قمة بوتين أردوغان: شرق الفرات وسوتشي
عامر نعيم الياس
لم تتوقف التصريحات التركية بعيد إبرام اتفاق سوتشي قبل شهرين عن التصويب على شرق الفرات مما يوحي أنّ تركيا انتهت من ملف إدلب، وبأنها نفّذت التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق التركي الروسي الذي لا يزال يشكّل مادةً دسمة للجدل حول جدواه.
تركيا تريد التوجّه إلى شرق الفرات، والبعض يصوّب البوصلة باتجاه شمال الرقة على مدينة تل أبيض التي يحقق الاحتلال التركي لها اليوم ميزة السيطرة على معبر حدودي بين مناطق سيطرة الأكراد وتركيا، وأيضاً قطع التواصل بين عين العرب والقامشلي، وثالثاً، تعزيز الجانب الأمني في اعزاز ومارع والباب ربطاً بأمن إدلب التي هي اليوم جزء من منطقة خفض التصعيد ممثلةً باتفاق موسكو وأنقرة في سوتشي. لكن هل ينفّذ أردوغان ما يتحدّث عنه؟ وماذا عن مصير الاتفاق الروسي التركي في سوتشي، هل يسخّره أردوغان لخدمة طموحه التوسعي اللامحدود في سورية؟
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التمدّد التركي في سورية جزء من محاولة تصحيح التاريخ التركي، وإعادة تركة السلطنة العثمانية إلى ما كانت عليه قبل سقوطها، وهذا يشمل ربط المحور الممتدّ من حلب مروراً بالجزيرة السورية وتلعفر وسنجار وكركوك في العراق، وفي نظرة أولية على هذا الأمر يبدو الرئيس الإخواني في مواجهة معضلة جيوسياسية تتعلق بما أنتجته الحرب الباردة أولاً، وما نتج بشكل مبدئي عن الحربين السورية العراقية القائميتن حتى اللحظة، ففي العراق نحن أمام تواجد للحشد الشعبي في تلعفر وسنجار، والأمر لم يعد مرهوناً فقط بجماعة «الاتحاد الوطني الكردستاني» التابع للطالباني، مع أنّ هذه الحيثية تملك أهمية في ضوء علاقات الأخير بإيران. وفي سورية نحن أمام مشهد يضمّ احتلالين وفق توصيف الدولة السورية، هما التركي والأميركي، هذا الأخير الذي لا يريد من أيّ طرفٍ كان، حتى لو كانت تركيا الدخول إلى مناطق النفوذ الصافي الأميركي، وجلّ ما تستطيع تركيا تحصيله في صفقة مع الأميركيين هو الدوريات المشتركة على حدود مناطق نفوذ كليهما في سورية ليس إلا، على الرغم من قلق البعض من تعهّدات المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية «جيمس جيفري» للاتراك، واستغلالهم لهذه التعهّدات للوصول إلى استنتاج انّ اتفاق سوتشي والمماطلة التركية فيه تستند إلى رغبة باستدراج عرضٍ أميركي أفضل لأنقرة يساعدها على الانقلاب على موسكو، فهل هذا ممكن؟
في سياق لحظ المشهد السوري المعقد وحجم تقاطع المصالح الدولية والإقليمية في سورية عموماً، وما نتج وأوصل إلى اتفاق سوتشي خصوصاً، يمكن القول إنّ الانخراط التركي العسكري في سورية لم يكن له ليتعزّز ويظهر بهذا الوضوح لولا مسار أستانة، والمصالح المشتركة التي تجمع الروسي والإيراني بالتركي، فضلاً عن الصراع على تركيا في سورية بين الغرب وما وصفته صحيفة «ليبيراسيون الفرنسية يوماً بـ «الكتلة الشرقية» الممثلة بطهران وموسكو إلى جانب أنقرة، وبالعودة إلى بدايات الحرب في سورية وعليها نرى أنّ الاصطفاف التركي إلى جانب الأطلسي وواشنطن، لم يحقق للأخيرة شيئاً في سورية، بل اختارت واشنطن الاعتماد على الأكراد كونهم أداة ولا يملكون بعداً جيوسياسياً وجيو استراتيجياً يمنحهم هامش حركة دون الاعتماد على واشنطن وتنفيذ سياساتها، وبهذا المعنى يبقى التخلي الأميركي حالياً عن الورقة الكردية لمصلحة تركيا، أمراً غير وارد، فضلاً عن أنّ التخلي اليوم وفي هذا التوقيت، وتقديم مشروع اميركي متكامل لتركيا للتخلي عن مسار أستانة والعلاقة مع روسيا يطرح التساؤلات التالية: ما هو المطلوب من تركيا إنْ تخلت واشنطن عن الأكراد، هل تواجه تركيا روسيا وإيران وسورية بالوكالة عن الولايات المتّحدة؟ ما هو مصير الورقة الكردية في حال تخلّت عنها اشنطن اليوم؟ كيف سيتمّ ضبط الحركة العشائرية في منطقة وادي الفرات إنْ سُحب الدعم الأميركي عما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية»، هل تستطيع واشنطن ضمان نقل بندقية العشائر بالكامل إلى تركيا في هذه المنطقة؟ وهل تُشرك واشنطن أنقرة في الشرق السوري وتمنحها الفيتو على أيّ تحرك اميركي باتجاه تسوية في سورية ليست بالضرورة أن تراعي المصالح التركية الأميركية بشكلٍ متوازن؟ هل تضرب تركيا مصالحها الاقتصادية والسياسية وما يوفره مسار أستانة وتنهيه بشكل كامل، وتواجه روسيا وإيران في سورية؟
مما لا شك فيه أنّ التصويب التركي على شرق الفرات حالياً، ليس في مجمله سلبياً، مع التحذير من مغبة أيّ تمدّد تركي إضافي في سورية تحت أيّ حجة، لكن تصعيد المواجهة اللفظية مع الأميركي، حتى لو كان لاستدراج العروض، يعوّم إمكانية انتظار ما سينتج عن هذا التصعيد التركي في ما يخصّ العلاقات الأميركية التركية، ويجعل من لقاء الرئيسَين التركي والروسي في تركيا اليوم مناسبةً لرسم مسار مقبل لاتفاق سوتشي الذي يبدو عنواناً مناسباً لجميع الأطراف المنخرطة في الحرب السورية، مسارٌ يراعي عامل الوقت بالدرجة الأولى، فاتفاق سوتشي ليس اتفاقاً نهائياً، بل هو اتفاق مؤقت.