سلسلة أُجراء أم شركاء

وليد زيتوني

يدور النقاش الآن حول سلسلة الرتب والرواتب، وتحديداً يتركز هذا النقاش حول مصادر تغطية المدفوعات المترتبة على الخزينة لتأمين مستلزماتها. اليوم كما التجارب السابقة يحوم البحث حول زيادة سلة الضرائب باعتبارها المصدر الوحيد لتأمين المبالغ المطلوبة. وفي هذه الحالة تأخذ الدولة باليد اليمنى ما أعطته منّة باليد اليسرى. ما يؤدي في نهاية الأمر إلى زيادة التضخم الذي يؤدّي بدوره إلى زيادة العجز المتراكم في الموازنة، كون الأموال المدفوعة تعطى من الأموال العامة، بينما المردود المقدّر يذهب هدراً أو نهباً إلى جيوب الأفراد المتسلّطين بالسياسة أو القابعين خلف الواجهة السياسية.

الحقيقة أنّ المشكلة الأساسية لا تقبع في نظام النهب الاقتصادي المتركز في أقلية تمسك بيد من حديد مفاصل هذا النظام، كما تفرض نفسها على الشريحة السياسية إذا لم تكن تلك البيوتات هي نفسها في الشأنين السياسي والاقتصادي، بل المشكلة الأساسية في النظام السياسي الذي فرضه الرأسمال الخارجي التابع للاستعمار العالمي والمتحالف مع الرأسمال المحلي القائم على الريعية أكثر من قيامه على الإنتاج.

فالنظام السياسي القائم على التقسيم والتقاسم الوظائفي الطائفي هو صنيعة الاستعمار وأدواته المحليين المرتبطين بشكل ذيلي مع الخارج الرأسمالي بكلّ آليات السوق المفروضة وغير المتكافئة بين المركز والدول التابعة. وعلى هذه القاعدة يندر أن تستطيع النقابات وأدوات الضغط الشعبية أن تؤثر بشكل مباشر على صنع القرار، لأنها بطبيعتها مجزأة ومقسّمة على عدد الولاءات الطائفية لا على أساس مصالحها المفترض أن تعمل على صونها وحمايتها. ولا تشذّ الأحزاب عن هذه القاعدة باعتبار أنّ معظمها إنْ لم نقل جميعها وجدت لحماية زعماء الطوائف بالدرجة الأولى ومصالح الطائفة بالدرجة الثانية. بالإضافة إلى كون هذه الأحزاب هي نتاج الاستعمار واستمرار له، إنما وجدت كاحتياط استراتيجي محلي لتنفيذ سياسته ومشاريعه في السيطرة والهيمنة.

إن النقاش المنحصر في الشأن الاقتصادي المحض من دون الالتفات إلى الناحية المجتمعية يتكئ على معالجات أقرب إلى معالجة الشركات الهادفة إلى الربح لا إلى رعاية العاملين لديها. وأكثر من ذلك إن المعالجات الحالية في لبنان هي أقرب إلى معالجة شركة شارفت على الإفلاس المالي تماماً كما أفلست أخلاقياً من خلال الهدر والمحسوبية والفساد المستشري في الإدارات العامة بكل أشكالها.

طبيعي أنّ مدرسة الفساد المعمّمة على القطاعات كافة هي ذهنية وهي تربية وجدت أساسها منذ بداية تكوّن الدولة الوليدة في أحضان الاستعمار، واستمرت بالتراكم عبر كلّ العهود السابقة حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. لا شك أنّ سياسة تحجيم المدخول للعامل والموظف هي سياسة مدروسة تهدف إلى إجباره لتلقّف الرشاوى، والقيام بأساليب ملتوية للحصول على كفافه المعاشي من حساب الفقراء الآخرين. بينما يتنعّم أصحاب رؤوس الأموال بخيرات البلد باعتبارهم شركاء طبيعيّين مع الخارج الذي يقوم على حمايتهم وحماية أموالهم بنفس الوقت الذي يحمي مصالحه من خلال تركيب النظام السياسي الذي يتوافق مع هذه الأهداف، حتى ولو كانت هذه الحماية مغلفة بالأشكال الديمقراطية الذي يشتريها عند الاستحقاقات الانتخابية، لإعادة إنتاج السلطة عينها.

أيها الكادحون

أيها المنتجون فكراً وصناعة وغلالاً،

أنتم أساس هذا الوطن، أنتم شركاء في هذا الوطن.

لكم الحق، كلّ الحق، أن تنعموا بثرواته، أن تعيشوا في ظلاله، أن يكون مستقبلكم ومستقبل أولادكم بين أياديكم لا في أياد ملطخة بالفساد والهدر والارتباط بالخارج.

فهل تستطيعون بناء وطن يليق بكم؟ إنّ الفرصة أمامكم.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى