رسائل الداخل من حزب الله إلى المعنيين إقليمياً
روزانا رمّال
كاد يكون خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في يوم الشهيد خطاباً لم يلقِ مثيلاً له على صعيد السياسة المحلية، والحسابات التي لم يفضل الحزب الغوص فيها لسنوات طويلة وفي أكثر المحطات سوءاً وحساسية، خصوصاً بما يتعلق في مرحلة التشدّد والتطرف «العقائدي» الذي نثرته ايديولوجيات المنظمات التكفيرية مطلقة مرحلة من التعصب الطائفي غير المسبوق والذي أدّى لاحتقان سني شيعي إقليمي واضح، وأدى معها لتصعيد الخلاف الإيراني السعودي على أكثر من صعيد، ذلك على الرغم من طبيعية الانقسام كانقسام سياسي إلا ان الاجندة الغربية عملت على «تطييفه» في أكثر من مناسبة كي تزخر الحركات التكفيرية بالدوافع المطلوبة وتنفيذ المخططات الانتقامية الانقلابية.
حديث نصرالله المحلي في الشأن الحكومي ما كان ليكون بالشكل الذي جاء عليه لولا علامات عديدة تأكدت. أبرزها ما تكشف خلال الخطاب عن «اطمئنان» واضح من نصرالله باتجاه تخطي مخاطر اندلاع فتنة سنية شيعية في لبنان والمنطقة. الأمر الذي سمح له «بالتحدي» الواضح والوقوف بصلابة بوجه التمسك بحقوق حلفائه السنة من باب «الوفاء» والأحقية بدون أن يشكل هذا بالنسبة للحزب أي نوع من انواع القلق القادر على حشد الشارع السني المؤيد للحريري مثلاً باتجاه اعتبار موقف نصرالله تدخلاً او استهدافاً لواقع السنة من بوابة الزعامة الأولى، بل على العكس بدا المستقبل من جهته ملتزماً الصمت لإدراكه عدم جدوى الجدال من جهة ومن جهة ثانية حرص الحريري على عم قطع خيط الشراكة غير المباشرة مع الحزب الذي كرس انتصاراً واضحاً مع حلفائه في مجلس النواب فتضيع فرصة تشكيل حكومة يرأسها الحريري، مع العلم ان حزب الله سهل الطريق لتسميته رئيساً مكلفاً.
الأمر الثاني الأكثر بروزاً في كلام نصرالله وبعيداً عن فكرة الأحقية من عدمها بتوزير سنة خارج تيار المستقبل يتمحور حول «رسالة» مباشرة للمملكة العربية السعودية انطلاقاً من لبنان حول ضرورة التعامل مع الواقع الجديد ومفاده «نهاية» مرحلة «التفرد» في إدارة اللعبة السنية محلياً وحصر السنة بحلفاء الرياض عنوة. وهو الأمر الذي أكدته صناديق الاقتراع التي صوّتت خارج المنظومة السعودية وإذا كان هؤلاء أي «أعضاء اللقاء التشاوري» وعلى الأغلب مؤيدين او على مسافة واحدة من إيران وموقفها في المنطقة بالأعم الأغلب ما خلا بعض المواقف مثل موقف الوزير السابق عبد الرحيم مراد المتميز بما يخص الدور الايراني ودعم الحوثيين في اليمن ورفضه إياه، فإن الأكيد هو أن على السعودية التعاطي مع فكرة أن هناك في لبنان سنة مؤيدين لإيران «نعم»، وأن سياسات الأخيرة في لبنان لا تصنف طائفية كما بدا عبر سلوك حلفائها مع تأكيد حزب الله عدم تدخل طهران في هذا الاشتباك السياسي لا من قريب ولا من بعيد.
لافت أيضاً تمسك نصرالله بضرورة التواصل مع حلفائه السنة بالشكل اللائق والمحترم من قبل المفاوضين المعنيين من الخصوم. الأمر الذي يكشف طريقة تعامل حزب الله مع السنة على اساس كيانات وحلفاء لا تابعين. وهو الأمر الذي يوصل الى خلاصة أكبر تتعلق برؤية الموقف عن بعد والذي يوصل لخلاصة واحدة وهي مطالبة «الشيعة» بحقوق «السنة» ما من شأنه تلطيف الأجواء وفرد مساحة أوفى لخيارات الوحدة الإسلامية السياسية بدلاً من التطييف الذي ساد منذ بداية ثورات المنطقة عام 2011، حيث كان لحزب الله فيها الدور الأكبر في سورية وهو لا يزال يدير حركته العسكرية انطلاقاً من تطوّراتها.
المشهد السوري أرخى بظلاله على تشكيل الحكومة اللبنانية. وهو الأمر الذي أراد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الحديث عنه، لكن من بوابة أخرى بعيون نصرالله وهي أن انتصار الحزب في سورية من المفترض أن يؤسس لتبعات محلية. وبالنسبة لحزب الله، فإن هذه التبعات هي «صرف» نتائج الانتصار في مواطن سياسية تنتج للحزب حضوراً سياسياً أقوى حكومياً. الأمر الذي لم يحصل وقد عزا نصرالله ذلك لزهد حزبه زيادة عن المطلوب طيلة سنوات إلا ان الحصيلة الاخيرة التي لا يمكن تجاهلها هي انتصار خيار حزب الله في سورية وصرفه نيابياً ومعه التمسك بحفظ حقوق الحلفاء ولو طال الزمن. وهذا الأمر لم يبدأ مع السنة النواب المعنيين انما بدأ فعلياً منذ لحظة مغادرة الرئيس ميشال سليمان الحكم وتمسك حزب الله بمرشح أوحد هو ميشال عون وكان حينها قد بدأ بسلسلة إنجازات عسكرية كبرى في المحافظات السورية سقط معها الرهان على إسقاط الرئيس السوري فترجم في لبنان انتخابات رئاسية بعد تعطيل لأكثر من سنتين وهو التعطيل «الضروري» الذي يشبه التعطيل اليوم حسب الحزب.
الوفاء لفكرة التحالف مع حزب الله صارت بعد هاتين المحطتين نقطة جذب للقوى السياسية الطامحة الى تكريس حضورها ضمن لعبة المحاور. فالتحالف معه صار يعني حكماً الوضوح في النهايات بأبعد تقدير بمقابل عبثية المخارج عند القوى المتحالفة مع السعودية والغرب في لبنان بعد نتائج غير مشجعة في الانتخابات وازدواجية معايير تجاه الخط الواحد وبين هذا وذاك يكرّس حزب الله مفهوم الوفاء كمنطق سياسي أبعد ما يكون عن واقع سير الأحداث السياسية غالباً، لكنه ما كان ليتحقق بالتأكيد لولا انتصار حزب الله مع حلفائه ضمن جبهة محلية إقليمية كاملة متكاملة جعلت من خطاب نصرالله الأخير منصة لإرسال رسائل مباشرة للسعودية بشكل خاص من خلال الملف الحكومي المحلي.