الموقف السياسي في لبنان هل هو نتيجة حرب جديدة تشنّها القوى المعادية

إياد موصللي

هل أنّ ما يجري اليوم في لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً هو فصل من فصول الحرب الجديدة تقوم بها حكومة الكيان الإسرائيلي، حربٌ حضرت بعد أن باتت حكومة العدو تجد أنّ الاعتداء العسكري على لبنان سيشكل خطراً كبيراً سيلحق بها وبمستعمراتها وستصيب الكيان الصهيوني إصابات قاتلة، من أجل هذا استبدلت حرب الميدان بحرب الوجدان، حرب الرايات البيضاء والابتسامة الصفراء، فشغلتنا في أزمة حكم عبر أصابع وترتيبات أوجدتها مع حلفاء الداخل والخارج، وإذا نظرنا إلى ما ورد في بروتوكولات حكماء صهيون صفحة 186 حيث يقول: «دولتنا الماضية قدُماً في طريقها، طريق الفتح السلمي من حقها أن تبدّل أهوال الفتن والحروب بما هو أخف وأهون وأخفى على العيون، وهو إصدار أحكام ضرورية من وراء الستار ليبقى الرعب قائماً، وانْ تبدّلت صورته فيؤدّي للخضوع الأعمى، أنها الشراسة ومتى كانت في محلها لا تتراجع إلى الرفق غدت عامل القوة الأكبر في الدولة».

وفي البروتوكول الخامس صفحة 205 يقول: «إذا قام في وجهنا غوييم العالم جميعاً ـ الغوييم كلّ الشعوب غير اليهودية ـ متألّبين علينا، فيجوز أن تكون لهم الغلبة ولا خطر علينا من هذا لأنهم هم في نزاع في ما بينهم وجذور النزاع عميقة جداً إلى حدّ يمنع اجتماعهم علينا يداً واحدة. أضف إلى هذا أننا قد فتنا بعضهم ببعض بالأمور الشخصية والشؤون القومية لكلّ منهم وهذا ما عنينا بديمومته وتنميته مع الأيام خلال العشرين قرناً الأخيرة. ولهذا السبب لا ترى دولة واحدة من هذه الدول لا تعلم أنّ الاصطفاف ضدّنا يجرّها إلى الخسارة، أننا جدّ أقوياء ولا يتجاهلنا أحد ولا تستطيع الدول أن تبرم أيّ اتفاق مهما يكن غير ذي بال إلا إذا كان لنا فيه يدٌ خفيّة».

استنادا إلى هذه الأفكار والأقوال اليهودية يتضح لنا أنّ ما يجري اليوم من فتن واقتتال في العالم العربي هو ترجمة لما قاله بن غوريون قبل قيام دولة «إسرائيل» وحدّده كما يلي:

1 ـ علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن الحماية الدائمة لـ «إسرائيل» وفي المقابل تضمن «إسرائيل» مصالح الدول.

2 ـ تكوين جيش قوي يضمن الحماية لدولة «إسرائيل» من أي خطر يتهدّدها.

3 ـ العمل على تفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول «إسرائيل» وبذلك نضمن أمننا وسلامنا إلى الأبد.

هذه الاستراتيجية لدى «إسرائيل» ظاهرة واضحة غير مخفية ومن أجل هذا يقول بن غوريون: «لذلك لا ترى دولة واحدة تستطيع أن تجد لها عوناً إذا ما قامت في وجهنا بالسلاح، ولا تستطيع الأمم أن تبرم أيّ اتفاق مهما يكن غير ذي بال إلا إذا كانت لنا فيه يد خفية». فحرب العدو انتقلت إلى مراحل غير عسكرية، فأحداث الشام والعراق هي تنفيذ للمخطط الذي وضعه بن غوريون قبل قيام دولة «إسرائيل» لضمان أمنها وسلامها، لذلك ترسم الخطط وتجدّد أشكال الحروب فإذا تابعنا ما يجري على الأرض اليوم من ترتيبات ومحاولات إقامة علاقات متنوّعة مع دول الخليج، وتحالف راسخ مع السعودية. ظهرت لنا هذه الأفكار التي مرّت ويجري تطبيقها، حتى أنّ نتنياهو أبدى قلقه وتخوفه من أيّ أذى قد يلحق بوليّ العهد محمد بن سلمان. كما أنّ الزيارات والتنقلات بين إمارات وسلطنات الخليج بالنسبة للإسرائيليين هي أمر اعتياديّ. أضف إلى هذا كله تصريح رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب مؤخراً حيث قال: «إنّ إسرائيل ستكون في مأزقٍ كبير دون السعودية، والسعودية ساعدتنا كثيراً، ولولا السعودية لتضرّرت إسرائيل أكثر».

إنّ تدهور الأوضاع في لبنان وخاصّةً في الميدان المالي والاقتصادي وامتداده بما يخلق القلق الاجتماعي يشير بوضوح إلى تحركات سياسية مدمّرة تجري بدلاً من حرب كلاسيكية، حرب تبرز عبر نعرات طائفية أو تناحرات سياسية أو تعقيدات اجتماعية تكون نتائجها تدمير البلاد وشلّ حركتها وزعزعةِ وجودها. لا نريد أن نكون من المدّاحين ولا من الندّاحين ولا من اللّاطمين النوّاحين الذين يُكثرون البكاء والعويل. إنّ الذي يجري اليوم على الساحة الداخلية يجعلنا نلمس أيادي الطابور الخامس، إذ من غير المعقول أو المقبول أن تبقى البلاد تحت سلطة التناحر والتجاذب الذي يجري هذه الأيام ويذكرنا ويعيدنا إلى ما كان يجري في العهود السابقة من مماحكات ومناحرات، فالبلاد يجاورها عدو غدّار، عدو وجود لا عدو حدود، يريد التهامنا إذا استطاع، ونحن لا زلنا في واقعنا المرسوم. ويعاونه ضدّنا حلفاء وصفهم الربّ «والأعراب أشدّ كُفراً ونفاقاً».

العدو لا يريد استقراراً في البلاد، فمتى نتحرّر من الأنانية والمصالح الفردية فنقضي على أحلام العدو ونجعله يعرف من نحن حقيقةً لا وهماً. ويذكرني ما يجري اليوم بما كان يجري قبلاً وأعيد نشر مقاطع من مقال للزميل الراحل ميشال أبو جودة مما يجعلنا نقول: «ما أشبه اليوم بالأمس». فقد كتب ميشال أبو جودة في 13 أيار 1970 مقالاً نأخذ منه المقطع التالي:

فكما أنّ لبنان ليس ضعيفاً في كلّ شيء، فإنّ تجربة «إسرائيل» مع لبنان ستثبت لها أنها ليست قوية في كلّ شيء. صحيح أنّ تجربة لبنان مع «إسرائيل» علّمته وتعلّمه كلّ يوم بل كلّ ساعة، أن يكون قوياً وقوياً أكثر، وفي أكثر من ناحية. إلّا أنّ الصحيح أيضاً هو أنّ تجربة لبنان مع «إسرائيل» كشفت وتكشف له، لا كيف أنه ليس ضعيفاً في كلّ شيء فحسب، بل كيف يمكنه أن يكون قوياً في أكثر من ناحية إذا قرّر تقوية صموده وتعزيز رفضه من خلال تعلّقه بإنجاح تجربته الحضارية والإنسانية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى