«بلا جميلة حدا…»

بلال رفعت شرارة

سبب اختياري اليوم أنني لبّيت للمرة الأولى الدعوة لحضور العرض العسكري بمناسبة استقلال لبنان وفي هذا لا أريد ولا يهمّني الحديث عن المراسم والبروتوكولات المرافقة، فأنا اليوم تطلعت إلى الشباب من كلّ صنوف القوات المسلحة والأمنية وكيف كانوا يتطلعون إلينا ونحن نرمقهم بإعجاب.

أنا الآن استحوذ عليّ العسكر، وفي الواقع أخذني إلى الأمكنة الأخرى.. الحدود السيادية براً وبحراً وجواً.. إلى مهمة الأمن، إلى جانب الدفاع، إلى حيث العسكري وطنه كفنه ويتسع له وكيف أنه بخلافنا نحن الشعراء يعيش مشدوداً إلى الواقع فيما نحن يسرقنا الوهم وجموح الخيال.

لقد لمست أنّ ما ذهب إليه أستاذنا الشاعر العربي الفلسطيني الكبير محمود درويش في قوله: الحب طير أبيض لا يقرب الميدان والجنود هو مجرد لغة شعرية.. هي لزوم الشيء ليس إلا.

عسكر العرض والميدان بعضهم عنده أولاد والتزامات عائلية وبعضهم عاشق وبعضهم مثلنا معلق على جبل الانتظار عدا حبال غسيل الوطن.

اليوم وقفت على إجر ونص وأنا أتفرّج ووددت لو أنّ العرض لا ينتهي حتى لا يعود الوطن إلى طوائفه، مذاهبه، جهاته وفئاته ولكن.. ولكن بعد قليل من الآن، بعد انتهاء مراسم الاستقبال للمعايدين سنعود فنقع في شر البلية ما يضحك .

في الحياة المدنية السياسية عكس العسكرية لا يوجد لا شرف ولا تضحية ولا وفاء، ولا يمكن أن يكون الجيش رهينة أو مخطوفاً، قد يسقط العسكري شهيداً وهذا واجبه! عكسنا، فنحن قد نسقط فحسب ولا يمكن لنا أن نرتفع قامة ومجداً كما المعاون وليد فرج والعسكريون الستة الذين سقطوا خلال عملية فجر الجرود، ولا يمكن لنا أن نموت بصخب كما العسكريين خلال المعركة الطويلة في نهر البارد أو معركة تحرير طريق بيروت الجنوب في عبرا صيدا، والعساكر الذين اُسروا في معركة عرسال الأولى، والمؤهّل ابراهيم مغيط ورفاقه التسعة، والذين نُحروا قبل ذلك بخناجر الغدر الإرهابية كانوا يعرفون وكنا نعرف منذ اليوم الأول للمعركة أنهم أضاؤوا سراج دمهم لنعرف الطريق إلى الوطن.

الآن في هذا الاستقلال، أتذكر العميد خليل كنعان واللواء فرنسوا الحاج والنقيب محمد زغيب وأتذكر خط علي علي عامر وأننا الجيش والشعب والمقاومة شيء واحد، ونودّ لو جمع من تعبنا تكلفة العرض العسكري وما يلزم لتسليح الجيش و بلا جميلة حدا لكنا جميعاً نقف سوياً مع جيشنا من أمامه وخلفه ومن جميع جهاته.

كلّ عام وأنتم بخير…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى