مؤسسة «أحفاد عشتار» تنظم في دمشق ندوة عن «دور الإعلام في الحرب على سورية» لا يجب التواضع في وصف الانتصار… والتحدي الأكبر اليوم هو ربح معركة البناء

لورا محمود

للإعلام دور خطير في حياة الشعوب، خاصة في زمن الحرب وقد أدركت المؤسسات الإعلامية الغربية أهميته فبنت إمبراطوريات مدعومة مالياً وقادرة على القيام بجميع المهام الموكلة إليها، واستخدمت الإعلام في تغيير الرأي العام وإسقاط ا نظمة وخلق الفتن الطائفية وإدراج مصطلح القمع والحريات المرتبطة بأشخاص بعينهم، ففي حال أُسقط هذا الشخص ستحصل الشعوب على حريتها فقامت حروب ودُمّرت بلدان كثيرة بسبب التوجه المدروس للإعلام، خاصة في عالمنا العربي تحت مسمّى «الربيع العربي» بداية بتونس وانتهاء بسورية التي كانت استثناء، فبالرغم من الدماء التي سُفكت والدمار الذي حصل فشل الإعلام الغربي في تحقيق حملاته الإعلامية المضلّلة.

في هذا السياق، تحدث المشاركون في الندوة التي نظمتها مؤسسة «أحفاد عشتار» بعنوان «دور الإعلام في الحرب على سورية» في فندق الشام ـ دمشق.

كذبة الكيميائي

وتضمّنت الندوة عرضاً لفيلم وثائقي حول الادّعاءات الغربية بما يخصّ السلاح الكيميائي وكيف تمّ استخدام هذا الملف وفبركة الصور والفيديوات بهدف خلق مبرّرات للعدوان على سورية. كما تطرق الفيلم إلى بعض المفاصل الأساسية في عمليات التضليل الإعلامي، وقد حضرت الندوة نخبة من الإعلاميين من سورية ولبنان وبلجيكا وفرنسا.

ميداني

ولفتت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة أحفاد عشتار الدكتورة أيسر ميداني إلى أنّ الإعلام الوطني في فترة الأزمة اتسم بالجرأة واستطاع أن يكشف التضليل الإعلامي المفبرك الذي حاولت من خلاله وسائل الإعلام في الدول الشريكة في الحرب على سورية النيل من صمود السوريين والتأثير على الرأي العام العالمي حول ما يجري من أحداث في سورية، مؤكدة أهمية التدريب والتأهيل للكوادر الإعلامية والاستفادة من التجربة التي مرّ بها الإعلام إلى جانب التحصين الفكري والثقافي والسياسي.

كولون

وتحدث الصحافي والكاتب البلجيكي ميشيل كولون عن خمسة مبادئ وضعها للتضليل الإعلامي: المبدأ الأول هو الفائدة الاقتصادية وهذا ينطبق على أي حرب، لذا يجب أن نتساءل دائماً هل من افتعلوا الحروب جاؤوا وحدثونا عن أطماعهم؟ بالطبع لا ففي سورية كانت الحرب للحصول على الثروات الموجودة فيها من نفط وغاز .

أما الثاني فهو التضليل في ميدان التاريخ، ذلك أنّ الاستعماريين قسموا البلدان كسورية ليسيطروا على المنطقة وهذا لا يعلن عنه في إعلامنا الغربي ولا يتحدثون عن التاريخ فأميركا وفرنسا تصبّان الزيت على النار.

أما المبدأ الثالث، بحسب كولون، فهو إظهار الرئيس أو القائد على أنه شيطان وأن هذا الشخص هو المشكلة فعلينا القضاء عليه والإطاحة به.

وأضاف: عندما كنت في فنزويلا وقرّر هوغو شافيز رئيس فنزويلا، في حينه، أن لا تذهب أموال البترول إلى اأغنياء بل إلى الشعب والحكومة الفنزويلية قرروا إظهاره على أنه شرير وحاربوه.

المبدأ الرابع هو تغيير مفهوم المعتدي والمعتدى عليه. ففي الصحافة الأوروبية عندما يتحدثون عن فلسطين يظهرون أنّ «إسرائيل» مظلومة ومعتدى عليها والحقيقة غير ذلك وهم يعرفونها ولا يظهرونها كي لا يُقال إنهم مخادعون ولي كتاب عن إسرائيل نُشر في 2010 وبسببه طاردني الصهاينة ومنعوني من الظهور على التلفزيون البلجيكي.

وأخيراً المبدأ الخامس هو احتكار الإعلام ومنع الحوار، ففي العادة، هناك رأيان مختلفان بينما في الغرب نسمع رأياً واحد وهذه الاستراتيجية في التضليل طُبقت في الصحافة. ففي بلادي يتم إخفاء المعتدين ولا يتحدثون عنهم أو عمّن سلحهم ومولهم. عندما كنت في البوسنة وكوسوفو استخدموا إرهابيي القاعدة لجعل الناس يتقاتلون فيما بينهم واستخدموا أسامة بن لادن ضد روسيا.

وتابع كولون: في ليبيا تحالف الناتو مع القاعدة ولم أكن في حاجة إلى كثير من البحث لأنّ ذلك كان موجوداً في تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية سي آي إي . كانوا يريدون محاربة القذافي منذ أن قام بتوزيع أموال البترول على الشعب الليبي وكان مدعوماً من قبل شعبه لذلك عملوا على تصفيته وأميركا استخدمت القاعدة لهذا الهدف واستخدمتها أيضاً في سورية وأرسلوا إليها إرهابيين.

ولفت كولون إلى أنّ الشعوب في فرنسا وأوروبا عموماً هي ضحية الإعلام الكاذب، ففي أوروبا يعتبرونني متآمراً عندما أقول الحقيقة لذلك سأنشر، في وقت قريب، كتاباً بعنوان «الولايات المتحدة الشواهد المئة الأسوأ في العالم» أقدم فيه وثائق وتسريبات تظهر أنهم اعتدوا على كل بلد بهدف سرقته ونهب ثرواته.

وختاماً، أكد كولون أنّ من المهم أن نناضل معاً من أجل أن نوصل الفكرة الصحيحة من خلال الإعلام وأن نتبادل الأفكار ونطلع على كلّ ما يقال فهم يقولون إنهم يحاربون هذا البلد من أجل حقوق الإنسان ونحن في الغرب ليس لدينا حقوق إنسان لذا لا بد من أن نطور أسلوب عملنا خاصة في الإعلام.

موريللي

بدورها، عبّرت الباحثة والكاتبة الإيطالية فيدريكا موريللي عن مدى سعادتها وفخرها كونها تزور سورية وتمضي وقتها بين السوريين الذين رأت فيهم حبّهم ورغبتهم بالحياة بالرغم من مرارة السنين السبع الماضية.

وتوجهت موريللي بالشكر إلى «الشعب السوري وكلّ من هو صادق في البرلمان الأوروبي». وقالت: «لقد عشت زمناً في أوروبا، وهذه المرة الأولى التي أزور فيها سورية وعندما أعود سأحدثهم عن هذا البلد الرائع، خصوصاً عائلتي التي كانت تخشى عليّ كثيراً من هذه الزيارة بسبب الهجمات الإرهابية والأخبار الملفقة والمبالَغ فيها حول سورية وحول قيادتها التي صوّرها الإعلام بالدكتاتورية التي تدمّر وتقمع شعبها فالتضليل الإعلامي الكبير الذي تعرضت له سورية، أخذ أفقاً واسعاً في إخفائه للحقائق والتاريخ.

وأشارت موريللي إلى أنّ الاتحاد الأوروبي لا يوفر لنا الحرية في نشر كلمتنا وفي التعبير عن رأينا ونتعرّض بشكل دائم للاضطهاد ونواجه حرباً ضدّ ما نقوم به في مواجهة التضليل الإعلامي الذي ينتهجه الغرب وأصبح أمراً مألوفا بالنسبة إلينا أن نُمنع من نشر كتب أو مقالات وإلغاء ندوات أو مؤتمرات لكننا سنبقى على الدرب من أجل إيصال الكلمة وحق الشعوب».

نعمة

وفي حديث لـ «البناء» قال رئيس تحرير مجلة «أفريقيا آسيا» الفرنسية المختصة بالعلاقات الدولية ماجد نعمة «إنّ انتصار الشعب السوري وصموده جعلا القوى الدولية تحسب حساباً لسورية»، مشيراً إلى أنّ «التحالف مع روسيا له دور كبير بذلك لأنّ روسيا تعرف أنّ معركة سورية هي معركتها لأنهم في حال استطاعوا أن يهزموا سورية فهم سينتقلون إلى العراق ثم إيران وبعدها روسيا فهي مستهدفة كسورية، لذلك فإنّ انتصار سورية الاستراتيجي الحاسم غير الكثير من المعادلات الدولية وأصبح الصراع عالمياً حولها وهذا الانتصار غيّر كلّ المعطيات والمراهنات، بعد أن كانوا يزعمون أنهم يستطيعون هزيمة سورية خلال شهرين أو ثلاثة كأقصى حدّ، لكنّ الجميع رحل وبقيت سورية، ولا يجب التواضع في وصف انتصار سورية فهو انتصار ملحمي رغم الثمن الغالي الذي دفعناه لكنّ التحدي الأكبر أمامنا اليوم هو أن نربح معركة البناء وهذا أيضاً ليس بالأمر السهل».

وعن كيفية خروج أميركا من الشمال السوري، لفت نعمة إلى «أنّ لدى سورية أوراقاً لا يستهان بها وهي لم تستخدمها إلى اليوم وأميركا تدرك ذلك فعندما تقرر سورية استعادة كل أراضيها، سواء بالطريقة العسكرية أو السياسية، فهي قادرة لكنها دائماً ترجح الطريقة السلمية حرصاً على سفك الدم السوري».

وتابع نعمة: «من الأفضل لأميركا أن تخرج بالسياسية لتحفظ ماء وجهها، واليوم في إدلب الفصائل المسلحة تقوم بتصفية نفسها وهذا يخدم سورية وجيشها».

ورأى نعمة أنّ الوضع الإعلامي اليوم في سورية أفضل من قبل أيّ قبل ثماني سنوات مضت والدليل أنّ الأوروبيين منعوا الإعلام السوري من المجيء إلى أوروبا فهم يخافون الحقيقة التي يقولها سواء الإعلام السوري أو الإعلام العربي المقاوم كقناة «المنار» مثلاً. ففي فرنسا هناك مؤتمرات وقد منعوها عندما عرفوا أنها ستنقل ما يجري في سورية، وهناك كفاءات في الإعلام السوري لا يُستهان بها وعلى كلّ صحافي متابعة كلّ ما يجري وأن يعرف كلّ ما يقوم به العدو، وهذه نصيحة لكلّ صحافي بأن تكون لديه ثقافة واسعة ومعرفة بكلّ المعطيات، والسوريون متفوّقون في مختلف المجالات في الإعلام والسينما، ومن المهمّ أن يكون هناك أفلام وثائقية توضح ما جرى في سورية، فهناك معلومات يجب أن يعرفها الرأي العام العالمي، ففي بداية الأزمة تمّ تسليح المتظاهرين ورفع السلاح ضدّ الجيش والقوى الأمنية في كلّ مكان في سورية، وعلى الصحافيين السوريين أنفسهم التحقيق في كلّ ما جرى».

زحلاوي

وكانت مداخلة للأب الياس زحلاوي قال فيها: «نحن في عالم فقد كلّ قيمة ولا يذكر قيمة الإنسان. هناك فقط أصوات فردية كما شاهدنا وسمعنا من خلال هذه الندوة، ولكن لا بدّ من وجود أصوات مسؤولة على مستوى العالم وأنا أرى صوتين جديرين بأن يُسمعا اليوم، الصوت الأول هو صوت العالم الإسلامي لكنّ العالم الإسلامي اليوم شوّهت صورته وشوّه واقعه وشرّدت شعوبه وقُلّبت على بعضها البعض، ويؤسفني أن أقول إنّ أصوات مشايخه كانت في الغالب تدعو إلى تدمير الإنسان لكن في سورية كان هناك صوت رائع هو صوت المفتي الشيخ أحمد بدر الدين حسون لكن وكما يقال الوروار الواحد لا يصنع الربيع لذا أتمنى على المسلمين أن يرفعوا أصواتهم ويحركوا شيوخهم ليتذكّروا أولاً الحقائق التاريخية التي لا يجوز لأحد أن يجهلها لا في الشرق ولا في الغرب.

وأضاف زحلاوي: في دمشق كان المسلمون والمسيحيون يصلون في مكان واحد وهو مسجد بني أمية الكبير وظلوا سبعين عاماً يصلون في مكان واحد، ولذلك رُسّخت في سورية أسُس العيش الواحد منذ ذلك الحين وامتدّ هذا النمط من التعامل بين المسلمين الفاتحين وسكان هذه المناطق إلى القدس ثم إلى مصر ثم إلى الأندلس.

ولفت زحلاوي إلى أنّ المؤرّخين اليهود، على اختلاف انتماءاتهم، يعترفون بأنّ عهد الأمويين في الأندلس كان العصر الذهبي لليهود وهذه حقيقة لا بدّ أن نتذكرها ونذكر بها كلّ إنسان، لا سيما المسؤولين في نطاق العالم الإسلامي.

وتابع زحلاوي: أنا كاهن أؤمن بيسوع المسيح وبأنّ يسوع المسيح هو كلمة الله الذي مات حباً بالإنسان على الصليب، وليس هناك حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه فداء لأحبائه، هكذا أحبّ الله العالم حتى أنه بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك كلّ من يؤمن به، هذا الحب نحن في حاجة إليه اليوم في الوقت الذي يوجد فيه تدمير وقتل وتشريد لمئات الآلاف من الناس».

وأشار زحلاوي إلى أنّ ما حصل في سورية ليس استثناء لكنه استثناء في الهمجية التي امتدّت على نطاق العالم كله قبل فلسطين وبعدها، لذا يتوجب على المسؤولين في العالم أن يتذكروا قيمة الإنسان وقيمة الشعوب وتوزيع خيرات الأرض على تلك الشعوب بدل احتكارها في يد قلة قليلة تتحكم بمصائر الشعوب.

وقال: أنا ككاهن أقول إنّ هذا واجب على الكنيسة أن تقوم به، وللأسف الكنيسة لا تقوم بذلك، لذا بدأت منذ خمسة وأربعين عاماً أكتب رسائل لكبار المسؤولين في الغرب وكنت كلما أسافر اجتهد لكي ألتقي بعض المسؤولين والتقيتُ ذات يوم قبل الحرب على العراق بخمسة أشهر مع كاردينال باريس المطران جون ماري لوستيجه، وهو اليهودي الأصل، وطلبت منه أن يكون صوتاً يذكر باليهود الأصليين وبأنّ العنف الذي ينتهج في فلسطين سوف يبتلعهم عاجلاً أم آجلاً، فأجابني بما يشبه البوح: «لم يكلمني أحد على هذا النحو» كرّرها لي مرتين وعندما عدت إلى دمشق كتبتُ له أذكره بوجوب رفع الصوت، لكنه لم يردّ على رسالتي، إلا أنني تابعت كتابة الرسائل وطالبت الباباوات المختلفين من يوحنا بولس الثاني إلى البابا الحالي فرنسوا بضرورة الانسجام مع الإنجيل الذي يقرأونه ويتلونه في القداس كلّ يوم.

سعادة

ورداً على سؤال «البناء» حول تغيّر المزاج الغربي في كلّ ما يتعلق بسورية، أجابت عضو مجلس الشعب السوري ماريا سعادة: لم يتغيّر الغرب بإرادته بل بسبب انتصار سورية وحلفائها، والغرب أو أوروبا تابع للولايات المتحدة الأميركية التي تملي عليها كلّ الأوامر والقرارات التي تريد أن تتخذها أو تصرّح بها، وأول خطوة كان فيها صفعة لأوروبا وللغرب هي الانتخابات الرئاسية عام 2014 عندما شاهدوا نتائج الانتخابات السورية وازدحام السوريين في الداخل والخارج للتصويت للرئيس بشار الأسد. كانت صفعة للأوروبيين وللإعلام الذي كان يكذب بأنّ الشعب ضدّ الرئيس، وهنا شعروا بأنه لا يوجد مخرج، وهم مجبرون على قبول الرئيس بشار الأسد ونظامه.

وأضافت سعادة: إنّ التدخل العسكري للحلفاء بقوة في ما بعد، خاصة روسيا، فرض معادلات أخرى وبالتالي هم كانوا مضطرين لقبول الأمر الواقع والآن المفاوضات تتمحور حول الحصص وكيفية الحصول عليها، لذلك نراهم تارة يرفعون السقف وتارة يخفضونه فهم مكرهون على الاعتراف بسيادة سورية والرئيس بشار الأسد، ومجبرون على احترام الدولة السورية، ويحاولون حالياً خوض معركة سياسية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، لكنهم أصبحوا مختلفين في ما بينهم كسياسات وحكومات وكشعوب، فالشعوب لم تعد قادرة على دعم الحكومات بسبب الكذب وهذا سيؤدّي إلى بلبلة في الأحزاب السياسية وبين الدول الأوروبية نفسها سواء في المواقف السياسية أو في العلاقات لاقتصادية.

وورأت سعادة أنّ الاتحاد الأوروبي سينهار ليس لأنه ضعيف بل بسبب اختلاف مصالح الدول، وسوف تكون المواقف إما مع الولايات المتحدة الأميركية أو مع روسيا لذلك فإنّ المصالح الاقتصادية هنا ستلعب الدور الأكبر وبالتالي سيشكل تحديد كلّ دولة لمصالحها الحقيقية بداية الانهيار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى