تدشين مشروع إعادة الضخ لبئر لوسي في البقاع الغربي
أحمد موسى ـ البقاع الغربي
يبدو أن لا أسباب محدّدة لمشكلة انقطاع المياه عن قرى قضاء راشيا المستمرّة منذ سنوات. فأحياناً تردّها مصلحة مياه البقاع إلى تدنّي ساعات التغذية، وأحياناً أخرى تكون حجتها رداءة الشبكة الرئيسية لإيصال المياه إلى البلدات، ومرّات تتذرّع بحجم التعديات على الشبكة عند ضفتي طريق راشيا ـ الجنوب، ومن نبع لوسي حتى راشيا.
وأخيراً وضعت حرب اللامياه أوزارها وجاءت سريعةً لتضاف إلى جملة المشكلات، مشكلة أكبر وأكثر تعقيداً، تجلت باحتراق محوّلي الكهرباء الخاصين ببئر محطة لوسي، لتكون السبب في عطل أوقف المضخّة الرئيسية في البئركلياً، ما أدى إلى انقطاع تام للمياه عن 42 قرية وبلدة في المنطقة.
ورغم ذلك، لم تعمد المصلحة، منذ سنوات طوال، إلى التدخل، سواء لإيجاد السبب الرئيسي أو لحلّ أيّ من تلك الأسباب. فالمنطقة عاشت طويلا بلا مياه ولا من يُحرّك ساكناً، إلى أن جاءت الحلول بعد مناشدات من بلديات القرى التي تتغذى بلداتها منها، وخصوصاً من ِقبل بلدية السلطان يعقوب الموحّدة، حيث منبع البئر ومحطات الضّخ.
ويضع شحّ المياه سكان القرى المتضرّرة الذين يزيد عددهم على ثمانين ألف نسمة، أمام خيارات إلزامية تدفعهم إلى تعبئة مياه الشفة من الينابيع القريبة من قراهم،أوتجميع مياه المتساقطات أو شراء الصهاريج لاستخدامها في الاستعمالات المنزلية التي تكلفهم أموالا طائلة تزيد من أعبائهم المعيشية والحياتية، حيث يتجاوز سعر صهريج المياه الواحد الثلاثين ألف ليرة، مع ما يترتب على ذلك من مصاريف ونفقات إضافية ترهق كاهل المواطن.
وأعاد رئيس بلدية الرفيد محمد شحادة في حديث لـ «البناء»، أزمة انقطاع المياه عن منطقة راشيا، وخصوصاً عن بلدة الرفيد، انقطاعاً تاماً إلى العام2005، لينطلق منها إلى شرح معاناة أبناء منطقة راشيا – الوادي، مع الأزمة، «ما دفع الأهالي إلى إنشاء آبار لجمع مياه الشتاء، لعلها تخفف عنهم أعباء كلفة الشراء، لكنها لا تكفيهم شهرين كأقصى حدّ»، مستغرباً «كيف يقوم جباة المصلحة بجباية الرسوم من الأهالي في حين أنّ المياه مقطوعة»؟
ولفت شحادة إلى أنه «مع تنامي ظاهرة انقطاع مياه بئر لوسي عن المنطقة، لم يعد أمام البلدية إلاّ إيجاد حلول بديلة لمعاناتهم، فكان مجلس الجنوب المنقذ والملبي لطلبات البلدة والبلدية وحفر بئراً إرتوازياً لري البلدة، وتكفّلت البلدية بتأمين مولد كهربائي ومازوت وصيانة بكلفة فاقت الـ70مليون ليرة، لكن مع تمدّد العمران وتدفّق النازحين السوريين لم تعد مياه البئر تلبي الحاجة المطلوبة، ليزيد احتراق محولات الكهرباء، الأمور سوءاً، حيث باتت 33 قرية وبلدة في قضاء راشيا مهدّدة بالعطش، من دون أن يحرك أي من السياسيين ساكناً».
وأضاف: «في الانتخابات البلدية الماضية جاء أحد النواب ونام في خربة روحا ليضغط لإنجاح لائحة محسوبة عليه، واليوم هناك منطقة بكاملها بلا مياه فليأت ذلك النائب وينام ليلة واحدة»!!!.
وقد اتفقت آراء المتابعين للمشكلة «على ضرورة استبدال محطات ضخّ المياه في نبعي شمسين ولوسي بأخرى أحدث وأكبر، الأمر الذي يسمح بتأمين الكميات المطلوبة لبلدات وقرى راشيا والبقاع الغربي. ويستبعد هؤلاء، حتى الآن، إمكان السير بالحلّ الذي يقول بمدّ خط لجرّ المياه من نبع شمسين إلى لوسي،لارتفاع كلفته، وللفترة الطويلة التي تستغرقها عملية التنفيذ.
وفي هذا السياق، أكد رئيس بلدية خربة روحا عبدالرحمن هاجر لـ»البناء» أنّ الحلّ هو في عهدة وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار».
وقال:» من ناحيتنا كرؤساء بلديات، أنجزنا كلّ ما هو مطلوب منا، وننتظر ما سيقرّ من المعنيين في هذا الشأن، ونأمل أن تنتهي أزمة انقطاع المياه في اليومين المقبلين، لأنه ليس باستطاعتنا أن نفعل أكثر من طاقتنا، خصوصاً وأننا نعاني من شحّ في الأموال، وهذا النوع من المشاريع هو أكبر من طاقة بلديات المنطقة، وليس أمامنا سوى المطالبة والمناشدة وسط تجاهل السياسيين لنا».
من جهته، طالب رئيس بلدية السلطان يعقوب الموحّدة أحمد الجاروش المعنيين بإمداد البلدة بخطّ كهربائي غير خاضع للتقنين، موضحاً «أنّ ما دفعه الأهالي من أموال ثمناً للمياه طوال هذه الفترة، يفوق أضعاف ما كان يمكن أن تنفقه الدولة لتمديد شبكة جديدة، وإعادة ربطها بالقسطل الرئيسي لمياه نبع لوسي».
واقترح الجاروش «إنشاء مخرج يغذي محطة بئر لوسي بالتيار الكهربائي 20 ساعة على الأقل يومياً، ليتسنى للمحطة توزيع المياه على جميع البلدات والقرى التي تتغذى من هذه البئر». وقال: «المطلوب إقامة شبكة مياه جديدة وربطها بالخط الرئيسي لنبع لوسي، لتتحقق عملية التغذية دون حدوث أي تسريب مائي منها، وإن كان هذا الحلّ جزئياً، لكنه، على الأقل، سيحول دون تداخل المياه مع الصرف الصحي للبلدات.
أما عضو بلدية الرفيد سعيد الكردي، فقد استغرب تهميش المنطقة في جميع الحكومات، لافتاً إلى «أنّ معظم القرى في راشيا تعاني اهتراءً في شبكاتها الداخلية والفرعية، وهذه المشكلة تحتاج إلى حلّ جذري، فيكفينا معاناة وكأنه مكتوب علينا أن نتعايش مع المعاناة الحياتية واليومية».
مصادر بديلة.. عين الضيعة
مرة جديدة، وبانتظار الحلّ الناجع والأمثل الواجب اتخاذه بسرعة لوقف تنامي الأزمة، فإنّ مواكب الساعين إلى الينابيع الطبيعية، إلى ارتفاع، وقد بات تجمهر المواطنين حول الينابيع مشهداً مألوفاً هذه الأيام، خصوصاً في فترتي الصباح والمساء، بعضهم يصل بواسطة سيارات خاصة، والبعض الآخر بواسطة فانات تقلّ عدداً من العائلات، والسبب برأي السائق أبو محمد، هو «توزيع أعباء كلفة النقل وتعبئة عبوات وصفائح أكثر، إضافة إلى نقاوة مياه الينابيع المقصودة».
وفي قراءة فنية لبئر لوسي أفاد أحد الخبراء بأنّ «البئر يغذي 42 قرية وبلدة في راشيا، على فترة 22 ساعة يومياً ويضخ فيها حوالى 4300 مترمكعب من المياه، لكنها تقلصت اليوم لتصل إلى 2000 متر مكعب كحدّ أقصى، وذلك بسبب مشاكل عدّة تواجهها المحطة منذ فترة، وأبرزها التعديات على خط الكهرباء الرئيسي، الذي يغذي محطة لوسي 24/24 ساعة يومياً، ما يؤدي إلى انقطاعات متكرّرة للتيار الكهربائي وتلاعب في التغذية الكهربائية».
وأضاف: إنّ محطة لوسي حتى الآن غير مزوّدة بمولد كهربائي لتشغيل البئر عند انقطاع التيار الكهربائي، ما يضاعف أزمة انقطاع المياه ويزيد من معاناة سكان هذه القرى.
الحلّ بالآبار
ويشير رؤساء بلديات منطقة راشيا الوادي إلى أنّ هناك حلولا مطروحة منذ العام2002، تتمثل في جرّ مياه «نبع عين الزرقا» إلى راشيا، وهو حلّ أطلقه رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان من راشيا في حينه، آملين أن يُبصر هذا المشروع النور قريباً، وهو ما يستلزم حتماً إنشاء شبكة جرّ جديدة وموزعة بشكل هندسي وعلمي يأخذ في الحسبان التوسّع والتمدّد العمراني والزيادة السكانية. أما في حال لم يتم تنفيذ المشروع، فعلى الدولة أن تسعى لإيجاد وحفر آبار ارتوازية جديدة في كلّ قرية في قضاء راشيا، تتولاها البلديات من حيث الإدارة والصيانة.
ويثير انقطاع المياه احتجاج السكان الذين يوجهون لومهم إلى القيمين على إدارة مصلحة مياه شمسين، لعدم مبادرتها إلى تصليح الأعطال عند وقوعها، ولتجنيب المنطقة المعاناة التي تضاف إلى سجل الأزمات العديدة التي بلغت حدّا لم يعد يطاق ولا يحتمل. وما يفاقم الأزمة، أنّ مشروع ميــاه لوسي يعتبر مصدر المياه الوحيد الذي يغذي معظم قرى وبلدات البقاع الغربي وراشيا، إلى جانب بعـض الآبار الإرتوازية الخاصة. ويتساءل السكان عن مدى جدية العقد الذي توقعه إدارة مصلحة مياه مشروع شمسين مع إحدى الشركات لصيانة الأعطال الطارئة، واستبدال المعدات والمضخات التالفة، بقيمة 750مليون ليرة لبنانية، ويؤكدون أنّ هناك تمادياً في تهميش المنطقة، خصوصاً وأنّ حاجات المواطنين للمياه هذه السّنة مع شحّ المتساقطات كثيرة، والبلديات لا قدرة لها على تحمّل هذه الأعباء التي هي من صلاحيات مؤسسة مياه البقاع التي تتقاضى الرسوم من الأهالي.
ويتساءل رؤساء البلديات: أين هو فريق التقنيين المؤهّل لإصلاح الأعطال؟ ولماذا لم تحرّك الشركة المتعهدة لأعمال الصيانة ساكناً، وأين تغيب مفاعيل عقد الصيانة الذي تبلغ كلفته السنوية 750 مليون ليرة؟ مع أنّ المراجعات التي أجريت مع القيّمين على إدارة المشروع لم تحسم المسألة حتى الآن، لأنّ ضخّ المياه إلى العديد من القرى لا يزال متوقفاً، ونأمل الإسراع في حلّ الأزمة.
وبعد أن عجز المسؤولون عن تلبية مطالب أهالي المنطقة لجأوا إلى الهيئات الدولية، فكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المنقذ لمشروع محطات الضخّ لبئر لوسي، وقد بادرت اللجنة إلى إعادة تأهيل البئر وتركيب مضخات ومولدات حديثة وجديدة وأكبر، قادرة على زيادة كميات الضخ بعد أن تناقصت في السابق.
ولفتت مسؤولة الإعلام في اللجنة سمر القاضي في حفل تدشين المشروع، إلى أنّ «محطة لوسي لضخّ المياه هي مصدر المياه الرئيسي لنحو 42 ألف نسمة من السكان المقيمين، إضافة لوجود آلاف النازحين السوريين إلى المنطقة منتشرين في قراها، وهذه المحطة تديرها مؤسسة مياه البقاع».
من جهته، أشار رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان فابريزو كاربوني إلى «أنّ المنطقة ومع تزايد النازحين السوريين الذين فاقوا العشرة آلاف نازح منتشرين في قرى راشيا، باتت بحاجة أكثر للمياه».
وانتقد كاربوني التعديات التي تطال الشبكات التي تغذي القرى بالمياه، مشيراً «إلى عجز اللجنة الدولية في ضبط المخالفات، لافتاً إلى أنّ المياه لها ثمن والمعالجة يجب أن تكون على هذا الأساس».
وقال: «إنّ مشروع إعادة تأهيل محطة بئر لوسي ضاعف كميات المياه المتاحة بنسبة 80 في المئة أي لحوالى 52 ألف نسمة، وسنؤمّن التدريب العملي لمشغلي المشروع، ونعمل على تسليمه إلى وزارة الطاقة والمياه كمزيد من التأكيد على ملكية الوزارة للمشروع.
بدوره، أثنى رئيس مؤسسة مياه البقاع مارون مسلم، على المشروع الذي نفّذ وفق المعايير والمواصفات الدولية وسيغذي 15 بلدة وقرية في راشيا، إضافة إلى النازحين السوريين.
وشرح مسلّم فنياً، عمل المشروع وقدرته الإنتاجية وتأمين التغذية،لافتا إلى»أنّ القدرة الإنتاجية لبئر لوسي هي 7920متراً مربعاً يومياً، وقد كانت القدرة الإنتاجية السابقة 4440 متراً مربعاً، أما عدد المشتركين فهو حوالى 3360 وحدة سكنية، مطالباً بزيادة عدد المشتركين وتحسين نسبة الجباية لتمكين المؤسسة من تأدية الخدمة المطلوبة منها للمشتركين كافة «.
وأكد أنّ المنطقة مقبلة على مشاريع مائية ممولة من الصندوق الكويتي بحوالي 37مليون دولار وبتمويل محلي بقيمة 26 مليون دولار.
وفي الختام، أكد رئيس بلدية السلطان يعقوب الموحدة أحمد الجاروش «أنّ المياه تشكّل عصب الحياة ومصدر العطاء والبركة، لافتا إلى أنّ المشروع «حيوي ومهم لمنطقتي البقاع الغربي وراشيا، وقد أتى في وقت تحتاج فيه القرى في البقاع الغربي إلى المياه، خاصة أنّ هذه المنطقة تشهد حالة جفاف لهذا العام مما ينذر بخطر شديد على مياه الشفة والمياه الجوفية».