الخليج والتطبيع.. والصهيونية المحمدية!؟
نظام مارديني
يدفع التطبيع العلني بين دول الخليج والكيان الصهيوني المنطقة إلى مشهد إقليمي جديد، فهو إذ يستكمل التطبيع السري بالعلني مع هذا الكيان السرطاني، فإنه يُنذر بتعقيدات وتطوّرات لها انعكاسات وأبعاد غير متوقعة، في مقدّمتها محاولة تصفية المسألة الفلسطينية عبر «صفقة القرن» وإغلاق الباب الذي تتنفس منه حركات المقاومة نهائياً، وقد سبق ذلك التنسيق بين تلك الكيانات الهجينة والكيان الصهيوني في احتضان الجماعات الإرهابية، وإطلاقها في العراق وسورية ولبنان ومصر. وما سيزيد الوضع تشابكاً وتعقيداً أكثر أن هذا التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني سيدخل المنطقة في «أتون» نيران جديدة، ستزيد المنطقة اشتعالاً خصوصاً بعد قرار ترامب الجهنمي بنقل سفارة بلاده من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة:
إن الكيان الصهيوني يستفيد من رعاية السعودية للتطبيع، وقد جاءت زيارة نتنياهو ووزراء إلى سلطنة عمان والإمارات وقطر، تأكيداً لهذه العلاقة العضوية بين الجهتين العدوانيتين.
إن الكيان الصهيوني سيستفيد من الإعلان عن التطبيع مع مشيخات الخليج من خلال الاستمرار في التنسيق الأمني، وصولاً إلى تعزيز أمن الاحتلال في فلسطين المحتلة.
يفتح هذه التطبيع بين دول الخليج التساؤل عن بروز الصهيونية المحمدية أسوة بالصهيونية المسيحية، وفي كتابه القيّم «كي لا تكون صهيونية إسلامية» حذّر الباحث المصري محمود عبده، من الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور «صهيونية إسلامية»، لا تقل في خطرها عن «الصهيونية اليهودية»، و»الصهيونية المسيحية». معتبراً ظهور هذه الصهيونية هي «خيانة القضية الفلسطينية باسم الدين».
ولكن هل يمكن أن تكون «الصهيونية المحمدية» أقوى من «الصهيونية المسيحية» و»الصهيونية اليهودية»؟
على الرغم من أن السؤال قد يبدو غريباً ومنافياً للطبيعة والعقل إلا أنه ليس كذلك. فالصهيونية اليهودية أقوى في مدّ مخالبها في المجتمعات والأديان، و»الصهيونية المحمدية» أخطر على مجتمعنا لسهولة قدرتها على استخدام الدين لخدمة المشروع الاستعماري، وخطورتها في وقاحتها كما عبر عنها موقف الداعية السعودي محمد البراك، عضو رابطة علماء المسلمين، الذي اعتبر استشهاد مقاوم أمراً يفرح «المؤمنين»، حتى لو كان القاتل «إسرائيل» يشي بهذه «الصهيونية المحمدية» بوقاحتها القميئة.
إن الصهيونية الدينية بضلعها «اليهودي»، عمِلَت على صهينةِ العالم سياسياً، بدءاً بالمسيحية، وانتهاء بالمحمدية. ولأن معظم أديان أهل الأرض، لا تشكل مرجعياتهم ذات الطبيعة الدينية تقاطعاً مع المشروع اليهودي في فلسطين ومحيطها القومي، إلا أن المرجعيات الإسلامية المسيحية والمحمدية يمكنها أن تكون أرضاً خصبة لترويج الصهيونية «الدينية»، فقد كان من الطبيعي أن ينصبَّ الجهد الصهيوني في عالمنا العربي، في جانبه «الديني» تمهيداً لبلورة جانبه «السياسي».
في هذا السياق أطلّت «الصهيونية المحمدية» برأسها، وبشكل مباشر، من بيت آل سعود الذين جرّوا دول الخليج وراءهم في قرار خطر ستكون له تداعيات مستقبلية على المنطقة وبخاصة على المسألة الفلسطينية التي بالأساس تمّ اختزالها في مدينة القدس، وقضية حدود لا قضية وجود.
لا شك في أن «الصهيونية المحمدية» كانت «نبوءة خفية» في الماضي وأصبحت «نبوءة مكشوفة» بوقاحتها الآن. وما يسعى إليه الكيان الصهيوني المزروع في جسدنا، هو تقزيم قضيتنا القومية وتحويلها قضية حقوق دينية، مذهبية وعرقية، فهل نحن نساهم بهذا التطهير لنسيجنا ولوجودنا كأمة؟ وهل نساهم فعلاً بممارسة التطهير ضد أنفسنا ووجودنا؟
قالت مشيخات الخليج بعد 102 عام على سايكس بيكو: «إسرائيل شقيقتنا» لا سورية. «إسرائيل جارتنا» لا إيران.. فهل فهمنا أم أصابنا العمى؟