ديوان « نايا « للدكتور بشار خليف نداء لغة في مهب الشعر والحياة والجدل
فاطمة الموسى
عن دار الدلمون الجديدة في دمشق صدر هذا العام 2018 كتاب جديد للدكتور بشار خليف بعد مجموعة من مؤلفات تراوحت بين القصة والدراسات التاريخية المهمة ككتابه «نشوء فكرة الألوهة» و «حضارة مدينة ماري» وحوارات في الحضارة السورية وغيرها.
يبدو أن الشاعر هنا قد أراد أن يأخذ نفساً كما يُقال من صرامة العلم والمجال المعرفي ليبسط رياح الروح على مدى كونه الخاص.
نايا عنده نداء طال صوته وعلا حتى ألبسها عباءة بلد وأرض وشغف خاص يتداخل فيه الصوت الصوفي مع غناء أنثاه ذات الرداء القرمزي.
نايا قومي
خذي جبينيَ عني
إني أرجفُ هذا الحبَّ قليلاً
إني أفتح ثقبَ الروح الغامقِ فيكِ
إني أغبط نزفَ الماءِ بهذا الماء
قومي نايا
إني أنده هذا الصمت العابر فيَّ
إني أسمع دبيب الليل على قدميَّ
قومي نايا
ضاق سرير الحلم على جناحي
إني أموج صوب هذا البحر قليلاً
أسمع صهيل اليوم الثالث
قومي
وكأن الشاعر هنا تختلط رؤاه بين الرسولة والرجاء حتى مطلق الانبعاث.
ما يغلب على المجموعة هو الإيقاع الموسيقي الشاعري، لم يخضع الشاعر للقوالب الشعرية بقدر ما أفسح لقلمه أن يأخذ شكل البحر ليموج حبره كما يريد.
نامي نايا
إني أمضي مثل هذا الليل وحيداً
خلفُ خلفي أمامي
نايا
من صاغني سريراً حتى ينام الحلم فيكِ
حين تنامي
نامي نايا
مَنْ قادر على غفوة رحمانكِ أو رحيمكِ
من قال أنْ كن
حتى أكونكِ
وما يلاحظ في هذه المجموعة أن تأليفها كان في سنة 2014 بمعنى في عمق فترة الأزمة السورية لهذا يلمح القارئ أن ثمة محاولة للتوازن في مستواه النفسي متداخلاً مع بعده الاجتماعي، لهذا جاء نداءه لنايا يحمل طعم الخلاص، فناياه تعدّت أنثاه إلى الواسع الأرحب من حالة فردية إلى جمعية.
افرحي نايا
يومكِ لا يُقدّرُ بعرشٍ ودِينْ
يا قديمة القدِّ
يا أبهى ما فيكِ بسمة على خدّي
ارقصي دبكة العون والعونا
إني أصفّق بنصفيّْ مخيخي لكِ
كي تفكري طويلاً
إنّا خنّاكِ بناقتين
ناقة من داعش وناقة من غبرائها
نايا
أنا لا أبكيكِ لن أرثيك
بَطُلَ زمن الدمع الجاري
أنتِ الآن حساب جارِ
مَن حماك بظهره طعنك في البطن كثيراً
من خلاّك هناك كي يبقى هنا
يا لعنة الكافِ على المكفوف
نايا
الألم هنا يأخذ شكل الحبيبة التي استبيحت قبل أن ينبض قلبها
ثم يمضي بشار خليف في سفره تنتابه الخطايا، الفرح، الحزن، السؤال بلا أجوبة فلا يجد خلاصه إلا بين يديّ نايا.
يا استدارة رغيف الخبز
أي تنور سيحتويكِ
إن لم تخرجي من قمحي
كالخميرة العاشقة
جوعي نايا لتشبعيني
كل ما فيك يقيني
إني أرمق ملح أصابعك
فيفيض بحر لديّ
أَنظر إليك في غفلة مما لديك
في وثبة تلك الشقية
ناوأتْ رغيف الخبز في استدارتها
فأصمتُ
علّ رغيفك الخبز يحنُّ إلى ناري
ما يميز هذا الديوان هو لغته المتفردة، البسيطة، الفضفاضة التي تتسع لمجالات الروح الإنسانية ما يدفع القارئ إلى أن يعيد قراءة القصيدة علّه أضاع بعضاً من نايا.
ومع هذا لم يدفع النداء لدى الشاعر من أن يعلن حزنه، غضبه، جنونه حتى هلاكه.
نايا
أنا لا أغضب عليك
أغضبُ على ما أنت عليه
تذكّري
عاشق الليمون يهضم أحمضَ ما عندك
بعصّرةٍ
احلي نايا
لي سُكّرٌ يَمحقُ كل دَرَنٍ لديكِ
ولكِ ملحُ صخرٍ
أزاح عكرَ الماء عني
أسعد الله وجه سعدي
أنا فيكِ أولا فيكِ
أَوْلى فيكِ
فاذهبي ما شئتِ عني
واختفي
كي أحتفي بحذائك الأخير
وأدعو لدربك بواسع الخطوات
نايا
ديوان نايا إبحار شعري في عالم خاص فاض حتى لا ينتهي إلا كما تشاء براكينه، يستند فيه الشاعر على مجمل ما اختزن من فكر وفلسفة حق وخير وجمال، لهذا فهو الواصل لتموج الروح في أبهى حالاتها.