من يحاصر أطفال غزة ويقتل أطفال اليمن… لا ننتظر منه إعمار سورية
جمال محسن العفلق
عندما تزور دمشق عليك المرور بالقرى المحيطة بها وهناك ستجد ما تركه الإرهاب خلفه من بيوت وأنفاق ومخازن سلاح من مصادر مختلفة، صناديق كتب عليها الجيش السعودي وأخرى من قطر… ولا تندهش إذا وجدت سلاحاً كتب عليه «صنع في إسرائيل»، فهذه الحرب الكونية كانت مدعومة من كلّ الذين أرادوا تدمير سورية وعاصمتها العصية دمشق. فأحلام الغزاة كانت كبيرة منهم من كان حلمه أن يعبر من مطار دمشق، وآخر أراد الصلاة في مسجدها الكبير، أما «المتواضعون» في أحلامهم فكانوا يريدون رفع علم الإنتداب الفرنسي من جديد في ساحة المرجة، هذا المشهد كان قبل سنوات او أقل من ذلك وكان عليك لتعبر مسافة كيلو مترات قليله ان تسير بسرعة تتجاوز المائة وأربعين كيلو متراً في الساعة، فدور القناص كان لمنعك من دخول دمشق لا لشيء إلا لعزل العاصمة وقتل الحياة فيها ولمنع الدخول او الخروج منها.
هذه الاستراتيجية طبّقتها العصابات الإرهابية على كلّ المدن السورية، فقطع الطرق الدولية وحرمان السكان من التنقل كان الشغل الشاغل لهذه الجماعات، وحتى لا نغرق بالتسميات والجنسيات سنكتفي بوصف الجماعات الإرهابية المتعددة الجنسيات القادمة عبر تركيا والأردن وجزء من لبنان.
سبع سنوات ونصف السنة لم يتوقف صوت الرصاص فيها ولم يتوقف الإعلام المعادي للسوريين فيها عن نشر الموت والخوف، وفيها أيضاً تصريحات وعلى كلّ المستويات شارك فيها وزراء ورؤساء حكومات واستخدم رؤساء الدول في هذا الاستعراض الإعلاني الهدّام لبث الخوف في نفوس السوريين وتدميرهم نفسياً لإحباط عزيمتهم وجعلهم يسلّمون ويرفعون الراية البيضاء مستسلمين لهذا الإرهاب. حتى ورقة منع اللاجئين من العودة استخدمت بأبشع الصور.
وآخر هذه التصريحات والذي تناقلتة وسائل التواصل الإجتماعي كان لرئيس مصر عبد الفتاح السيسي الذي أعلن انّ مصر لن تدفع في إعادة إعمار سورية ولن تساهم ولو بدولار واحد، فالرقم كبير، واتهمنا السيسي أننا نحن من خرّب البلد ونحن من دمّرها فكيف يدفع او يساهم في إعادة إعمار ما خرّبناه نحن؟
نعم هذا التصريح في الشكل قد يكون صحيحاً عند البسطاء، ولكن في المضمون هو كلام غير مسؤول ولا يصدر عن شخص يتمتع بالحدّ الأدنى من الفهم السياسي لواقع المنطقة، السوريون لم يهدموا بلدهم، هم دافعوا عن وطنهم بل عن العالم بأسره… ففي سورية توقف المدّ الداعشي والمدّ الإرهابي الذي لو ربح في سورية لوصل الى أقصى العالم. في سورية تحطمت أسطورة الوهم الداعشي، وفي سورية تمّ القضاء على أكثر القادة الإرهابيين القادمين من تونس وأفغانستان ومصر والسعودية والأردن، لأنّ الجيش السوري حارب هذا الإرهاب المدعوم من الولايات المتحده الأميركية و»إسرائيل» وصبيانهم من الدول العربية.
وما كان لدى هذا الإرهاب فرصة ليكبر لولا الدعم السياسي والمادي الذي ساهمت فيه أكثر من 100 دولة، منها مصر، فكيف يتهمنا السيسي أننا نحن من دمّرنا بلادنا؟ أيُعقل أنّ رئيس دولة تمتلك أقدم جهاز استخبارات في العالم العربي ليس لديه معلومات عن الذي دمّر سورية وأراد تمزيق شعبها؟
إنّ من يزور سورية اليوم يرى ما لا يتوقعه ولن يصدّق ما سوف يشاهده، فالحياة في المدن السورية لا تتحدث عن شعب عاش حرب سبع سنوات وسوف يتفاجأ انّ رغيف الخبز ما زال مدعوماً ومتوفراً، والمحاصيل الزراعية تعود إلى الأسواق، والسوريون يتنقلون من جديد بين المدن السورية بأمان، وما أن فتح معبر نصيب على الحدود السورية الأردنية حتى اكتشف العالم أنّ سورية المحاصرة اقتصادياً هي التي تعطي دول الحصار لا العكس.
نعم نحن لسنا بحاجة لدعم من دولة ديونها ضعف ناتجها القومي والناس فيها تقتل بعضها البعض من أجل رغيف الخبز، وإنْ كان هذا التصريح للاستعراض السياسي وموجه للداخل فهذا لا يعنينا كسوريين لأنّ من ساهم في حصار الفلسطينين وقتل أطفال اليمن لن يساهم في إعادة الحياة لأطفال سورية.
ولم نسمع في يوم أنّ الحكومة السورية قبل الحرب أو خلالها تسوّلت الدعم من أحد، فكيف يرفض السيسي ما لم نطلبة أصلاً منه أو من غيره؟
وعلى العالم أن يفهم وخصوصاً الحكومة المصرية أنّ مدينة السادس من أكتوبر عادت الحياة إليها بفضل السوريين الذين ذهبوا لاجئين إلى مصر فتحوّلوا الى قوة اقتصادية فاعلة لم تدفع الحكومة المصرية عليهم دولاراً واحداً، بل هم الذين ساهموا في انعاش الإقتصاد المصري.
نحن لن نبيع الغاز لـ «إسرائيل»، ولن ننتظر القمح من أميركا، ولن ننتظر ودائع من آل سعود في مصارفنا لنعيد إعمار سورية، يكفينا أننا دافعنا عن العالم وأنّ الجندي السوري قاتل على كلّ الجبهات بشرف وإيمان، وفي سورية نحن مؤمنون بحلفاء الشعب السوري الذين قاتلوا معه ومن أجله بدون أيّ منّة. ففي سورية رفع شعار كلنا سورية وسنبقى مؤمنين بالحياة ومصيرنا نحن نصنعه، فلا ينتظر أحد في هذا العالم أن ننحني، ووعدُنا أنّ سورية ستعود أفضل مما كانت عليه وخلال وقت قياسي وبدون دعم من أحد، فمن لا يعرف السوريين عليه أن يعود لسنوات الحصار الأوروبي في ثمانينات القرن الماضي وكيف خرج الشعب السوري أقوى مما كان عليه، فالسوريون يظهر جوهرهم في أيام الأزمات لا في أيام الرخاء والسلام…