البطاركة الكاثوليك يدعون الأطراف السياسية المعنية إلى تسهيل تأليف الحكومة
رحب مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بالمصالحة التاريخية التي جرت في بكركي، برعاية البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وبالوثيقة التي صدرت عنهما. واذ هنأ المطارنة اللبنانيين بطي صفحة أليمة من الماضي، أعربوا عن تطلعهم الى أن تشمل المصالحة جميع الأطراف اللبنانية، ويصار الى بناء الوحدة الداخلية التي هي المدخل الأساس لاستعادة الثقة المتبادلة بين اللبنانيين، وللخروج من أزماتنا السياسية المتتالية المتسببة بالتراجع الاقتصادي والمعيشي والإنمائي.
واعتبروا عقب اختتام المجلس دورته السنوية العادية الثانية والخمسين في الصرح البطريركي في بكركي، أن فقدان الثقة المتبادلة وغياب الوحدة الداخلية وطغيان المصالح الخاصة، بالإضافة الى التدخلات الخارجية، هي السبب لعدم التوصل الى إعلان الحكومة الجديدة بعد أكثر من خمسة أشهر على تسمية الرئيس المكلف وبدء المفاوضات. فمن دون الثقة والوحدة والتجرد، يظهر المسؤولون السياسيون كأنهم لا يريدون بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية، لأنها تتنافى ومكاسبهم ونفوذهم وزعاماتهم، كما يظهرون غير مبالين بمعاناة الشعب الذي أوكل السلطة العامة إليهم للاعتناء به.
ثم تناول البطاركة الكاثوليك الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، وهي في الأساس من مسؤولية الدولة بمؤسساتها الدستورية، وعلى الأخص الحكومة كسلطة إجرائية. فلا يمكن القبول بعد اليوم بعدم وجودها. وطالبوا جميع الأطراف السياسية المعنية تسهيل تأليف الحكومة، اليوم قبل الغد، بالتعالي عن مصالحهم ومواقفهم، رحمة بالبلاد وبالمواطنين. واشاروا الى ان الكنيسة ستواصل من جهتها بذل ما يلزم من جهود، وتحمل ما ينبغي من تضحيات أمام حجم الفقر المتزايد عند شعبنا بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وبسبب اتساع رقعة البطالة، وارتفاع كلفة المعيشة، طعاماً وكسوة واستشفاء وأدوية وتربية.
وقال البطاركة الكاثوليك: يبقى من واجب الكنيسة الراعوي الدفاع عن الشعب اللبناني ولا سيما الفقراء والمظلومين، وإعلان المبادئ الدستورية والديمقراطية والثقافية، التي تنظم العمل السياسي وتنقذه من انحرافاته، ومن أخطاره على الوطن والمواطنين، إذا ما انحرف. لذا تعنى الكنيسة في مؤسساتها بالتربية على خلق ذهنية جديدة لدى شبابنا وأجيالنا الطالعة. فلبنان قيمة حضارية ثمينة ينبغي الحفاظ عليها وتثميرها. وهو صاحب دور ورسالة في هذه المنطقة بسبب واقعه السياسي والجغرافي. وهو بالتالي عامل استقرار في محيطه، كما يشهد له الجميع»، لافتين إلى أن الجامعة اللبنانية، التي أنشئت لتكون جامعة وطنية بامتياز في خدمة الشريحة الأوسع من شبيبتنا الساعين الى العلم، تشهد اليوم غرقاً في الفئوية والمذهبية الضيقة قد تصل الى الاستئثار والإقصاء. وأسف الآباء للتعدّي على الحريات العامة في الجامعة، والانقلاب على الميثاقية فيها والإخلال بالتوازن الوطني وبالأعراف الأكاديمية وانتهاك استقلالية الجامعة والتدخل الفاضح في مساراتها الأكاديمية. ودعوا المسؤولين في أعلى المستويات الى الإسراع في إنشاء المجمعات الجامعية التي نص عليها قرار مجلس الوزراء بتاريخ 5- 5 – 2008 والتوجه نحو خيار جامعات لبنانية مستقلة قانونياً، إدارياً وأكاديمياً، ينسّق بينها مجلس أعلى للتعليم العالي الرسمي للسهر على وحدة التوجّهات الوطنية وعلى المستوى الأكاديمي.
أعرب الآباء عن ألمهم لاستمرار الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، التي لا زالت تزعزع الاستقرار والسلم وتتسبب بالخراب والدمار وتهجير المواطنين. وجدّدوا إدانتهم العنف بكل أشكاله وتشجيعهم على الحوار البناء بين المسؤولين، ودعوا أبناءهم المسيحيين الى أن يصمدوا بنعمة الله في رجائهم بإعادة بناء أوطانهم مع اخوتهم المسلمين في تكافؤ الفرص والمواطنة المتساوية والمسؤولة. وناشدوا المجتمع الدولي والدول المعنية لإيقاف الحرب وإحلال السلام الشامل والعادل والعمل الجدي على عودة النازحين واللاجئين والمخطوفين والمبعَدين إلى بلدانهم وبيوتهم وممتلكاتهم، مؤكدين المبادئ التي أعلنها البابا فرنسيس حول منطقة الشرق الأوسط، وهي: حلول السلام هو شرط لبقاء المسيحيين في أرضهم وأوطانهم، لا شرق أوسط من دون المسيحيين الذين هم عامل توازن واستقرار فيه، واجب الدفاع عن حقوق الأفراد والأقليات تحت سقف المواطنة.