بلسان لاجئ فلسطيني إلى سيد البيت الأبيض

عدنان منصور

يقولون عنك وعني،

إننا من تراب…

وأعرف وتعرف أنّ كلينا

عائد إلى تراب…

فدعني إذن أناديك… واتركني أحاكيك،

فأنت كما يصنّفون، من البشر…

وقلبك كما يزعمون، ليس من حجر…

أناديك، يا من بقايا وليمتك تكفي العشرات…

أناشدك، يا من تغتسل في مسبح قصرك،

مياهه تروي منا، مئات العطاش…

دعني أدعوك إلى كوخي الحقير،

إلى خيمتي المهترئة…

إلى ملجأي دون فراش…

بضع وقت فقط،

مما تقضيه في قاعة مكسوّة بالخمار…

دعني أعرّفك، ولو لمرة واحدة في العمر،

على رائحة الموت، وأذيقك طعم الفقر،

والظلم والبؤس، وعذاب النهار…

فأنت لا تعرف إلا البذخ والترف وروائع العطّار…

تعال معي رويداً رويداً،

إلى قبور الأحياء يسكنونها،

يتمرّغون فيها، وقد نخر عظامهم الصديد…

يرقدون عليها، ويصحون منها،

وفي رقابهم سلاسل الحديد…

تعال معي… فأنت لا تشمّ رائحة الموت،

ولا الأسيد…

فمن ترف إلى ترف،

ومن قصر تتنقل إلى قصر جديد…

دعني أناديك، فقد تسمع ندائي…

نداء الألم ينهش أحشائي…

وأنا العليل،

ليس عندي ثمن دواء لشفائي…

وأنت السليم،

تتخذ من المصحّ استراحة، ونقاهة،

دقيقة فيه، تغطّي قيمة دوائي…

أناديك، أن تتركني حراً،

أتزوّد بحرفٍ يغطّي مرارة شقائي…

أعطني فرصة، وانصفني،

واغدق عليّ الكتاب والقلم…

ولا تسلّط عليّ النار والألم…

ما ذنبي وأنا البريء المضطهد،

تحاصرني وتقتلني بالرصاص…

تعاقبني ظلماً، تحاصرني قهراً،

وتفرض عليّ القصاص…

أبحث عن عملٍ يحييني…

أطمع ببيت صغير يأويني…

وبكتاب يرويني…

يُنعش تفكيري…

يُصقلني، ولا يجعلني،

للجلادين وقوداً للسعير…

أناديك، ولا أريد منك،

إلا القليل القليل…

لا قصراً، ولا عطراً، ولا تبراً…

أناديك، وضلوعي تحفرها السياط،

وأنت راعي الجلاد…

أناديك، وقضبان المعتقل حدودي،

وأنت حامي السجّان…

أناديك، والطغاة تتدلّل على يديك…

والجناة البغاة ترمي ثقلها عليك…

تقتل، تحرق، تعذّب، تبيد،

تدمّر، تهجّر، تصادر،

ثم تستريح، وتستلقي بين راحتيك…

يا سيد البيت الأبيض…

إني أبحث عن مسقط رأسي،

عن أرضي، آوي إليها من جديد…

أستعيدها من أنياب الذئاب،

صادروها بالنار والحديد…

وكنت لهم الحامي والراعي والعرّاب…

أحرقوا شعباً بريئاً، وكنتَ لهم الحطّاب…

استباحوها رغم أنف الزمان…

سرقوا الأرض والتاريخ، وصلبوا الإنسان…

يا سيد البيت الأبيض…

هل يصل الصوت إليك؟!

أم يضيع في الأثير… أثير الأشباح…

من المجرمين قَتَلة الشعوب…

المغامرين، المقامرين، مُشعلي نار الحروب…

أشباح العصر والزمان…

يسلّطون سيوفهم عليك…

يرهنونك، يطوّقونك، يبتزونك،

ثم يُملون قرارهم للتوقيع، ويضعونه بين يديك…

يا سيد البيت الأبيض…

اعلم…

أني عن حقي لن أتخلى ولن ألين…

وأمام عدوّي الغاصب لن أستكين…

هذه مقاومتي…

هي يومي وغدي وقوتي ووجودي تسطّره أخباري…

هي لغتي ومعتقدي وكتابي وقلمي أدوّن به أسفاري…

هي وصية أمي وأمتي، أن أقاتل عدوي وأفكّ حصاري…

هي أرضي وتاريخي وكياني وأيقونتي وشعاري…

هي قوافل الشهداء تبيد في طريقها من يريد استعماري…

هي قبلتي وبقائي وإنْ تواطأ معكم ملوك وحكّام وغلمان وجواري…

يا ساكن البيت الأبيض…

قدري، هو أرضي التي سأستعيدها قسراً،

وإنْ طال الزمان…

حقي سأورّثه لأطفالي، لأحفادي،

ومن إنسان حرّ إلى إنسان…

طال عمر الباغي أم قصر…

كبُر جور القاتل أم صغُر…

ستعود لنا الأرض، ويعود لي الأمان…

ولن يكون للقراصنة فيها ملجأ أو مكان…

فأنا بالمرصاد لما تريده ويريده الطغاة مني،

أن أغبط كلباً أو قططاً سِمان..

تعيش داخل قصرك، تتدلل فيه،

وتنعم بما لا ينعم به إنسان…

وزير الخارجية السابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى