هل ما زال لبنان هدفاً للإرهاب بعد سقوط دولة «داعش»؟
محمد حمية
لم يكن القضاء على الإرهاب بشقيه «جبهة النصرة» و«تنظيم الدولة» «داعش» في سلسلة جبال لبنان الشرقية وبعض المناطق الشمالية بالأمر اليسير، فرغم نجاح الجيش اللبناني بالتعاون مع الجيش السوري والمقاومة صيف عام 2017 باستئصال الإرهابيين المسلحين هناك إلا أن عمليات عسكرية وأمنية عدة مُعقدة سبقت ذلك نفذها الحزب والقوات السورية على تخوم الحدود بين الدولتين أدت الى كسر الطوق الإرهابي الذي حاصر لبنان على مدى سنوات عدة كعملية القلمون وقبلها الزبداني ويبرود وريف دمشق وتحرير مدينة القصير وغيرها، كما أن توقيت الانقضاض على التنظيمات الإرهابية جاء في المراحل الأخيرة لانهيار الإرهاب وبالتالي سقوط مشروعه السياسي في بلاد الشام وتحديداً في سورية والعراق أي «الدولة الإسلامية» و«دولة الخلافة» «القاعدة».
ما يعني أن القضاء على الإرهاب في «بلاد الأرز» لم يكن ليحصل لولا إنجازات القوات السورية وحزب الله التي أدت الى تحرير مدن سورية كبرى كحلب ودمشق والانكفاء التدريجي للإرهابيين.
ما يدعو للتساؤل: هل لا يزال لبنان جاهزاً لإيواء إرهابيين من جديد؟
هذا على المستوى العسكري، أما لجهة الجانب الأمني فيُسجل للاجهزة الامنية اللبنانية على اختلافها وعلى رأسها جهاز الأمن العام بقيادة مديره اللواء عباس ابراهيم انجازات أمنية نوعية وباهرة وحاسمة للجم تنامي المشروع الإرهابي في لبنان والمنطقة عبر تصفية رؤوسه القيادية وعقوله المدبرة في مختلف المناطق اللبنانية والذي شكل تحضير البيئة الأمنية للهجوم العسكري للجيش في معركة فجر الجرود.
إلا أنه ورغم هذه الإنجازات في مواجهة الإرهاب وملاحقة شبكاته وخلاياه الأمنية وذئابه المنفردة، لا يمكن الركون للإرهاب الذي تحوّل خطراً عالمياً وعابراً للحدود ولا يزال يحظى بدعم دول وقوى اقليمية ودولية ومحلية من خلال وجود خلايا نائمة جاهزة لخدمة مشاريع إقليمية ودولية كبرى، فضلاً عن نجاحه في توظيف استخدام الفضاء الالكتروني في خدمة أهدافه على مستويات التجنيد والإعلام والخرق والتدريب كما يقول اللواء ابراهيم والذي يؤكد بأننا «نجحنا في الأمن العام وعبر الأمن الاستباقي في إحباط عشرات الهجمات الدامية التي كان لبعضها لو نجح ان يتسبب في نوع من الحروب الأهلية»، مضيفاً: «لاحقاً اعتمدنا الأمن الوقائي من خلال تتبع شبكات التطرف عملانياً وعبر شبكات التواصل الإلكتروني». ولكن بالرغم من كل النجاحات يتابع إبراهيم: «فهذا الإرهاب ما زال قادراً على التسلّح وحيازة التقنيات واستخدام منصات التواصل الالكتروني لتجنيد مقاتلين وانتحاريين وعلى شنّ هجمات بأسلحة سهلة».
يمكن القول بحسب مطلعين على الخريطة العسكرية لتموضع تنظيمات الإرهاب في الشرق الأوسط إن هذه المجموعات أصابها الشلل فلم يعد بإمكانها تنفيذ عمليات إرهابية عسكرية واسعة النطاق في لبنان لأسباب متعددة سياسية وأمنية وعسكرية، لكن وبحسب ما يقول خبراء عسكريون لـ«البناء» لا يمكن الوصول الى شبكة أمان كاملة، إذ أنه وكما تمدد الإرهاب من مناطق الى أخرى مستغلاً النقاط العقائدية الضعيفة وبعض الثغرات على الحدود يمكنه العودة في أي وقت يتسنى له لا سيما أن الإرهاب لم يتوقف من تشغيل خلاياه ومحاولات التقدم وأهدافه ما زالت ثابتة ويحاول التمدد والانتشار حيث يتمكن. ويضيف الخبراء بأن «الدولة اللبنانية نظمت مدافعة متكاملة بالكامل ميدانية وعسكرية وأمنية في مواجهة الإرهاب ما جعل حظوظه متدنية لكن لا يمكن استبعاد نجاح الخلايا من اختراق الإجراءات وتوجيه ضربات أمنية»، ولا بد من الاشارة هنا وبحسب مصادر أمنية الى محاولات دول إقليمية إعادة توتير الساحة الداخلية عبر اثارة الفتنة المذهبية لإعادة استيلاد البيئات الإرهابية واستنهاض حواضنه في بعض مناطق الشمال والبقاع وبيروت والمخيمات الفلسطينية في صيدا ومخيمات النزوح السوري المنتشرة بشكل عشوائي، وما يدعم هذه المعلومات حملات تيار المستقبل على حزب الله بسبب وقوفه مع حلفائه السنة حكومياً واستخدام الشارع عبر قطع طريق الناعمة التي تعتبر الشريان الحيوي لانتقال أهل الجنوب وعبر استخدام دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين في المعركة الحكومية، وما دخول اللواء أشرف ريفي على خط دعم الرئيس سعد الحريري رغم الخلاف والقطيعة بينهما إلا مؤشر على وجود إياد خارجية خفية تُعِد الساحة للعبث الأمني، وما يُعزز ذلك أمنياً هو ملاحظة الأجهزة الأمنية بحسب معلومات «البناء» نشاطاً لعدد من الخلايا الإرهابية النائمة، وقد أوقفت الأجهزة في البقاع أمس أحد المطلوبين بجرم الانتماء إلى منظمة إرهابية، وما يزيد المخاطر هو تشريع الساحة السياسية على الرياح الأمنية الخارجية، ما يستوجب اعتماد تلازم الارادة السياسية مع الادارة الأمنية بحسب المدير العام للأمن العام. مع تحذير خبراء في «الحركات الاسلامية» المتطرفة من تجذر الفكر الإرهابي في بعض المناطق اللبنانية والذي من الممكن أن يتحول الى عمل عُنفي في أي لحظة.
كما تتخوف المصادر العسكرية من أن سقوط الإرهاب في الشرق الأوسط سيجعل القارة الأفريقية وجهته الأخيرة ما سيؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على لبنان الذي يقع على نقطة متوسطة بين سورية والعراق وتركيا وأفريقيا ومن ناحية أخرى تحوي القارة السمراء ما يقارب مليون لبناني يعملون في مختلف دولها، مع عدم نسيان الدور الفاعل للموساد الإسرائيلي في هذه القارة ما يفتح ثغرات عدة لتأثير الإرهاب سلباً على لبنان أو ما يُسمى «ارتداد الإرهاب العكسي».
حزام الإرهاب الأفريقي ومخاطره على لبنان دفع بالأمن العام الى خطوة استباقية لتعزيز أواصر التعاون بين الدول الشرق أوسطية والأفريقية لمواجهة الخطر القائم، عبر مؤتمر نظمته المديرية العام للامن العام يُعقد للمرة الأولى في بيروت على مدى يومين تميز بحضور واسع واستثنائي لرؤساء أجهزة استخبارات دول معنية مباشرة بمكافحة الإرهاب، ويهدف لبناء استراتيجيات تحقق الاهداف المشتركة في الانتصار على الإرهاب.
وفي سياق ذلك، تُحذّر مصادر في الأمن العام من وجود قوس للإرهاب يحاول ان يمتد من اقصى الساحل الأفريقي في الغرب الى القرن الأفريقي في الشرق، ويقع على تماس مباشر مع دول منطقة الشرق الأوسط ولبنان. وتكشف المصادر وجود خطوط عدة لعدد من الإرهابيين في لبنان ربطتهم بإرهابيين في القارة الأفريقية كانوا على تنسيق معهم، وبعضهم الآخر كان يتلقى كذلك التعليمات لشن عمليات إرهابية.