربما لم يوفّرني المجتمع المتمثل بالرقيب الثقافي والمجتمعي التعس عندما يصنّف ما أكتبه تحت مسمى تفريغ الكبت الجنسي.. هذه الكتابات أبعدت العديد من الكاتبات عن الساحة الإبداعية وتمّ قمعهن من قبل الأهل الأوصياء على فكر المرأة.

المسؤولية على المبدع

يُقال إننا شعوب لا تقرأ، برأيك لمن يكتب الكتّاب إذا؟ وكيف السبيل إلى الخروج من نفق العتمة الذي يفرضه الكسل في القراءة؟

طبعاً أوافقك بأننا شعوب لا تقرأ.. اسمحي لي أن أحمّل المبدع بعض المسؤولية.. فالأسماء الكبيرة لا تقرأ للأسماء الجديدة التي ربما تكون أعمق تجربة من تلك الأسماء التي يكرّسها الإعلام.. ثم المتلقي الذي تشعله أسعار الكتب بنارها وهو الذي يلاحق رغيف الخبز منذ استيقاظه وحتى منامه.. وزارات الإعلام والثقافة التي لا تريد أن تنزل عن برجها العاجي وتستمرّ بتسويق الأسماء التي بليت من التكرار هذا إن سوّقت .. وتتجاهل عن قصد أو غير قصد التجارب الجديدة والمختلفة.. كل هذه العوامل جعلت الكتاب في أسفل درك.. للأسف لا خروج من هذا النفاق ما لم تتغبّر النظريات والتكريس والتهميش، فالمتلقي ذكي جداً ويميّز بين الصالح والطالح.

مأساة الألقاب

نشهد اليوم طفرة من الألقاب في ظل العالم الافتراضي، حيث بات الجميع «شعراء» و»أدباء» و»روائيين» كيف تقيّمين هذه الظاهرة وهل تخشين على الأدب والمبدعين الحقيقيين من التطور التكنولوجي الذي يسمح بالاستسهال؟ وأين يمكن لهذا التطور أن يخدم الكاتب؟

أسئلتك تنكأ الجراح.. هذه مأساة أخرى تضاف لمآسي الإبداع فقد عجّت الساحة بالأسماء والألقاب والإبداع الخلبي.. دون حسيب ولا رقيب.. فهذه لديها دكتوراه فخرية وهذا بروفيسور.. وهذا سيد الشعر وهذه ملكة القصة، ولكن الإبداع من كل هؤلاء براء، في ظل هذه المذابح الأدبية طبعاً أخشى على الإبداع وقداسته.. أخشى على اللغة.. أخشى على الفنون، فقد زاحمها النفاق والأدعياء وأخرجها من ساحاتها ونحن ننظر مكتوفي الأيدي من دون أن نحرك ساكناً. لا أدري برسم مَن أضع هذه الهواجس.

الشق الثاني من سؤالك سأعترف بما قدمته لي مواقع التواصل أو كما شئت التكنولوجي في عالمنا التعس هناك رقيب يمنع ويجيز، وكان هناك البديل الذي لجأ إليه المبدع وهو الفضاء الأزرق فقد ساهم هذا الفضاء على انتشار اسمي وإبداعي في العالم العربي والعالم كله.. أجزم بأنني معروفة خارج وطني أكثر مما أنا معروفة في وطني.. من هنا يبدأ المبدع بالاغتراب.. لكن على مَن تقرأ مزمورك يا داوود؟؟!

الكتابة فعل حب

لمن تكتبين الخواطر التي تشبه الوميض؟ وهل يمكن للحب أن يكون خميرة الكلمة المتقنة والصورة الجميلة؟

لنتفق أولاً أن الكتابة فعل حبّ لنصل إلى أن الحب فعل مقاوم.. بالنتيجة الكتابة هي تجميل القبح وتخفيف البشاعة مهما كانت.. فأنا كاتبة لا يمكن أن تكتب حرفاً ما دامت لا تحب.. أي حب يخطر على بالك.. حب نفسي.. حرفي.. رجل.. منظر جميل.. الأهم أن أبذر حباً.. وأحصد حباً.

النقد لم ينصفني

كيف تتعاملين مع النقد وهل تؤمنين بموضوعيته أم أن هناك محسوبيات لناحية تعاطي النقاد مع النص الأدبي والقصصي وكل عمل يدخل ضمن الإطار الثقافي؟

سأجيبك باختصار: النقد لم ينصفني.

التجديد في اللغة

إلى أي مدى تُشبهك قصصك؟ وإلى أين تريدين الوصول من خلال لغتك؟

الكاتب يغرف من تجربته في البدء.. وحينما تنضج التجربة يبدأ بالابتعاد عن نفسه وقناعاته، ليبدأ بمراحل جديدة من ترتيب أولوياته.. ليخرج من الذات إلى العام من دون خدش الخصوصية.. وهنا أقصد بالخصوصية البصمة الخاصة لكل مبدع.. أما عن مناخ قصصي وشخوصي فهي تشبهني من جهة التمرّد على السائد والثورة على الأعراف البالية والنمطية والتكرار وهي موجهة بالدرجة الأولى للمرأة. بمعنى آخر نصوصي هي تمرّد على الآباء المؤسسين بشكل أو بآخر وأقصد آباء التجربة القصصية النمطية.

الشقّ الثاني للسؤال ربما كل كاتب يتمنّى أن يكتب ما لم يسبقه إليه أحد.. وأنا كغيري أعتمد على التجديد في اللغة والطرح وأريد أن أصل بهما إلى أبعد مما أتصوّر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى