أوراق اعتماد…
د. شهناز صبحي فاكوش
كان الاصطفاف فيه شيءٌ من الحياء، كذاك الذي كان ينتاب بعض المواطنين العرب الذين اضطروا إلى الوقوف أمام كوى المؤسسات الاستهلاكية في بدايات نشوئها في الأقطار العربية. على أنها للفقراء فقط، مما يدعوهم إلى الخجل بكشف أنفسهم…
ذات المظهر تقنّع به محاولاً إخفاء ما يبطنه حكام بعض الأقطار العربية. الذين قدموا أوراق اعتمادهم لأميركا، وقبلاً لبعض دول الغرب الاستعمارية تاريخياً. التي امتثلوا في ما بعد معها للعمل كأي مكتب في الإدارة الأميركية، طيّعين في تنفيذ ما تودِعُهم من أوامر بدقة متناهية.
يتخفّون… يزايدون بالعروبة ومصلحة الشعب العربي في المحافل القومية. لكن الكثير من أفعالهم تكشف مدى تورطهم، يحملون هوية دولهم حكّاماً، مع أنهم في الحقيقة مجرد أدوات لدى مشغليهم. ينفذون تعليماتهم حتى لو أضرّت الشعب العربي برمته في العموم، أو شعوبهم خاصة من دون أن يتصبّب منهم الخجل.
اليوم مع الأسف حتى نقطة الحياء التي كانوا يتلطّون خلفها جفّت من وجوههم. أصبحت المجاهرة بضلوعهم وتورطهم ارتباطاً بعجلة الغرب، مدعاة فخر وتباه… غير عابئين بدورة عجلة البغي على أجسادهم، عندما تنتهي أدوارهم، والأمثلة حاضرة. غير بعيدة عن الذاكرة الجمعية.
كان الرائد في هذا التباهي وعرّابه، ملك الأردن حسين. مصحّحاً في لقاء معه أنّ علاقته مع الكيان الصهيوني، عمرها أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً وليس خمسة عشر. قالها والضحكة تشق فاهه حتى أذنيه.
مشهدٌ لم أستطع محوه من ذاكرتي ولا حتى تناسيه أو التغاضي عنه. لأنه طعنني في الصميم مثل الكثيرين الذين يعتزون بعروبتهم. ولا يمكنهم نسيان عدوّ اغتصب أرضهم وقتل أبناءهم، وشرّد الكثير من أهل هذه الأرض… مضطهداً من بقي فيها.
هؤلاء الذين قدموا أوراق اعتمادهم لأعداء أمتهم… ها هم اليوم يسفرون عن وجوههم وهم يشاركون في اغتيال الشعب السوري! من دون أي حرج!! مرة بدسّ الإرهابيين في الأرض السورية، وأخرى بالإعلان عن توريد السلاح إليهم وتدريبهم، وثالثة بفتح الزنازين لمجرمي بلادهم للجهاد فيها. في محاولة لتفتيت الجغرافية والديموغرافية.
أما التحريض بتسخير مدّعي الافتاء، لتصدير فتاوى لا تجد للإسلام الحنيف سبيلاً، وقوننة محاكمة العائدين منهم لبلاده، جميعها دعوة للقتال والقتل أكثر حتى الموت.
ناهيك عن احتضان خائني سورية، من زار الكيان الصهيوني أو من يستدعي التدخل الاستعماري ضدّ بلاده وأهله، وبارك غارات «إسرائيل» على بلاده سورية، تحت عنوان «المعارضة المعتدلة».
مهما روّج من يمثل عباءة الوهابية مطبّلين لهذه الأعداد المعارضة بتفخيمهم، فلن يجدوا لدى السوريين الذين تأسّوا منهم قبولاً، حتى لو زيّنتهم مليارات الدولارات.
كلّ الداعمين هم موظفون لدى الإدارة الأميركية، ولكن في الدرجة الثالثة كما اليهود العرب في الكيان الصهيوني داخل فلسطين المحتلة. الدرجات الأُوَل يتقلّدها القادمون من دول الاستعمار الغربي… لن تجعلهم في المقدمة مشاركتهم في الاصطفاف ضمن الطابور عند المشغل أبناء العم سام. حتى لو كان العنوان الحرب ضدّ الإرهاب.
أما ما يحزّ في النفس أنّ من يعاني مثلنا من الإرهاب، وذاق بعضاً من مرارته يضع يده بيد الوهابيين لأجل حفنة من… وهو يعلم تماماً ضلوعهم في قتل الشعب السوري. ألا تتساءلون يا أنتم لمَ يقفون ضدّ الإرهاب في بلادكم ويدعمونه في سورية.
السؤال كبير، ويُظهر للبصير والمبصر كم هو حجم المؤامرة في ازدواجية المعايير. يعلنون تحالفهم ضدّ الإرهاب ويضربون الشعب العربي في صميم الأرض العربية وخير الأمثلة الحاضرة ضرب ليبيا مِنْ قبل قطر.
ها هم اليوم يتحالفون مع أميركا بحجة ضرب الإرهابيين ما يدعى بداعش المنتج الأميركي الأكثر توحشاً، ليس لهم خيار في دخول التحالف، إنهم عود الثقاب الذي لا يملك بيد حامله إلا أن ينتظر لحظة اشتعاله.
من عابوا على سورية القول إنها تُضْرب بمؤامرة كبرى، تستهدف الدولة في بناها الأساسية والشعب معاً. شركاء في سفك الدم السوري… يحملون وزر دمائه إلى يوم الدين. مرتبطون بالقتلة… وجوههم سافرة صفيقة طلّقت الحياء من زمن بعيد.
لِمَ تجرفون أنفسكم في سيل زمرتهم… تهيّبوا أيها الأشقاء زمجرة شعوبكم حيث تسكن سورية وجدانهم وذواكرهم. بماذا يمكنكم مواجهة الشعب السوري الذي طوال أزمته كان ينتظر منكم موقفاً حاسماً، إنْ باتجاه وقف تسليح الجماعات الإرهابية القاتلة المُهجِّرة للشعب السوري، أو منع تدنيسها للأرض السورية؟
أما موقف المطالبة برفع العقوبات الاقتصادية الجائرة أمام المحافل الدولية التي تؤثر سلباً على حياة المواطن، أمر انتظره السوريون من أشقائهم من دون جدوى بل كانوا جزءاً من معاناتهم مع الأسف. ما خيّب أمله بالأشقاء. حيث تباينت المواقف بين النأي بالنفس، والصمت، وعدم التصديق بالمؤامرة رغم امتداد أذرع الأخطبوط الإرهابي إلى خارج الجغرافيا السورية. خاصة بعد تعدّد أسمائه وأجناس منفذيه.
هل يُعقَل أن لا يربط السياسيون المفوّهون والمثقفون، بين ما يحدث في سورية وما يصرّح به نتنياهو، الذي أسفر عن دوره بأنه جزء لا يتجزأ من المتحالفين لضرب سورية، باحتضانه للإرهابيين، وعلاجهم في مشافيه الميدانية المقامة لأجلهم. وتفقده إياهم والأسلحة المتدفقة منه التي عثر عليها في الأراضي السورية.
كلُّ من حمل السلاح ضدّ أهله وأبناء وطنه مغرّراً به، ثمّ شاهد وسمع الدعم الصهيوني للمسلحين ضدّ وطنه. إنْ كان في وجهه قطرة من ماء النخوة، رمى سلاحه ودافع عن بلده، أو قتل نفسه ثأراً لشرف الوطن.
أما من سيظلّ في مواجهة وطنه وأبناء شعبه، أين ستضع نفسك يا هذا؟ يوم ينتصر الوطن على أعدائه، وتبقى أنت في تعدادهم.
كلّ ما يحدث اليوم على الساحة السورية يصبّ في خانة ضرب المقاومة العربية، المدافعة عن كينونة العرب وهويتهم وكرامتهم. والمشروع القومي الأساس للشعب العربي، في مواجهة المشروع الصهيوني الساعي إلى تفتيت الأمة، وتصفية القضية الفلسطينية، التي أعلن نتنياهو نسفها بصفاقة المنطوق العدائي.
الجميع يعلم تماماً أنها البوصلة في العمل القومي العربي التي لا تضيّعها سورية.
لأجل هذا وليس لغيره يسعى المتآمرون شركاء الصهاينة، لتفتيت الدولة السورية باستغلال ما يُسمّى المعارضة المتشظية حسب ارتباطها بداعميها. وإحياء جبهة النصرة وتدريبها ومدّها بالسلاح النوعي، على أنها «المعارضة المعتدلة»، والسعي إلى شطبها من قائمة الإرهاب. وهم يعلمون تماماً أنها صنيعتهم والجناح الثاني لأنصار بيت المقدس التي تضرب اليوم في مصر. وأنّ المحرك الأساس لها الكيان الصهيوني وهما بنتان شرعيتان لـ«القاعدة» مولودة الاستخبارات الأميركية.
إنّ «داعش» وأخواتها جميعاً من ذاك الجذر الآسن لتلك الشجرة الخبيثة، التي لا تطرح إلا الموت والخراب والدمار، تنفيذاً لأوامر أصحاب المشاريع الهدامة… هذا الذي ينفذونه اليوم في سورية والعراق ويمتدّ إلى لبنان ومصر. ثم إلى أين؟
لا بدّ من استفاقة كلّ المضلّلين، ألم يسمعوا كمال اللبواني وهو يصرّح من اسطنبول أنّ أميركا تطرح الفدرالية في سورية على أساس طائفي… وليس جغرافي كما في أميركا. ثم يُشفع تصريحه بزيارة «إسرائيل» مباركاً بلفور قبل ما يقارب المائة عام.
للغافلين نقول تبصّروا… المؤامرة هدفها تقسيم سورية والذريعة تغيير النظام. ألا نتذكر كونداليزا رايس عندما أعلنت مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد والرفض السوري الواضح والعلني. بعدها صرحت أنّ مشروعها لا يمكن له النجاح إلا بفتنة دينية مذهبية، تجتاح الأمة العربية، لضرب الإسلام الذي تخشى قوّته…
مع الأسف والمؤلم أنها وجدت من قدّموا أوراق اعتمادهم لدى إدارتها، مطيّة طيّعة لإنجاز مشروعها، حتى تحوّلوا أدوات وذيولاً لها داخل ساحات البلاد العربية بنسب متفاوتة، حسب مقتضى الحال بالنسبة لأمن «إسرائيل».
السوريون جيشاً وشعباً… دولة وأحزاباً… لمشروع التقسيم بالمرصاد. وليذهب إلى مقبرة التاريخ كلّ الزمر التي تحاول النيل من الشعب السوري في أصغر مكوناته. ولا يزال للحديث بقية…