القصص والروايات والأمثال في المشرق جمالية نصوص ترقى إلى مستوى الإبداع الأدبي

فاطمة الموسى

الحديث عن التراث السوري عبر التاريخ لا ينحصر بالآثار المكتشفة في مواقع عدة، ولا في الوثائق التاريخية التي تعود إلى الألف الثاني والثالث قبل الميلاد، بل هناك الفكر والأبجدية والأدب الذي تميّز بالقصص والروايات والأمثال والحكم التي كانت تسجل على ألواح مسمارية تجسّد الإبداع من دون الحاجة لاستخدام الرمز والإيماء. ففي الفترة الأكادية هناك أمثال وأقوال تقترب من الفلسفة والتأمل العميق في الوجود، كالقول: »الثمر في الربيع، ثمر حزين»، على خلفية أن هذا الثمر نضج قبل أوانه. والقول أيضاً »إذا لم تكن البذرة سليمة فلا تُعطي نبتة وحبوباً». وفي أوغاريت كانت تدوَّن الملاحم والقصص والأمثال على ألواح طينية مسمارية، ومنها ما يُعبّر عن الألم الإنساني، كالقول: »أكلت حصاتي كالخبز، وكشراب شربت دمي». ونجد في نصوص آخرى ما يدل على شفافية التألم والحزن بالإضافة إلى النضج: »إن مقابل يوم فرح تمرّ سنة ذات 360 ألم». ومن الأمثال الأوغاريتية: »لا تسخر من إله لم تبتهل إليه».

وتحتوي وثائق المشرق القديم على الكثير من أدب الحكمة من بلاد الرافدين حتى بلاد الشام، وهي منتقاة من بعض المواقع كالقول: »ليس القلب هو الذي يقود إلى العداوة وإنما اللسان».

هذه النماذج من الأمثال، جميعها تعود إلى عصور ما قبل الميلاد. وهذا يقودنا إلى إدراك جمالية النصوص التي ترقى الى مستويات الإبداع في مجال الأدب.

في زمن الفاعلية الآرامية والآشورية الألف الأول قبل الميلاد هناك وثائق أحيقار الآشوري الذي اشتهر في بلاط نينوى، وقد عثر عليها مكتوبة على أوراق بردى في جزيرة الفيلة في مصر، وتعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كان أحيقار في مصر.

لقد اتّصف أدب أحيقار بالحكمة والنباهة وسرعة البديهة وبالوصول سريعاً إلى دلالة القول: »الابن الذي يُدرّب ويوضع القيد في قدميه هو الذي ينجح» و»إذا ضربتُك يا ولدي فلن تموت، ولكن إذا تركتك لأهوائك فلن تعيش». و»لقد ذقت حتى الحنظل وأكلت البقل المرّ، فلم أجد ما هو أكثر مرارة من الفقر». و»الإناء الصالح يحفظ الكلمة في داخله، والمكسور يتركها تتسرّب إلى الخارج». و»لا تتخاصم مع مَن هو أكثر احتراماً منك». و»لا تكن كبير الحلاوة لئلا يبتلعوك، ولا تكن شديد المرارة لئلا يبصقوك». و»يا ولدي، أفضل للمرء أن ينقل الحجارة مع رجل حكيم من أن يشرب الخمر مع رجل أحمق». و»يا ولدي عندما يكون لك حذاء في قدميك قُم بدوس الأشواك لتفتح طريقاً لأبنائك وأبناء أبنائك». و»يا ولدي لا تقترب من امرأة كثيرة الهمس، ولا مِن التي يكون صوتها عالياً».

هذا موجز لجانب واحد مما تحويه ذخيرة العقل في سورية والمشرق، عدا عما اشتملت عليه الأساطير والملاحم عبر التاريخ من قيم مجتمعية إنسانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى