تغيّر المزاج يا دولة الرئيس
ريمون ميشال هنود
بما أنّ الشخصيات القوميّة في لبنان تؤيّد بشدّةٍ سلاح المقاومة الذي يتصدّى لأخطر كيان استيطاني دمويّ توسّعي على وجه المستديرة، لأنّها من أركان البيت المقاوم في لبنان، وقد سبق لآبائها أن خاضوا غمار التصدّي للمشروع الأميركي الصهيوني، في خمسينيات وستينيات القرن الغابر في معترك النضال جنباً الى جنب مع مصر جمال عبد الناصر، ولأنّها من أركان فريق الثامن من آذار 2006 الذي قال شكراً لسورية ولجيشها الأبي، على تقديمه آلاف الشهداء في لبنان، من أجل توحيد جيشه ومنع مشروع التقسيم فيه من بلوغ شاطئ نجاحه، وأمانه ونظراً لنجاحها الفائق في تغيير المزاج الشعبيّ في مدن بيروت وصيدا وطرابلس ومنطقة المنية الضنية وبعض مناطق البقاع، وإقدام الذين استفاقوا من سبات تضليلهم العميق على الاقتراع لها وايصالها الى مقاعد البرلمان، يحق لحزب الله تأييد المطالبة بتمثيل هؤلاء في الحكومة العتيدة، لتحصين خط المقاومة في الداخل، في ظلّ العقوبات الإقتصاديّة المفروضة عليه من قبل الإدارة الأميركية، علماً أنّ المزيد من العقوبات في طريقه إلى إبصار النور والدخول حيّز التنفيذ. ومن جهة ثانية، يُعتبر موقف حزب الله هذا محقاً بامتياز لأنّ أعداد مناصريه والناخبين المؤيّدين لشرعيّة سلاحه المقاوم إلى ازدياد في قلب صيدا وبيروت وطرابلس والضنيّة وبعض مناطق البقاع.
وتهدف واشنطن من خلال فرض تلك العقوبات، الى تضييق الخناق على الاقتصاد اللبناني النازف أساساً، بفعل سياسات الإفقار والتجويع التي بدأ قطارها المرعب بالسير عام 1992 وتعميق جراحه، لجعل نسبة البطالة في لبنان ترتفع الى درجة جنونيّة لم يسبق لها مثيل، وجعل أسعار المحروقات والمواد الغذائية ترتفع إلى حدّ لم يعهده المواطن اللبناني، وجعل سعر الدولار الأميركي يرتفع كما ارتفع في أواخر الثمانينات وصولاً إلى العام 1992، وكلّ ذلك من أجل نزع سلاح حزب الله عبر حرب اقتصاديّة ضروس تسفر عن حدوث موجات احتجاج شعبيّة عارمة متواصلة تجبره على نزع سلاحه، ويعقب ذلك فك الحصار الاقتصادي عن لبنان.
وتعتبر الولايات المتحدة أنّ تلك الحرب الاقتصادية التي تشنّها على لبنان وعلى حزب الله هي الخيار الأخير المتبقي لديها لنزع سلاح الحزب بعدما فشل المشروع الأميركي الصهيوني مراراً بتحقيق أهدافه بكلّ الوسائل والأطر السياسية والعسكرية.
من هنا، المطلوب من الرئيس سعد الحريري الالتزام بنتائج الانتخابات النيابية وإعطاء مقعد وزاريّ سنّي لأبناء البيت المقاوم، لأنّ المزاج الشعبي في مناطق نفوذ تياره تغيّر، ما يحتِّم عليه الإقرار والاعتراف بأنّه لم يعد بمقدوره التصرّف على أساس أنّ تياره، ما زال ممتلكاً، لنفس القوّة الشعبيّة التي منحته ثقتها في دورتي العامين 2005 و2009، علماً أنّ القانون الانتخابي آنذاك كان يعتمد نظام الاقتراع الأكثري.
لا شكّ أنّ المعضلة الكبيرة، تكمن حالياً بعدم قدرة النظام الملكي السعودي وتيار المستقبل المدعوم من قبله، على استيعاب صدمة خسارة رهانهما على سقوط نظام عاصمة المقاومة العربيّة دمشق، وقيام نظام موالٍ للمشروع الأميركي الصهيوني منتج ومخرج صفقة القرن، القاضية بتصفية القضيّة الفلسطينيّة تصفيةً نهائية، على أنقاضه، يوقف دعم المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلّة، ويقوم بعزل إيران تمهيداً لإسقاط نظامها المقاوم صاحب البرنامج النووي المرعب لإعادتها إلى عصر الشاه، محمد رضا بهلوي الذي كان يوالي السياسات الأميركيّة الصهيونيّة والأحلاف الإمبرياليّة.
ولأنّ المؤامرة الأميركية مستمرّة على لبنان، والصراع مع المشروع الأميركي الصهيوني ما زال طويلاً، فإنّ السياسة السعوديّة ستبقى توعز الى الرئيس سعد الحريري، بالاستمرار في رفضه التنازل من حصّته الوزاريّة عن مقعدٍ تشغله إحدى الشخصيّات الوطنيّة والقوميّة والعربيّة الداعمة لمشروع المقاومة في لبنان وسورية وفلسطين المحتلّة إلى حين معرفة نتائج الحرب الأميركية الاقتصادية على لبنان وحزب الله. ولأنّ صراع السعودية مع القوميين العرب ليس وليد هذه الساعة، إنّما يعود الى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم عندما شنَّت السياسة السعوديّة آنذاك حرباً شعواء ضدّ مشروع الوحدة العربيّة الذي نادى به الرئيس جمال عبد الناصر، ولأنّ من عادوا إلى صحوتهم المجيدة، ونتيجة عودة الذاكرة بهم الى الحرب السعوديّة على الرئيس عبد الناصر، اقتنعوا في نهاية المطاف بأنّ التحجّج السعودي القائل بأنّ الثقافة الفارسيّة ستغزو الأقطار العربيّة، لبناء الهلال الشيعي الفارسي على أنقاضها وأطلالها، تحجُّجٌ في غير محلّه ولا يمتّ الى الواقع بصلة، لأنّهم تأكّدوا أنّ قلوب حكام السعوديّة ملآنة بالعدائيّة حيال كلّ من يقاوم المشروع الأميركي الصهيوني، سواء أكانت هويّة المقاوم عربيّة أو فارسيّة أو روسيّة أو فنزويليّة، والدليل أنّ الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن شيعياً من إيران بل كان عربياً مصرياً سنياً لا طائفياً، والذين عبّروا عن قناعتهم تلك من خلال اقتراعهم للوائح القوميين العرب، حصّنوا تلك القناعة، بالتأكيد النهائي على أنّ السياسة السعوديّة، تعيش حالة قلق شديد من استمرار نجاح المقاومة في تحقيق الانتصارات المتتالية على المؤامرات الأميركية الصهيونيّة التي تستهدف دول الممانعة العربيّة، وشعورها بأنّ ذلك سيؤدّي لاحقاً إلى إفساد الزيجة المارونيّة التي لا طلاق فيها بين الذهب الأسود الخليجي والدولار الأميركي.
لقد تغيّر المزاج يا دولة الرئيس لأنّ الكثيرين اقتنعوا بأنّ من له المصلحة العليا في اغتيال الرئيس رفيق الحريري هما واشنطن وتل أبيب، وهدفهما من ذلك هو تنفيذ وصيّة وزير الخارجيّة الأميركي الأسبق جون فوستر دالاس القاضية بإشعال حربٍ سنيّة شيعيّة في كلّ الأقطار العربيّة، بهدف تقسيمها الى دويلاتٍ طائفية، لإراحة الكيان الصهيوني ونهب ثروات ومقدرات العالم العربي.
لقد تغيّر المزاج يا دولة الرئيس لأنّ الكثيرين اقتنعوا بأنّ سياسة الوعود بالبحبوحة التي أطاحت بحكومة محبوب الفقراء في الشمال المغفور له الرئيس عمر كرامي، عبر انتفاضة دواليب خُطّط لها في أقبية الدول الحليفة لواشنطن، لم يرَ منها الفقراء «الأغلبية الساحقة» في لبنان إلاّ المزيد من البطالة عقب اضمحلال الطبقة الوسطى من الوجود بعدما نُحرت من خاصرتها على يد تلك السياسات، والفقير لم يعد بمقدوره أن يأكل ليعيش، وأن يعيش ليأكل ويتزوّج شريكة حياته ويُنجب ثمرة الحب فلذات أكباد الحياة ونور عينيها.